موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الأولى: تَعريفُ المَنطوقِ الصَّريحِ


المَنطوقُ الصَّريحُ، هو: ما وُضِعَ اللَّفظُ له، فيَدُلُّ عليه بالمُطابَقةِ أو بالتَّضَمُّنِ [2268] يُنظر: ((شرح العضد)) (3/160)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (3/485)، ((التحبير)) للمرداوي (6/2867). .
وهذا القِسمُ يُسَمِّيه الحَنَفيَّةُ: عِبارةَ النَّصِّ، أو دَلالةَ العِبارةِ.
وهيَ دَلالةُ اللَّفظِ على المَعنى أوِ الحُكمِ المَسوقِ له الكَلامُ أصالةً أو تَبَعًا، بلا تَأمُّلٍ [2269] يُنظر: ((تفسير النصوص)) للصالح (1/469)، ((المناهج الأصولية)) للدريني (ص: 221). .
قال السَّرَخسيُّ: (فأمَّا الثَّابِتُ بالعِبارةِ فهو ما كان السِّياقُ لأجلِه، ويُعلَمُ قَبلَ التَّأمُّلِ أنَّ ظاهرَ النَّصِّ مُتَناوِلٌ له) [2270] ((أصول السرخسي)) (1/236). .
والمَعنى: أنَّ عِبارةَ النَّصِّ هيَ المَعنى الذي يَتَبادَرُ فهمُه مِنَ الصِّيغةِ، ويَكونُ مَقصودًا أصالةً أو تَبَعًا، ويُطلَقُ عليه المَعنى الحَرفيُّ للنَّصِّ. فتُعتَبَرُ دَلالةً صَريحةً بلا نَظَرٍ ولا بَحثٍ، وهيَ دَلالةٌ على ما سيقَ لأجلِه الكَلامُ، سَواءٌ سيقَ له أصالةً أو تَبَعًا.
فإذا قَصَدَ المُشَرِّعُ إلى مَعنًى أو حُكمٍ، فأورَدَ نَصًّا يُعَبِّرُ عن هذا الحُكمِ المَقصودِ، كان ذلك النَّصُّ عِبارةً فيه؛ لوُجودِ القَصدِ إليه، وسَوقِ الكَلامِ أو تَشريعِ النَّصِّ مِن أجلِه.
وقد يَشتَمِلُ النَّصُّ على حُكمَينِ أو أكثَرَ، ويَقومُ الدَّليلُ على أنَّ كُلًّا مِنهما مَقصودٌ، ولَكِنَّ بَعضَها مَقصودٌ أوَّلًا وبالذَّاتِ، والآخَرُ مَقصودٌ تَبَعًا جيءَ به كَتَمهيدٍ للمَعنى الأوَّلِ، فالنَّصُّ يُعتَبَرُ عِبارةً فيهما.
وأمثِلَتُها كَثيرةٌ لا تُحصى؛ لأنَّ هذا هو ما يُريدُه الشَّارِعُ مِن صياغةِ النَّصِّ وألفاظِه وأُسلوبِه، وأنَّه قَصَدَ به حكمًا خاصًّا، فكُلُّ نَصٍّ تَشريعيٍّ له مَعنًى يَدُلُّ عليه، لَكِن قد يَكونُ مَقصودًا أصالةً أو تَبَعًا.
ومِن أمثِلَتِه: قَولُ اللهِ تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] ، فهذه العِبارةُ في الآيةِ تَدُلُّ دَلالةً ظاهرةً على مَعنَيَينِ:
أحَدُهما: التَّفرِقةُ بَينَ البَيعِ والرِّبا، ونَفيُ المُماثَلةِ بَينَهما، وهذا مَقصودٌ مِنَ السِّياقِ أصالةً؛ لأنَّ الآيةَ نَزَلَت للرَّدِّ على الذينَ قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا.
والثَّاني: أنَّ حُكمَ البَيعِ الإباحةُ، وحُكمَ الرِّبا التَّحريمُ، وهذا المَعنى مَقصودٌ مِنَ السِّياقِ تَبَعًا؛ لأنَّ نَفيَ المُماثَلةِ استَتبَعَ بَيانَ حُكمِ كُلٍّ مِنهما، حتَّى يُتَوصَّلَ مِنِ اختِلافِ الحُكمَينِ إلى عَدَمِ التَّماثُلِ بَينَهما.
لهذا فإنَّ كَونَ هذا الحُكمَ غَيرَ مَقصودٍ أصالةً مِنَ السِّياقِ، لا يَمنَعُ مِن أنَّ الدَّلالةَ عليه دَلالةٌ بعِبارةِ النَّصِّ، فالدَّلالةُ على الحُكمَينِ المَذكورَينِ في الآيةِ الكَريمةِ دَلالةُ عِبارةٍ.
وأكثَرُ آياتِ القُرآنِ وأحاديثِ السُّنَّةِ تَدُلُّ على الأحكامِ بطَريقِ عِبارةِ النَّصِّ في العِباداتِ والمُعامَلاتِ والأخلاقِ [2271] يُنظر: ((تفسير النصوص)) للصالح (1/469)، ((المناهج الأصولية)) للدريني (ص: 221). .

انظر أيضا: