موسوعة أصول الفقه

المَطلبُ الثَّالثُ: الأدِلَّةُ الشَّرعيَّةُ مِن حَيثُ قوَّةُ دَلالتِها


القِسمُ الأوَّلُ: الأدِلَّةُ القَطعيَّةُ: وهيَ ما كانت قَطعيَّةَ السَّنَدِ والثُّبوتِ، وقَطعيَّةَ الدَّلالةِ، وحُكمُها وُجوبُ اعتِقادِ موجَبِها عِلمًا وعَمَلًا، وأنَّه لا يَسوغُ فيها الاختِلافُ، وهذا مِمَّا لا خِلافَ فيه بَينَ العُلماءِ [19] قال الباقِلَّانيُّ: (جَميعُ ما يُستَدَلُّ به على الأحكامِ على ضَربَينِ: فضَربٌ مِنها أدِلَّةٌ يوصِلُ صحيحُ النَّظَرِ فيها إلى العِلمِ بحَقيقةِ المَنظورِ فيه. وما هذه حالُه مَوصوفٌ بأنَّه دَليلٌ على قَولِ جَميعِ مُثبِتي النَّظَرِ وباتِّفاقِ المُتَكَلِّمينَ والفُقَهاءِ، وقد دَخَل في ذلك جَميعُ أدِلَّةِ العُقولِ المُتَوصَّلِ بها إلى العِلمِ بحَقائِقِ الأشياءِ وأحكامِها وسائِرِ القَضايا العَقليَّةِ. ودَخَل فيه جَميعُ أدِلَّةِ السَّمعِ الموجِبةِ للقَطعِ وللعِلمِ؛ مِن نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ ومَفهومِهما ولحنِهما، وإجماعِ الأُمَّةِ، والمُتَواتِرِ مِن الأخبارِ، وأفعالِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الواقِعةِ مَوقِعَ البَيانِ، وكُلِّ طَريقٍ مِن طُرُقِ السَّمعِ يوصِلُ النَّظَرُ فيه إلى العِلمِ بحُكمِ الشَّرعِ دونَ غَلَبةِ الظَّنِّ). ((التقريب والإرشاد)) (1/ 221).  وقال ابنُ تيميَّةَ عن القَطعيِّ السَّنَدِ والمَتنِ مِن الأحاديثِ النَّبَويَّةِ: (فيَجِبُ اعتِقادُ مُوجَبِه عِلمًا وعَمَلًا، وهذا مِمَّا لا خِلافَ فيه بَينَ العُلماءِ في الجُملةِ، وإنَّما قد يَختَلِفونَ في بَعضِ الأخبارِ: هَل هو قَطعيُّ السَّنَدِ أو ليسَ بقَطعيٍّ؟ وهَل هو قَطعيُّ الدَّلالةِ أو ليسَ بقَطعيٍّ). ((مجموع الفتاوى)) (20/257). وقال التَّفتازانيُّ في ((حاشيته على شرح العضد)) (3/606): (وأمَّا الحُكمُ الثَّابتُ بالدَّليلِ القَطعيِّ فهو الحُكمُ في حَقِّ الكُلِّ بلا خِلافٍ، وإن لم يَبلُغِ المُجتَهِدَ دَليلُه). .
قال الشَّافِعيُّ: (أمَّا ما كان نَصَّ كِتابٍ بَيِّنٍ أو سُنَّةٍ مُجتَمَعٍ عليها فالعُذرُ فيها مَقطوعٌ، ولا يَسعُ الشَّكُّ في واحِدٍ مِنهما، ومَن امتَنَعَ مِن قَبولِه استُتيبَ) [20] ((الرسالة)) (ص: 460). .
القِسمُ الثَّاني: الأدِلَّةُ الظَّنِّيَّةُ: وهيَ ما كانت دَلالتُها ظاهرةً غَيرَ قَطعيَّةٍ، أو كان ثُبوتُها غَيرَ قَطعيٍّ [21] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/ 162). . وحُكمُها وُجوبُ العَمَلِ بها في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ باتِّفاقِ العُلماءِ، ومِمَّن نَقَل ذلك: ابنُ تيميَّةَ [22] قال: (تارةً يَختَلِفونَ في كَونِ الدَّلالةِ قَطعيَّةً لاختِلافِهم في أنَّ ذلك الحَديثَ: هَل هو نَصٌّ أو ظاهِرٌ؟ وإذا كان ظاهرًا فهَل فيه ما يَنفي الاحتِمالَ المَرجوحَ أو لا؟ وهذا أيضًا بابٌ واسِعٌ؛ فقد يَقطَعُ قَومٌ مِن العُلماءِ بدَلالةِ أحاديثَ لا يَقطَعُ بها غَيرُهم؛ إمَّا لعِلمِهم بأنَّ الحَديثَ لا يَحتَمِلُ إلَّا ذلك المَعنى، أو لعِلمِهم بأنَّ المَعنى الآخَرَ يَمنَعُ حَملَ الحَديثِ عليه، أو لغَيرِ ذلك مِن الأدِلَّةِ الموجِبةِ للقَطعِ. وأمَّا القِسمُ الثَّاني -وهو الظَّاهرُ- فهذا يَجِبُ العَمَلُ به في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ باتِّفاقِ العُلَماءِ المُعتَبَرينَ، فإن كان قد تَضمَّن حُكمًا عِلميًّا -مِثلُ الوعيدِ ونَحوِه- فقد اختَلفوا فيه...). ((مجموع الفتاوى)) (20/286). .

انظر أيضا: