موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الرَّابِعةُ: طُرُقُ التَّرجيحِ بَينَ الأقيِسةِ التي تَرجِعُ إلى الأمورِ الخارِجيَّةِ


مِنَ الأصوليِّينَ مَن يُحيلُ التَّرجيحَ بَينَ القياسَينِ بأمرٍ خارِجيٍّ إلى ما قَرَّروه في طُرُقِ التَّرجيحِ بَينَ المَنقولاتِ [892] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (4/ 280)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/ 405)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (2/1206). ؛ فلِذا أعرَضَ بَعضُهم عن ذِكرِ المُرَجِّحاتِ بَينَ القياسَينِ بالأمورِ الخارِجيَّةِ. وكُلُّ ما يَقولُه الأصوليُّونَ في هذه المَسألةِ فهو في الحَقيقةِ داخِلٌ في عُمومِ تَرجيحِ دَليلٍ على آخَرَ بأمرٍ خارِجيٍّ [893] يُنظر: ((المدونة في التعارض الترجيح)) لعبد العزيز العويد (ص: 637). ، ومِن ذلك:
تَقويةُ أحَدِ القياسَينِ بأن يُعَضِّدَه أثَرٌ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا عاضَدَ الخَبَرُ النَّبَويُّ أحَدَ القياسَينِ صارَ لهذا القياسِ مَزيَّةٌ ورُجحانٌ على الآخَرِ، فيَكونُ أولى [894] يُنظر: ((الفصول في الأصول)) للجصاص (4/ 210). .
ومِثالُه: تَعليلُ بَعضِ العُلماءِ لاعتِبارِ التَّساوي في بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ بحالِ الادِّخارِ، بقَولِهم: إنَّه جِنسٌ فيه الرِّبا بِيعَ بَعضُه ببَعضٍ كَيلًا على وجهٍ يَنقُصُ أحَدُهما في حالِ ادِّخارِه، فلم يَجُزْ؛ قياسًا على بَيعِ المَبلولةِ باليابِسةِ.
وقال آخَرونَ: يُعتَبَرُ التَّساوي حالَ العَقدِ، ويُعَلِّلونَ ذلك بأنَّهما تَساويا في الكَيلِ حالَ العَقدِ، فأشبَهَ الحَديثةَ بالعَتيقةِ.
والقياسُ الأوَّلُ أَولى؛ لأنَّ عِلَّتَهم تَأيَّدَت بموافقَتِها للسُّنَّةِ، وهو ما ثَبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا سُئِل عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، فقال: ((أيَنقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِسَ؟ قالوا: نَعَم. قال: فلا إذَنْ)) [895] لفظه: عن زيد بن عياش قال: سُئلَ سعدٌ عن البيضاءِ بالسَّلتِ فكرِهَهُ وقال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يسألُ عن الرُّطبِ بالتَّمرِ فقال: يَنْقُصُ إذا يَبُسَ قالوا: نعمْ قال: فلا إذًا)) أخرجه أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، وأحمد (1544) واللفظ له صححه علي بن المديني كما في ((المقرر على أبواب المحرر)) ليوسف بن ماجد (1/602)، وابن حبان في ((صحيحه)) (4997)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/477)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (3/68)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3359)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (376)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
فاعتُبرَ في بَيانِ الحُكمِ حالُ الادِّخارِ لا حالُ العَقدِ [896] يُنظر: ((الترجيح بين الأقيسة المتعارضة)) لعلي حسين (ص: 173). .
وكذلك القياسُ الذي يُعَضِّدُه قَولُ صَحابيٍّ -وخُصوصًا الخُلَفاءَ الرَّاشِدينَ- فهو أَولى مِنَ القياسِ الآخَرِ، إذا تَعارَضا [897] يُنظر: ((الفصول في الأصول)) للجصاص (4/ 210). . إلى غَيرِها مِنَ المُرَجِّحاتِ الخارِجيَّةِ، كظَواهرِ القُرآنِ وعُموماتِه، أو عَمَلِ أهلِ المَدينةِ عِندَ مَن يَحتَجُّ به، وغَيرِ ذلك [898] يُنظر: ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (5/ 2467)، ((الترجيح بين الأقيسة المتعارضة)) لعلي حسين (ص: 171)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص447). .
والأصلُ أنَّ مَناطَ طُرُقِ التَّرجيحِ -على كَثرَتِها- هو أنَّ ما كان إفادَتُه للظَّنِّ أكثَرَ فهو الرَّاجِحُ [899] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/181). .

انظر أيضا: