موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: الفرقُ بينَ الشَّرطِ والسَّبَبِ وبينَ الشَّرطِ والرُّكنِ


أوَّلًا: الفرقُ بينَ السَّبَبِ والشَّرطِ
الفرقُ بينَ الشَّرطِ والسَّبَبِ أنَّ السَّبَبَ يوجَدُ الحُكمُ بوُجودِه، لَكِنَّ الشَّرطَ لا يوجَدُ الحُكمُ بوُجودِه؛ فالسَّبَبُ يُؤَثِّرُ في حالَتيِ الوُجودِ والعَدَمِ بخِلافِ الشَّرطِ، فيُؤَثِّرُ في حالةِ العَدَمِ دونَ الوُجودِ.
ومِثالُ ذلك: شُهودُ رَمَضانَ؛ فهو سَبَبٌ لوُجوبِ الصِّيامِ يَجِبُ الصِّيامُ بوُجودِه ويَنتَفي بانتفائِه، فإذا لَم يَشهَدْ رَمَضانَ لَم يَجِبْ عليه الصِّيامُ، أمَّا الحَولُ فهو شَرطٌ لوُجوبِ الزَّكاةِ يَلزَمُ مِن عَدَمِه عَدَمُ وُجوبِ الزَّكاةِ فلا زَكاةَ في مالٍ حَتَّى يَحولَ عليه الحَولُ، ولا يَلزَمُ مِن حَوَلانِ الحَولِ وُجوبُ الزَّكاةِ ولا عَدَمُها؛ فقَد يَحولُ الحَولُ على غيرِ نِصابٍ، وقد يَحولُ الحَولُ على نِصابٍ مَعَ وُجودِ مانِعٍ يَمنَعُ مِن وُجوبِ الزَّكاةِ، كالدَّينِ ونَحوِه، فظَهَرَ مِن خِلالِ ما سَبَقَ أنَّ الشَّرطَ مُؤَثِّرٌ في حالةِ العَدَمِ، وغيرُ مُؤَثِّرٍ في حالةِ الوُجودِ، وأنَّ السَّبَبَ مُؤثِّرٌ في حالَتيِ الوُجودِ والعَدَمِ [918] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص:261)، ((العقد المنظوم)) (2/257)، ((الفروق)) (1/60)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 82) كلها للقرافي. .
ثانيًا: الفَرقُ بينَ الشَّرطِ والرُّكنِ
الرُّكنُ: هو ما يَتَوقَّفُ عليه وُجودُ الحُكمِ، ويَكونُ جُزءًا في ماهيَّتِه [919] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 404). ويُنظر أيضًا: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/ 101). .
وقيلَ: هو ما يَتِمُّ به الشَّيءُ، وهو داخِلٌ فيه [920] ((التعريفات)) للجرجاني (ص112). .
ويَختَلِفُ الشَّرطُ عنِ الرُّكنِ مِن وجهَينِ:
الأوَّلُ: أنَّ الشَّرطَ خارِجٌ عن حَقيقةِ الشَّيءِ، أمَّا الرُّكنُ فهو جُزءٌ مِن حَقيقةِ الشَّيءِ، فالرُّكوعُ جُزءٌ مِنَ الصَّلاةِ داخِلٌ في حَقيقَتِها، فهو رُكنٌ مِن أركانِها بخِلافِ الطَّهارةِ، فهي خارِجةٌ عن حَقيقةِ الصَّلاةِ ليست جُزءًا مِنها، لَكِن تَتَوقَّفُ صِحَّةُ الصَّلاةِ عليها؛ فكانت شَرطًا مِن شُروطِ صِحَّتِها.
الثَّاني: أنَّ الرُّكنَ يَتَوقَّفُ عليه الوُجودُ الذِّهنيُّ والخارِجيُّ جَميعًا، والشَّرطُ إنَّما يَتَوقَّفُ عليه الوُجودُ الخارِجيُّ فقَط مَعَ تَحَقُّقِ الوُجودِ في الذِّهنِ، فيُمكِنُنا أن نَتَصَوَّرَ صورةَ الصَّلاةِ بلا وُضوءٍ، ولا يُمكِنُنا أن نَتَصَوَّرَها في أذهانِنا بلا رُكوعٍ. وأبيَنُ مِن هذا أنَّنا نَتَصَوَّرُ حَقيقةَ العِلمِ بدونِ تَصَوُّرِ حَقيقةِ الحياةِ، لَكِنَّ قيامَ العِلمِ بمَحَلِّه في الخارِجِ لا بُدَّ فيه مِنَ الحياةِ؛ لأنَّها شَرطُه [921] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/227)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/761)، ((القواعد)) للحصني (2/192). .

انظر أيضا: