موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّالثةُ: تَقسيماتُ السَّبَبِ


أوَّلًا: أقسامُ السَّبَبِ باعتِبارِ طَريقِ جَعلِه سَبَبًا
يَنقَسِمُ السَّبَبُ باعتِبارِ طَريقِ جَعلِه سَبَبًا إلى ثَلاثةِ أقسامٍ [902] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/346). :
1- السَّبَبُ الشَّرعيُّ: وهو الذي ثَبتَ تَأثيرُه في مُسَبَّبِه أو جُعِلَ عَلامةً على مُسَبَّبِه مِن جِهةِ الشَّرعِ، وذلك كالإسكارِ؛ فإنَّه ثَبَتَ كونُه عَلامةً على التَّحريمِ مِن جِهةِ الشَّرعِ، وكدُلوكِ الشَّمسِ؛ فإنَّه ثَبَتَ كونُه عَلامةً على وُجوبِ الصَّلاةِ مِن جِهةِ الشَّرعِ [903] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/346)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (2/136)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/398). .
2- السَّبَبُ العَقليُّ: وهو الذي ثَبَتَ تَأثيرُه في مُسَبَّبِه مِن جِهةِ العَقلِ، كالصُّعودِ إلى مَوضِعٍ عالٍ عِندَ إرادةِ إلقاءِ شيءٍ مِنه [904] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/359). .
3- السَّبَبُ العاديُّ: وهو الذي ثَبَتَ تَأثيرُه في مُسَبَّبِه بمُقتَضى العادةِ المَألوفةِ المُتَكرِّرِ وُقوعُها، كحَزِّ الرَّقَبةِ، سَبَبٌ في القَتلِ [905] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (2/136)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/395). .
ثانيًا: أقسامُ السَّبَبِ باعتِبارِ قُدرةِ المُكلَّفِ
يَنقَسِمُ السَّبَبُ باعتِبارِ دُخولِه تَحتَ قُدرةِ المُكلَّفِ إلى قِسمينِ:
1- سَبَبٌ في مَقدورِ المُكلَّفِ: أي: أنَّ باستِطاعةِ المُكلَّفِ تَحصيلَه وإيجادَه، وباستِطاعَتِه عَدَمَ إيجادِه، وذلك مِثلُ السَّفَرِ الذي هو عِلَّةٌ في قَصرِ الصَّلاةِ وإباحةِ الفِطرِ، والبيعِ الذي هو سَبَبٌ لمِلكِ المَبيعِ، وكذا عَقدُ النِّكاحِ سَبَبٌ لحِلِّ الاستِمتاعِ، فهذه الأسبابُ مَقدورةٌ للمُكلَّفِ؛ حيثُ بإمكانِه البيعُ والسَّفرُ والنِّكاحُ [906] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/162)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/300). .
2- سَبَبٌ خارِجٌ عن قُدرةِ المُكلَّفِ: أي: ليس بإمكانِ المُكلَّفِ تَحصيلُه ولا إيجادُه، وهو لا يَكونُ مِن فِعلِ المُكلَّفِ ولا مِن كَسبِه، وذلك كدُلوكِ الشَّمسِ؛ فإنَّه سَبَبٌ لوُجوبِ الصَّلاةِ، وهو خارِجٌ عن قُدرةِ المُكلَّفِ، فليس بإمكانِه تَحصيلُه ولا إيجادُه، وكذا البُلوغُ سَبَبٌ في سُقوطِ الوِلايةِ، وهو خارِجٌ عن قُدرةِ المُكلَّفِ، وشُهودُ رَمَضانَ سَبَبٌ في وُجوبِ الصِّيامِ، وهو خارِجٌ عن قُدرةِ المُكلَّفِ [907] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/162)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/298). .
ثالثًا: أقسامُ السَّبَبِ باعتِبارِ تَكرُّرِه
1- ما يَتَكرَّرُ الحُكمُ بتَكرُّرِه: كالدُّلوكِ للصَّلاةِ، ورُؤيةِ هِلالِ رَمَضانَ لوُجوبِ صَومِه، وكالنِّصابِ للزَّكاةِ، بدَليلِ الإضافةِ إليه، وتَضاعُفِها عِندَ تَضاعُفِ النُّصُبِ في حَولٍ واحِدٍ، وإنَّما جُعِلَ النِّصابُ سَبَبًا دونَ الحَولِ، مَعَ أنَّها تَتَكرَّرُ بتَكرُّرِه عِندَ اتِّحادِ النِّصابِ؛ لأنَّ اعتِبارَه صِفةُ المالِ التي باعتِبارِها يَصيرُ المالُ نِصابًا، وهي النَّماءُ؛ إذِ الحَولُ في الغالِبِ مَظِنَّةُ حُصولِ النَّماءِ، فأُقيمَ مُقامَه، ويَكونُ المالُ المَخصوصُ مُعَدًّا للنَّماءِ بأحَدِ الإعدادَينِ، وهو السَّبَبُ للزَّكاةِ، وهو المُسَمَّى بالنِّصابِ، وهذا المَعنى مُتَكرِّرٌ بتَكرُّرِ الحَولِ؛ لأنَّ ما أعِدَّ للنَّماءِ لِما مَضى مِنَ الحَولِ غيرُ ما أُعِدَّ لِما يَأتي مِنه.
2- ما لا يَتَكرَّرُ الحُكمُ بتَكرُّرِه: كوُجوبِ مَعرِفةِ اللهِ تعالى عِندَ تَكرُّرِ الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على وُجودِه وتَوحيدِه، وكوُجوبِ الحَجِّ عِندَ تَكرُّرِ الاستِطاعةِ عِندَ مَن يَجعَلُها سَبَبًا [908] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (2/ 676)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/ 7). قال الزَّركشيُّ: (وقَسَّم ابنُ الحاجِبِ السَّبَبَ إلى وقتيٍّ، كالزَّوالِ؛ فإنَّه مُعَرِّفٌ لوقتِ الظُّهرِ، وإلى مَعنَويٍّ كالإسكارِ؛ فإنَّه مُعَرِّفٌ لتَحريمِ الخَمرِ، والمَلكِ؛ فإنَّه جُعِلَ سَبَبًا لإباحةِ الانتِفاعِ). ((البحر المحيط)) (2/ 7). ويُنظر: ((الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب)) للبابرتي (1/ 416). .
وقَسَّمَ الحَنَفيَّةُ السَّبَبَ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ:
1- السَّبَبُ الحَقيقيُّ: وهو سَبَبٌ ليس فيه مَعنى العِلَّةِ، وذلك بأن تَكونَ العِلَّةُ غيرَ مُضافةٍ إلى السَّبَبِ، بأن تَكونَ العِلَّةُ فِعلًا اختياريًّا، فلا يُضافُ الحُكمُ إليه. مِثالُه: أنَّ الدَّالَّ على مالِ السَّرِقةِ لا يَضمَنُ، ولا يَشتَرِكُ في الغَنيمةِ الدَّالُّ على حِصنٍ في دارِ الحَربِ؛ لأنَّه تَوسَّطَ بينَ السَّبَبِ والحُكمِ عِلَّةٌ هي فِعلُ فاعِلٍ مُختارٍ، وهو السَّارِقُ والغازي، فتَقطَعُ هذه العِلَّةُ نِسبةَ الحُكمِ إلى السَّبَبِ.
2- سَبَبٌ فيه مَعنى العِلَّةِ: وهو ما توسَّط بينَه وبينَ الحُكمِ عِلَّةٌ، وكانتِ العِلَّةُ مُضافةً إلى السَّبَبِ، كوطءِ الدَّابَّةِ شيئًا؛ فإنَّه عِلَّةٌ لهلاكِه، وهذه العِلَّةُ مُضافةٌ إلى سُوقِها، وهو السَّبَبُ؛ فيُضافُ الحُكمُ إلى السَّبَبِ، فتَجِبُ الدِّيةُ بسُوقِ الدَّابَّةِ.
3- سَبَبٌ مَجازيٌّ: كالصِّيَغِ الدَّالَّةِ على تَعليقِ الطَّلاقِ أوِ النَّذرِ؛ فإنَّها قَبلَ وُقوعِ المُعَلَّقِ عليه أسبابٌ مَجازيَّةٌ؛ لِما يَتَرَتَّبُ عليها مِنَ الجَزاءِ، وهو وُقوعُ الطَّلاقِ أو لُزومُ النَّذرِ، ولَم تُعتَبَرْ أسبابًا حَقيقيَّةً؛ إذ رُبَّما لا تُفضي إلى الجَزاءِ، بألَّا يَقَعَ المُعَلَّقُ عليه. ويُطلَقُ على هذا النَّوعِ مِنَ السَّبَبِ (سَبَبٌ لَه شُبهةُ العِلَّةِ) [909] يُنظر: ((التلويح)) للتفتازاني (2/ 275- 276). ويُنظر أيضًا: ((أصول السرخسي)) (2/ 304- 305)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (24/146-147). .

انظر أيضا: