موسوعة أصول الفقه

المسألةُ الثَّالِثةُ: تَقسيماتُ الشَّرطِ


أوَّلًا: أقسامُ الشَّرطِ باعتِبار مَصدَرِه
يَنقَسِمُ الشَّرطُ باعتِبارِ مَصدَرِه إلى أربَعةِ أقسامٍ:
1- الشَّرطُ الشَّرعيُّ: وهو ما ثَبَتَ بالشَّرعِ، بأن دَلَّ الشَّرعُ على انتِفاءِ الحُكمِ عِندَ انتِفائِه، وذلك كالحَولِ في وُجوبِ الزَّكاةِ، والإحصانِ في وُجوبِ رَجمِ الزَّاني؛ فكُلٌّ مِنَ الحَولِ والرَّجمِ شُروطٌ شَرعيَّةٌ ثَبَتَ بالشَّرعِ انتِفاءُ الحُكمِ عِندَ انتِفائِها، فلا زَكاةَ في مالٍ حَتَّى يَحولَ عليه الحَولُ، ولا رَجمَ لزانٍ إلَّا إذا كان مُحصَنًا، وهذا مِثالٌ لشُروطٍ تَرجِعُ إلى خِطابِ الوَضعِ؛ إذ ليس للشَّارِعِ قَصدٌ في تَحصيلِه مِن حيثُ هو شَرطٌ، ولا عَدَمِ تَحصيلِه، فإبقاءُ المالِ حَولًا مِن أجلِ أن تَجِبَ فيه الزَّكاةُ ليس مَطلوبَ الفِعلِ ولا مَطلوبَ التَّركِ، وهناك مِنَ الشُّروطِ الشَّرعيَّةِ ما يَرجِعُ إلى خِطابِ التَّكليفِ، إمَّا مَأمورًا بتَحصيلِها كالطَّهارةِ؛ فإنَّها شَرطٌ لصِحَّةِ الصَّلاةِ، وهي شَرطٌ شَرعيٌّ ثابتٌ بقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةَ أحَدِكُم إذا أحدَثَ حَتَّى يَتَوضَّأَ)) [922] أخرجه البخاري (6954) واللفظ له، ومسلم (225) من حديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فانتَفت صِحَّةُ الصَّلاةِ عِندَ انتِفائِها، وهذا الشَّرطُ مَقصودُ الفِعلِ، فهو راجِعٌ إلى خِطابِ التَّكليفِ [923] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/277)، ((المستصفى)) للغزالي (ص:261)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/413). .
2- الشَّرطُ العَقليُّ: وهو الذي أدرَك العَقلُ لُزومَه لمشروطِه، وعَدَمَ تَصَوُّرِ انفِكاكِه عنه، كالحياةِ للعِلمِ؛ إذ لا يُعقَلُ عالمٌ إلَّا وهو حيٌّ؛ فالحياةُ يَلزَمُ مِنِ انتِفائِها انتِفاءُ العِلمِ؛ فالجِسمُ بدونِ الحياةِ جَمادٌ، وقيامُ العِلمِ بالجَمادِ مُحالٌ، ولا يَلزَمُ مِن وُجودِ الحياةِ وُجودُ العِلمِ، كما في الحيَوانِ البَهيمِ [924] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/277)، ((المستصفى)) للغزالي (ص:261)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/413)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/431). .
3- الشَّرطُ اللُّغَويُّ: وهو تَعليقُ حُكمٍ على أمرٍ بإحدى أدَواتِ الشَّرطِ، ومِثالُه: تَعليقُ الطَّلاقِ أوِ الحُرِّيَّةِ على دُخولِ الدَّارِ في قَولِ القائِلِ: إن دَخَلتِ الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ، فدُخولُ الدَّارِ شَرطٌ لوُقوعِ الطَّلاقِ ولازِمٌ لَه [925] يُنظر: ((التلخيص)) للجويني (2/89)، ((المستصفى)) للغزالي (ص:261)، ((الإحكام)) للآمدي (2/309). .
4- الشَّرطُ العاديُّ: وهو ما لا يُمكِنُ وُجودُ الفِعلِ بدونِه عادةً، كمُلاصَقةِ النَّارِ الجِسمَ المُحرِقَ في الإحراقِ، ومُقابَلةِ الرَّائي للمَرئيِّ، وتَوسُّطِ الجِسمِ الشَّفَّافِ في الإبصارِ [926] يُنظر: ((تهذيب الفروق)) لابن حسين (1/59)، ((الموافقات)) للشاطبي (1/413)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 360). .
ثانيًا: أقسامُ الشَّرطِ الشَّرعيِّ مِن حيثُ الوُجوبُ والصِّحَّةُ والأداءُ
يَنقَسِمُ الشَّرطُ الشَّرعيُّ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ:
1- شَرطُ وُجوبٍ: وهو ما يَتَوقَّفُ التَّكليفُ على وُجودِه، أو هو ما يَكونُ الإنسانُ به مُكلَّفًا ولا يُطالبُ المُكلَّفُ بتَحصيلِه، سَواءٌ كان في استِطاعَتِه أم لا؛ فتَحصيلُ شَرطِ الواجِبِ لا يَجِبُ، ومِثالُه دُخولُ الوقتِ والنَّقاءُ مِنَ الحيضِ والنِّفاسِ؛ فإنَّهما شَرطانِ لوُجوبِ الصَّلاةِ، فما لَم يَدخُلِ الوقتُ لَم تَجِبِ الصَّلاةُ، وبُلوغُ النِّصابِ شَرطٌ لوُجوبِ الزَّكاةِ، ولا يُطالَبُ المُكلَّفُ بدُخولِ الوَقتِ ولا بمِلكِ النِّصابِ [927] يُنظر: ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص:234)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/260)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص:48)، ((نشر البنود)) لعبدالله الشنقيطي (1/43). .
2- شَرطُ أداءٍ: وهو ما يُتَمَكَّنُ به مِنَ الفِعلِ مَعَ حُصولِ شَرطِ الوُجوبِ؛ فكُلُّ ما هو شَرطٌ في الوُجوبِ -كالبُلوغِ والعَقلِ وبُلوغِ الدَّعوةِ- فهو شَرطٌ في الأداءِ، ويَزيدُ شَرطُ الأداءِ بالتَّمَكُّنِ مِنَ الفِعلِ، والفَرقُ بينَ شَرطِ الوُجوبِ وشَرطِ الأداءِ: أنَّ كُلَّ ما لا يُطلَبُ مِنَ المُكلَّفِ -كالذُّكورةِ والحُرِّيَّةِ- يُسَمَّى شَرطَ وُجوبٍ، وما يُطلَبُ مِنه -كالخُطبةِ والجَماعةِ للجُمُعةِ- يُسَمَّى شَرطَ أداءٍ [928] يُنظر: ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص:48)، ((نشر البنود)) لعبدالله الشنقيطي (1/43)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/290). ، والبَعضُ -كمُحَمَّد ميارة- [929]  يُنظر: ((الروض المبهج)) لمياره الفاسي ((ص:18، 19). أدرَجَ شَرطَ الصِّحَّةِ ضِمنَ شَرطِ الأداءِ [930] يُنظر: ((نشر البنود)) لعبد الله الشنقيطي (1/ 43). .
3- شَرطُ صِّحَّةٍ: وهو ما اعتُبرَ للاعتِدادِ بفِعلِ الشَّيءِ، طاعةً كان أو غيرَها، كالطَّهارةِ بالماءِ أو بالتُّرابِ للصَّلاةِ، والسِّترِ لَها، والخُطبةِ للجُمعةِ، واستِقبالِ القِبلةِ [931] يُنظر: ((رد المحتار)) لابن عابدين (1/86)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/260)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص:48)، ((نشر البنود)) لعبدالله الشنقيطي (1/43). قال الشِّنقيطيُّ: (وضابِطُ الفَرقِ بينَ شَرطِ الوُجوبِ وشَرطِ الصِّحَّةِ هو عينُ الفَرقِ المُتَقَدِّمِ بينَ خِطابِ التَّكليفِ وخِطابِ الوَضعِ؛ لأنَّ شَرطَ الوُجوبِ مِن خِطابِ الوَضعِ، وشَرطَ الصِّحَّةِ مِن خِطابِ التَّكليفِ، إلَّا أنَّ صِحَّةَ الواجِبِ قَد تُشتَرَطُ لَها شُروطُ الوُجوبِ مِن حيثُ هي شُروطٌ في الوُجوبِ). ((مذكرة أصول الفقه)) (ص: 62). .

انظر أيضا: