موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّامِنَ عَشَرَ: إذا نُسِخَ أصلُ الحُكمِ الثَّابِتِ بالقياسِ هَل يُنسَخُ مَعَه حُكمُ الفَرعِ المَقيسِ عليه؟


إذا نُصَّ على حُكمٍ في عَينٍ مِنَ الأعيانِ لمَعنًى، وقِيسَ عليه كُلُّ مَوضِعٍ وُجِدَ فيه ذلك المَعنى، ثُمَّ نُسِخَ حُكمُ الأصلِ، فهَل يَصيرُ حُكمُ الفُروعِ مَنسوخًا [441] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (3/820)، ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 275)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 220). ؟
اختَلَف الأصوليُّونَ في ذلك، والرَّاجِحُ أنَّه إذا نُسِخَ حُكمُ الأصلِ لا يَبقى [442] وعَلَّل الزَّركَشيُّ تَعبيرَ ابنِ السُّبكيِّ عنه بقَولِه: (لا يَبقى) ولم يَقُلْ: يُنسَخُ مَعَه حُكمُ الفرعِ، فقال: (لأنَّ أصحابَنا لا يَقولونَ: إنَّ حُكمَ الفرعِ يُنسَخُ بارتِفاعِ حُكمِ الأصلِ، بَل يَزولُ حُكمُه لزَوالِ كَونِ العِلَّةِ مُعتَبَرةً، وإذا زالَ لزَوالِ عِلَّتِه لا يُقالُ: إنَّه مَنسوخٌ). ((تشنيف المسامع)) (2/888). ويُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1824). حُكمُ الفَرعِ الثَّابِت بالقياسِ على هذا الأصلِ. وهو قَولُ جُمهورِ الأصوليِّينَ [443] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/426)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 377)، ((فواتح الرحموت)) للكنوي (2/103). ، ومِنهم أبو يَعلى [444] يُنظر: ((العدة)) (3/820). ، والشِّيرازيُّ [445] يُنظر: ((التبصرة)) (ص: 275). ، والآمِديُّ [446] يُنظر: ((الإحكام)) (3/167). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ الفرعَ تابِعٌ للأصلِ، فإذا بَطَلَ الحُكمُ في الأصلِ بطَلَ في الفرعِ؛ لأنَّ الحُكمَ في الفرعِ إنَّما ثَبَتَ لثُبوتِه في الأصلِ، فإذا بَطَلَ الحُكمُ في الأصلِ وجَبَ أن يَبطُلَ في الفرعِ [447] يُنظر: ((التبصرة)) (ص: 275)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/887). .
2- أنَّ ثُبوتَ الحُكمِ في الفرعِ تابِعٌ لاعتِبارِ عِلَّتِه بحُكمِ الأصلِ؛ لأنَّ الحُكمَ في الفرعِ يَفتَقِرُ إلى أصلٍ، وإلى عِلَّةٍ، ثُمَّ ثَبَتَ أنَّ زَوالَ العِلَّةِ يوجِبُ زَوالَ الحُكمِ، فكذلك زَوالُ الأصلِ يَجِبُ أن يوجِبَ زَوالَ الحُكمِ، فإذا نُسِخ حُكمُ الأصلِ خَرَجَتِ العِلَّةُ المُستَنبَطةُ مِنه عن أن تَكونَ مُعتَبَرةً في نَظَرِ الشَّارِعِ، فبَطَلَ ما كان تابِعًا لاعتِبارِها؛ لأنَّ في نَسخِ الأصلِ إلغاءً للعِلَّةِ عنِ العِلِّيَّةِ، وهذا ظاهِرٌ، فيَرتَفِعُ حُكمُ الفرعِ؛ لأنَّه إن لم يَرتَفِعْ حُكمُ الفرعِ لكان ثُبوتُه عن غَيرِ دَليلٍ [448] يُنظر: ((التبصرة)) (ص: 275)، ((الإحكام)) للآمدي (3/167)، ((فواتح الرحموت)) للكنوي (2/103). .
قال شَمسُ الدِّينِ الأصفهانيُّ: (حُكمُ الأصلِ هو الموجِبُ لاعتِبارِ العِلَّةِ في حُكمِ الأصلِ، فإذا ارتَفعَ حُكمُ الأصلِ خَرَجَتِ العِلَّةُ عنِ الِاعتِبارِ، فلا يَتَحَقَّقُ الفرعُ حينَئِذٍ؛ وإلَّا لتَحَقَّق المَعلولُ بدونِ العِلَّةِ) [449] ((بيان المختصر)) (2/561). .
وقيلَ: يبقى حُكمُ الفرعِ. وهو قَولُ بَعضِ الشَّافِعيَّةِ [450] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/513). ، ونُسِبَ لبَعضِ الحَنَفيَّةِ، لَكِنْ في هذه النِّسبةِ نَظَرٌ؛ لأنَّها على خِلافِ المُختارِ عِندَهم.
قال ابنُ الهُمامِ: (المُختارُ أنَّ نَسخَ حُكمِ الأصلِ لا يَبقى مَعَه حُكمُ الفرعِ) [451] ((التحرير)) (ص: 395). .
وقال الأنصاريُّ: (هذه النِّسبةُ لم تَثبُتْ، وكَيف لا، وقد صَرَّحوا أنَّ النَّصَّ المَنسوخَ لا يَصِحُّ عليه القياسُ، وسيَجيءُ في شُروطِ القياسِ أنَّ مِن شُروطِه: أن لا يَكونَ حُكمُ الأصلِ مَنسوخًا) [452] ((فواتح الرحموت)) (2/103). .

انظر أيضا: