موسوعة أصول الفقه

تمهيدٌ: حَصرُ أنواعِ الحُكمِ الوَضعيِّ


ذَهَبَ كُلُّ مَن قال بالحُكمِ الوضعيِّ إلى إدراجِ السَّبَبِ والشَّرطِ والمانِعِ تَحتَ أقسامِ الحُكمِ الوَضعيِّ [865]  يُنظر: ((تحفة المسؤول)) للرهوني (2/90)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/300)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1128). .
قال العِراقيُّ: (لا تَرَدُّدَ في أنَّ الثَّلاثةَ الأُوَلَ [866] يقصد بالثلاثة الأول: السبب والشرط والمانع. مِن خطابِ الوَضعِ، وأمَّا الصِّحَّةُ والفسادُ فهو الصَّحيحُ فيهما؛ لأنَّه حُكمٌ من الشَّارِعِ بذلك) [867] ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص:39). .
وقال البِرْماويُّ: (قال الشَّيخُ صَلاحُ الدِّينِ العَلائيُّ: إنَّ أنواعَ خِطابِ الوَضعِ المَشهورةَ: السَّبَبُ، والشَّرطُ، والمانِعُ، وزادَ بَعضُهم: الصِّحَّةَ، والفسادَ، والعَزيمةَ، والرُّخصةَ. وجَرى عليه الآمِديُّ) [868] ((الفوائد السنية)) (1/250). .
واختَلَفوا فيما سِوى ذلك، والرَّاجِحُ اعتِبارُ الصِّحَّةِ والفسادِ والعَزيمةِ والرُّخصةِ مِن أقسامِ الحُكمِ الوَضعيِّ، كما هو اختيارُ ابنِ قُدامةَ [869] يُنظر: ((روضة الناظر)) (1/183). ، والآمِديِّ [870] يُنظر: ((الإحكام)) (1/96). ، والشَّاطبيِّ [871] يُنظر: ((الموافقات)) (1/297). ، وآخَرينَ [872] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/178)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1124). .
أمَّا الصِّحَّةُ والفَسادُ أوِ البُطلانُ، فلأنَّهما مِنَ الأحكامِ وليسا مُندَرِجَينِ في الاقتِضاءِ والتَّخييرِ؛ إذ ليس فيهما طَلَبُ فِعلٍ ولا طَلَبُ تَركٍ ولا تَخييرٌ بينَ الفِعلِ والتَّركِ حَتَّى يَكونا مِنَ الأحكامِ التَّكليفيَّةِ، وإنَّما هما حُكمانِ مِنَ الشَّارِعِ بذلك الوَصفِ، كما أنَّ كونَ الفِعلِ مُسقِطًا للأداءِ أو موافِقًا للشَّرعِ إنَّما يُعرَفُ مِن جِهةِ الشَّرعِ؛ فالموافَقةُ والإسقاطُ ليستا عَقليَّتينِ [873] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/407)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (2/18)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص:39)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/163)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/250). .
وأمَّا الرُّخصةُ والعَزيمةُ فلأنَّ الأصلَ في جَميعِ الأحكامِ أن تَكونَ عَزيمةً، ولا تَنتَقِلُ مِنَ العَزيمةِ إلى الرُّخصةِ إلَّا لسَبَبٍ، وهو الضَّرورةُ في إباحةِ المَحظورِ، أو طُروءُ العُذرِ كسَبَبٍ للتَّخفيفِ بتَركِ الواجِبِ، أو دَفعُ الحَرَجِ عنِ النَّاسِ كسَبَبٍ صَحيحٍ في بَعضِ عُقودِ المُعامَلاتِ بينَهم؛ فارتَبَطَتِ العَزيمةُ بفِقدانِ السَّبَبِ الشَّرعيِّ المُبيحِ، وارتَبَطَتِ الرُّخصةُ بوُجودِ السَّبَبِ المُبيحِ لَها؛ فالرُّخصةُ في الحَقيقةِ عِبارةٌ عن وضعِ الشَّارِعِ وصفًا مِنَ الأوصافِ سَبَبًا في التَّخفيفِ، والعَزيمةُ عِبارةٌ عنِ اعتِبارِ مَجاري العاداتِ سَبَبًا للجَري على الأحكامِ الأصليَّةِ [874] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/332)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1126)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/430). .
وأدرج البَعضُ -كالآمِديِّ [875]  يُنظر: ((الإحكام)) (1/96). ، وابنِ قُدامةَ [876]  يُنظر: ((روضة الناظر)) (1/175، 184). - الأداءَ والإعادةَ والقَضاءَ ضِمنَ مَباحِثِ الحُكمِ الوَضعيِّ [877] وقيلَ: إنَّها تَدخُلُ ضِمنَ السَّبَبِ؛ لأنَّ دُخولَ الوقتِ سَبَبٌ للأداءِ، وخُروجَه سَبَبٌ للقَضاءِ، وبُطلانُ الفِعلِ سَبَبٌ للإعادةِ. يُنظر: ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 419). ، وأدرَجَها آخَرونَ ضِمنَ مَباحِثِ الحُكمِ التَّكليفيِّ؛ لكونِها أقسامًا لِما طُلِبَ فِعلُه باعتِبارِ وقتِ أدائِه [878]  يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/116)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/199)، ((شرح العضد)) (2/146)، ((تحفة المسؤول)) للرهوني (2/25)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/315)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/416). وزادَ القَرافيُّ نَوعينِ آخَرينِ: التَّقديراتِ الشَّرعيَّةَ، والحِجاجَ. فأمَّا التَّقديراتُ الشَّرعيَّةُ فهي إعطاءُ المَوجودِ حُكمَ المَعدومِ، كالماءِ في حَقِّ المَريضِ والخائِفِ، أو إعطاءُ المَعدومِ حُكمَ المَوجودِ، كالمَقتولِ خَطَأً تُورَثُ عنه ديَتُه؛ حيثُ إنَّها لا تُملَكُ إلَّا بَعدَ مَوتِه، وهي ليست في مِلكِه قَبلَ مَوتِه، فيُقَدَّرُ دُخولُه في مِلكِه قَبلَ مَوتِه حَتَّى تَنتَقِلَ إلى ورَثَتِه، فقَدَّرنا المَعدومَ هنا مَوجودًا للضَّرورةِ. وأمَّا الحِجاجُ فهي التي يَستَنِدُ إليها القُضاةُ في الأحكامِ، كالشُّهودِ، والإقرارِ، واليَمينِ مَعَ النُّكولِ، أو مَعَ الشَّاهدِ الواحِدِ، فإذا نَهَضَت تلك الحُجَّةُ عِندَ القاضي وجَبَ عليه الحُكمُ، وذَهَبَ البَعضُ إلى أنَّهما يَرجِعانِ إلى السَّبَبِ؛ لأنَّ هذه التَّقديراتِ وهذه الحِجاجَ إنَّما نَشَأت عن أسبابِها، فكانت مِن قَبيلِ الأسبابِ. يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 69)، ((البحر المحيط)) (2/ 13)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 418). .

انظر أيضا: