موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّالثةُ: أقسامُ المانِعِ


أوَّلًا: يَنقَسِمُ المانِعُ باعتِبارِ مَنعِه الحُكمَ أوِ السَّبَبَ إلى قِسمينِ
1- مانِعُ الحُكمِ: وهو وصفٌ وُجوديٌّ ظاهرٌ مُنضَبطٌ مُستَلزِمٌ لحِكمةٍ تَقتَضي نَقيضَ حُكمِ السَّبَبِ مَعَ بَقاءِ حِكمةِ السَّبَبِ [947] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/130)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/463)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/260)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1073). .
مثالُه: الأُبوَّةُ في القِصاصِ مَعَ القَتلِ العَمدِ العُدوانِ؛ فإنَّها مانِعةٌ للحُكمِ، وهو وُجوبُ القِصاصِ، مَعَ وُجودِ مُقتَضيه، وهو القَتلُ، فمانِعُ الحُكمِ يَدفعُ الحُكمَ؛ لاشتِمالِه على حِكمةٍ تُناقِضُ الحُكمَ [948] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/457).
2- مانِعُ السَّبَبِ: وهو وصفٌ يُخِلُّ وجودُه بحِكمةِ السَّبَبِ.
مِثالُه: الدَّينُ عِندَ مَن يَرى أنَّه مانِعٌ مِنَ الزَّكاةِ؛ لأنَّ الدَّينَ يَمنَعُ مَن تَحَقُّقِ السَّبَبِ، وهو مِلكُ النِّصابِ؛ إذِ النِّصابُ دَليلُ الغِنى، ومَعَ وُجودِ الدَّينِ لا يَتَحَقَّقُ الغِنى؛ لأنَّ ما يُقابِلُ الدَّينَ مِنَ النِّصابِ ليس مِلكًا لَه على سَبيلِ الحَقيقةِ؛ لتَعَلُّقِ حُقوقِ الدَّائِنينَ به، فأخَلَّ المانِعُ هنا بحِكمةِ السَّبَبِ التي هي الغِنى [949] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/130)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/463)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (1/260)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1073)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/458). .
ثانيًا: يَنقَسِمُ المانِعُ باعتِبارِ تَأثيرِه في ابتِداءِ الحُكمِ ودَوامِه إلى أربَعةِ أقسامٍ:
1- ما يَمنَعُ ابتِداءَ الحُكمِ واستِمرارَه.
مِثالُه: الرَّضاعُ؛ فهو يَمنَعُ ابتِداءَ النِّكاحِ مِنَ البدايةِ، ويَمنَعُ استِمرارَ النِّكاحِ إذا طَرَأ عليه، بأن يَتَزَوَّجَ بنتًا في المَهدِ فتُرضِعَها أُمُّه، فتَصيرَ أُختَه مِنَ الرَّضاعِ، فتَحرُمَ عليه [950] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 84). ؛ فالرَّضاعُ يَمنَعُ ابتِداءَ النِّكاحِ ويَمنَعُ استِمرارَه، وكالحَدَثِ؛ فإنَّه يَمنَعُ انعِقادَ الصَّلاةِ ابتِداءً، ويَمنَعُ صِحَّتَها إذا طَرَأ عليها [951] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 84)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/13). .
2- ما يَمنَعُ ابتِداءَ الحُكمِ فقَط.
مِثالُه: الاستِبراءُ، يَمنَعُ ابتِداءَ النِّكاحِ ولا يُبطِلُ استِمرارَه إذا طَرَأ عليه، فإذا وُطِئَتِ امرَأةٌ مُتَزَوِّجةٌ بشُبهةٍ أو زَنَت باختيارِها؛ فإنَّها تُستَبرَأُ مِن هذا الماءِ؛ ليَتَبيَّنَ هل مِنه ولَدٌ فيُلحَقُ بالغيرِ في وَطءِ الشُّبهةِ، أو يُلاعَنُ مِنه في الزِّنا، ومَعَ ذلك فالنِّكاحُ لا يَبطُلُ بهذا الاستِبراءِ، ولَكِنْ هذا يَمنَعُ ابتِداءَ الحُكمِ؛ فالمُستَبرَأةُ كالمُعتَدَّةِ لا يَجوزُ العَقدُ عليها؛ صَونًا لماءِ الغَيرِ عنِ الاختِلاطِ، ولَكِنَّ هذا المانِعَ لا يُبطِلُ استِمرارَ الحُكمِ [952] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 84)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/13). .
3- ما يَمنَعُ استِمرارَ الحُكمِ ودَوامَه فقَط ولا يَمنَعُ ابتِداءَه.
مِثالُه: الطَّلاقُ البائِنُ؛ فإنَّه يَمنَعُ استِمرارَ النِّكاحِ، ولا يَمنَعُ ابتِداءَ نِكاحٍ ثانٍ [953] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (2/13). .
4- ما اختُلِف فيه هل يَمنَعُ ابتِداءَ الحُكمِ فقَط أو يَمنَعُ ابتِداءَه واستِمرارَه.
مِثالُه: الإحرامُ بالنِّسبةِ إلى وَضعِ اليَدِ على الصَّيدِ؛ فإنَّه يَمنَعُ مِن وَضعِ اليَدِ على الصَّيدِ ابتِداءً، فإن طَرَأ على الصَّيدِ، فهل تَجِبُ إزالةُ اليَدِ عنه؟
وكوُجودِ الماءِ يَمنَعُ مِنَ التَّيَمُّمِ ابتِداءً، فإن طَرَأ بَعدُ فهل يُبطِلُه؟
في ذلك كُلِّه خِلافٌ لتَرَدُّدِ هذا القِسمِ بينَ القِسمَينِ الأوَّلِ والثَّاني [954] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 84)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/438). .
وقَسَّمَ الأُصوليُّونَ مِنَ الحَنَفيَّةِ المانِعَ إلى خَمسةِ أقسامٍ، فيَرَونَ أنَّ المانِعَ (إن كان بحيثُ لا يَحدُثُ مَعَه شيءٌ مِنَ الأجزاءِ فهو المانِعُ مِنَ الابتِداءِ أوِ الانعِقادِ، وإلَّا فهو المانِعُ مِنَ التَّمامِ، وكُلٌّ مِنهما في العِلَّةِ أوِ الحُكمِ، وزادَ بَعضُهم قِسمًا خامِسًا نَظَرًا إلى أنَّ للحُكمِ ابتِداءً وتَمامًا ودَوامًا) [955] يُنظر: ((التلويح)) للتفتازاني (2/176). ويُنظر للتوسع: ((المانع عند الأصوليين)) للربيعة (ص: 127- 129). .

انظر أيضا: