موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّالِثُ: طُرُقُ التَّرجيحِ بَينَ مَنقولٍ ومَعقولٍ


إذا تَعارَضَ المَنقولُ -يَعني الكِتابَ والسُّنَّةَ- والمَعقولُ -يَعني القياسَ- فإن كان المَنقولُ خاصًّا ودَلَّ على المَطلوبِ بمَنطوقِه يُرَجَّحُ على القياسِ؛ لكَونِه أصلًا بالنِّسبةِ إلى الرَّأيِ، ولِقِلَّةِ تَطَرُّقِ الخَلَلِ إليه [900] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/280). .
وإن كان خاصًّا ودَلَّ عليه لا بمَنطوقِه فالظَّنُّ الحاصِلُ مِنه قد يَكونُ أقوى مِنَ الحاصِلِ مِنَ القياسِ، وقد يَكونُ مِثلَه، وقد يَكونُ أضعَفَ؛ فالتَّرجيحُ بحَسَبِ ما يَتَّفِقُ للنَّاظِرِ، فله أن يَعتَبِرَ الظَّنَّينِ ويَأخُذَ بأقواهما [901] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/405)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/767)، ((التحبير)) للمرداوي (8/4267)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/744). .
ومِمَّن نَصَّ على ذلك: الآمِديُّ [902] يُنظر: ((الإحكام)) (4/280). ، وابنُ الحاجِبِ [903] يُنظر: ((مختصر منتهى السؤل والأمل)) (2/1309). ، وابنُ مُفلِحٍ [904] يُنظر: ((أصول الفقه)) (4/1629). ، والمَرداويُّ [905] يُنظر: ((التحبير)) (8/4267). .
وإن كان المَنقولُ عامًّا فحُكمُه مَعَ القياسِ قد تقدَّم الكَلامُ عليه في بابِ التَّخصيصِ بالقياسِ.
ومِن أمثِلةِ تَقديمِ المَنقولِ على القياسِ: تَقديمُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُغسَلُ مِن بَولِ الجاريةِ، ويُرَشُّ مِن بَولِ الغُلامِ)) [906] لفظه: عن أبي السَّمحِ، قال: كنتُ أخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان إذا أراد أن يغتَسِلَ قال: "وَلِّني قفاك"، فأُوَلِّيه قفاي فأستُرُه به، فأُتِيَ بحَسَنٍ أو حُسَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، فبال على صَدرِه، فجِئتُ أغسِلُه، فقال: "يُغسَلُ من بولِ الجاريةِ، ويُرَشُّ من بولِ الغلامِ". أخرجه أبو داود (376) واللفظ له، والنسائي (304،224) مفرَّقًا، وابن ماجه (526). صحَّحه ابنُ خزيمة في ((الصحيح)) (1/385)، والحاكم في ((المستدرك)) (589)، والبيهقي في ((الخلافيات)) (2407)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (2/270)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/532)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/402)، وحَسَّنه البخاري كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقن (1/18). على قياسِ بَولِ الصَّبيِّ على بَولِ الجاريةِ؛ فمَن قال بالحَديثِ -وهما الشَّافِعيُّ وأحمدُ- يُقدِّمُ قَولَهم على مَن قال بنَجاسةِ بَولِ الصَّبيِّ قياسًا على بَولِ الجاريةِ، وهما أبو حَنيفةَ ومالِكٌ [907] يُنظر: ((قواعد أصول الفقه وتطبيقاتها)) لصفوان داوودي (1/250). .

انظر أيضا: