موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الرَّابعةُ: النَّومُ


النَّومُ: معروفٌ [721] قيلَ في حَدِّه: حالةٌ طَبيعيَّةٌ تَتَعَطَّلُ مَعَها القُوى. وقيلَ: فترةٌ طَبيعيَّةٌ تَحدُثُ في الإنسانِ بلا اختيارٍ مِنه، وتَمنَعُ الحَواسَّ عنِ العَمَلِ مَعَ سَلامَتِها، وتَمنَعُ استِعمالَ العَقلِ مَعَ قيامِه، فيَعجِزُ العَبدُ به عن أداءِ ما عليه. يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 228)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/277- 278)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/39). ويُنظر أيضا: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (1/243). . والنَّائِمُ حالةَ نَومِه غيرُ مُكلَّفٍ، فإذا استيقَظَ عادَ التَّكليفُ [722] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (1/242)، ((التلخيص)) للجويني (1/138)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/410)، ((تفسير ابن عرفة)) (1/292)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/511)، ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 134). .
قال السَّمعانيُّ: (وحُكمُ النَّومِ تَأخيرُ حُكمِ الخِطابِ في حَقِّ العَمَلِ به لا سُقوطُ الوُجوبِ أصلًا) [723] ((قواطع الأدلة)) (2/389). .
والمُرادُ بعَدَمِ تَكليفِه أو خِطابِه بالتَّكليفِ حالةَ نَومِه: أنَّ ما يَصدُرُ مِنه مِنَ الأقوالِ لَغوٌ لا يُعتَدُّ به حَتَّى لَو نَطَقَ بالطَّلاقِ أو بكلمةِ الكُفرِ أو بالقَذفِ أو ببيعٍ أو شِراءٍ أو نَحوِ ذلك، لا يُعتَدُّ به. وأمَّا الأفعالُ فيُؤاخَذُ على ما يوجِبُ الضَّمانَ مِنها؛ فالنَّائِمُ يَضمَنُ ما يُتلِفُه في نَومِه؛ لأنَّ الضَّمانَ ليس مِن شَرطِه التَّكليفُ، ويَقضي الصَّلَواتِ التي تَمُرُّ عليه مَواقيتُها، إلى غيرِ ذلك مِنَ الأحكامِ، لَكِنَّه لا يُخاطَبُ في حالِ نَومِه، ولَكِن يتَوجَّهُ عليه الخِطابُ بَعدَ ذلك [724] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/410)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 85). .
ومِنَ الأدِلَّةِ على ذلك [725] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/389)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/410)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/511)، ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 134). :
1- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثةٍ: النَّائِمِ حَتَّى يَستيقِظَ، وعنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحتَلمَ، وعنِ المَجنونِ حَتَّى يَعقِلَ)) [726] أخرجه أبو داود (4401)، وابن خزيمة (1003)، وابن حبان (143) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفظُ ابنِ خُزيمةَ: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثٍ: عنِ المَجنونِ المَغلوبِ على عَقلِه، وعنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستيقِظَ، وعنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحتَلِمَ)). صحَّحه ابنُ خزيمة، وابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (949)، والذهبي في ((المهذب)) (7/3404). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((رُفِعَ القَلَمُ)) مَعناه امتِناعُ التَّكليفِ لا أنَّه رُفِعَ بَعدَ وَضعِه [727] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (6/ 253). . وقَولُه: (وعنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستيقِظَ) يَقتَضي ارتِفاعَ تَكليفِه حالةَ النَّومِ [728] يُنظر: ((إبراز الحكم من حديث رفع القلم)) لتقي الدين السبكي (ص: 85). .
2- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نامَ عن صَلاةٍ أو نَسيَها فليُصَلِّها إذا ذَكرَها)) [729] أخرجه البخاري (597) دون ذكر النوم، ومسلم (684) مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفظُ مُسلمٍ: قال نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها فكفَّارَتُها أن يُصَلِّيَها إذا ذَكرَها)). .
3- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّه ليس في النَّومِ تَفريطٌ)) [730] أخرجه مسلم (681) من حديثِ أبي قتادةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((ليس في النَّومِ تَفريطٌ)) دَلَّ على أنَّ النَّائِمَ ليس بمُكلَّفٍ حالَ نَومِه [731] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/ 33). .
قال النَّوويُّ: (فيه دَليلٌ لِما أجمَعَ عليه العُلَماءُ أنَّ النَّائِمَ ليس بمُكلَّفٍ، وإنَّما يَجِبُ عليه قَضاءُ الصَّلاةِ) [732] ((شرح مسلم)) (5/ 186). واختَلَفوا: هل القَضاءُ بأمرٍ جَديدٍ أو بالأمرِ الأوَّلِ؟ والمَشهورُ أنَّه بأمرٍ جَديدٍ، وهو الوارِدُ في حَديثِ ((فليُصَلِّها إذا ذَكرَها)). يُنظر: ((إبراز الحكم من حديث رفع القلم)) (ص: 85). .
4- الإجماعُ على ذلك، ومِمَّن حَكاه النَّوويُّ [733] قال النَّوويُّ: (... أجمَعَ... العُلَماءُ أنَّ النَّائِمَ ليس بمُكلَّفٍ). ((شرح مسلم)) (5/186). ويُنظر أيضًا: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/179). .
5- أنَّ الإتيانَ بالفِعلِ المُعَيَّنِ على وَجهِ الامتِثالِ يَتَوقَّفُ على العِلمِ بالفِعلِ المَأمورِ به؛ لأنَّ الامتِثالَ عِبارةٌ عن إيقاعِ المَأمورِ به على وَجهِ الطَّاعةِ، ويَلزَمُ مِن ذلك عِلمُ المَأمورِ بتَوجُّهِ الأمرِ نَحوَه وبالفِعلِ؛ فهو مُستَحيلٌ عَقلًا في حالةِ النَّائِمِ لعَدَمِ الفَهمِ [734] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/511). .
وما يَدُلُّ على إحالةِ تَكليفِ النَّائِمِ هو نَفسُه ما يَدُلُّ على امتِناعِ تَكليفِ البَهيمةِ والطِّفلِ المَجنونِ؛ لاشتِراكِ جَميعِهم في زَوالِ العَقلِ والتَّمييزِ [735] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) (1/243). .

انظر أيضا: