موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الثَّاني: تَعريفُ القُرآنِ اصطِلاحًا


القُرآنُ اصطِلاحًا: هو الكَلامُ المُنزَّلُ المعْجِزُ بآيةٍ مِنه، المُتَعَبَّدُ بتِلاوتِه [26] يُنظر: ((المختصر)) لابن الحاجب، كما في ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/ 457)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (2/ 82)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/ 178)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 7- 8)، ((مباحث في علوم القرآن)) لصبحي الصالح (ص: 21)، ((النبأ العظيم)) لدراز (ص: 43). . وزادَ بَعضُهم عليه: المَنقول بالتَّواتُرِ [27] يُنظر: ((مناهل العرفان)) للزرقاني (1/ 19). .
وقيل: ما نُقِل إلينا بَينَ دَفَّتَي المُصحَفِ نَقلًا مُتَواتِرًا [28] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 20)، ((أصول السرخسي)) (1/ 279)، ((المستصفى)) للغزالي (ص: 81)، ((الإحكام)) للآمدي (1/ 159)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 199)، ((شرح العضد)) (2/ 274). .
وعَلَّلوا تَقييدَه بالمُصحَفِ بأنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم بالَغوا في نَقلِه وتَجريدِه عَمَّا سِواه، حتَّى كَرِهوا التَّعاشيرَ [29] التَّعاشيرُ: وَضعُ عَلاماتٍ بَعدَ كُلِّ عَشرِ آياتٍ، وعواشِرُ القُرآنِ: الآيُ التي يَتِمُّ بها العَشرُ، والعاشِرةُ: حَلقةُ التَّعشيرِ مِن عواشِرِ المُصحَفِ، وهيَ لفظةٌ مولَّدةٌ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 568)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 231). والنَّقطَ [30] مِن المَعروفِ أنَّ المُصحَفَ العُثمانيَّ لم يَكُنْ مَنقوطًا؛ وذلك لبَقاءِ الكَلمةِ مُحتَمِلةً لأن تُقرَأَ بكُلِّ ما يُمكِنُ مِن وُجوهِ القِراءاتِ فيها. يُنظر: ((مناهل العرفان)) للزرقاني (1/ 406). ؛ كَي لا يَختَلطَ بغَيرِه، فنَعلمُ أنَّ المَكتوبَ في المُصحَفِ هو القُرآنُ، وما خَرَجَ عنه فليسَ مِنه؛ إذ يَستَحيلُ في العُرفِ والعادةِ مَعَ تَوفُّرِ الدَّواعي على حِفظِ القُرآنِ أن يُهمَلَ بَعضُه فلا يُنقَلَ، أو يُخَلطَ به ما ليسَ مِنه [31] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 81)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 202). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبَيانُ مُحتَرَزاتِه:
- "الكَلامُ المُنَزَّلُ": أي نَزَّله جِبريلُ عليه السَّلامُ على نَبيِّنا مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما قال سُبحانَه وتعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة: 97] [32] يُنظر: ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 7- 8). .
- "المعجِزُ بآيةٍ مِنه": حينَ تَكُونُ الآيةُ مشتَمِلَةً على ما يَحصلُ بِهِ الإعجَازُ [33] يُنظر: ((الفوائد السنية))) للبرماوي (1/ 365)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1356). ولم يَقُلْ بسُورةٍ -كَما ذَكَرَه بَعضُ الأُصوليِّينَ [34] يُنظر: ((شرح العضد)) (2/ 274). - لأنَّ أقصَرَ السُّوَرِ ثَلاثُ آياتٍ، والتَّحَدِّي قد وقَعَ بأقَلَّ مِنها في قَولِ الله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثِلْهِ [الطور: 34] [35] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (2/ 178). .
والقُرآنُ يُطلَقُ عِندَ الأُصوليِّينَ على المَجموعِ، وعلى كُلِّ جُزءٍ مِنه؛ لأنَّهم إنَّما يَبحَثونَ عنه مِن حَيثُ إنَّه دَليلٌ على الحُكمِ، وذلك آيةٌ آيةٌ، لا مَجموعُ القُرآنِ، فاحتاجوا إلى تَحصيلِ صِفاتٍ مُشتَرَكةٍ بَينَ الكُلِّ والجُزءِ، مُختَصَّةٍ بهما، ككَونِه مُعجِزًا مُنَزَّلًا على الرَّسولِ، مَكتوبًا في المَصاحِفِ، مَنقولًا بالتَّواتُرِ [36] يُنظر: ((التلويح)) للتفتازاني (1/47). .
- "المُتَعَبَّدُ بتِلاوتِه": أي: المَأمورُ بقِراءَتِه في الصَّلاةِ وغَيرِها على وَجهِ العِبادةِ؛ لإخراجٍ ما لم نُؤمَرْ بتِلاوتِه مِن ذلك، كالقِراءاتِ المَنقولةِ إلينا بطَريقِ الآحادِ، وكالأحاديثِ القُدسيَّةِ، وهيَ المُسنَدةُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، إن قُلْنا: إنَّها مُنَزَّلةٌ مِن عِندِ اللهِ بألفاظِها [37] يُنظر: ((النبأ العظيم)) لدراز (ص: 44). الحَديثُ القُدسيُّ مَعناه مِن اللهِ باتِّفاقِ العُلماءِ، أمَّا لفظُه فاختُلِف فيه، فإن كان المُرادُ بالحَديثِ القُدسيِّ ما نَزَل لفظُه ومَعناه مِن عِندِ اللهِ تعالى، فالفَرقُ بَينَه وبَينَ القُرآنِ الكَريمِ مِن وُجوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ القُرآنَ مُعجِزةٌ تَحَدَّى اللَّهُ به الإنسَ والجِنَّ، والحَديثُ القُدسيُّ ليسَ كذلك. الثَّاني: أنَّ القُرآنَ الكَريمَ مُتَعَبَّدٌ بتِلاوتِه، والحَديثُ القُدسيُّ ليسَ كذلك. الثَّالثُ: القُرآنُ مُتَواتِرٌ فهو قَطعيُّ الثُّبوتِ، والحَديثُ القُدسيُّ ظَنِّيُّ الثُّبوتِ؛ فمِنه الصَّحيحُ، ومِنه الحَسَنُ، ومِنه الضَّعيفُ. الرَّابعُ: لا تَجوزُ رِوايةُ القُرآنِ بالمَعنى، بخِلافِ الحَديثِ القُدسيِّ؛ فإنَّه يَجوزُ أن يُروى بمَعناه، بشَرطِ أن يَكونَ الرَّاوي مُحيطًا بالمَعاني، فقيهًا بمَباني الألفاظِ واشتِقاقِها. الخامِسُ: أنَّ مَن أنكرَ لفظًا مِن ألفاظِ القُرآنِ الكَريمِ كَفَر؛ لأنَّه مُتَواتِرٌ كُلُّه، بخِلافِ الحَديثِ القُدسيِّ، فإنَّه مَن أنكَرَ شَيئًا مِنه لم يُعلَمْ مِن الدِّينِ بالضَّرورةِ لا يَكفُرُ. إلى غَيرِ ذلك مِن فُروقٍ.  وأمَّا إن قُلْنا: إن الحَديثَ القُدسيَّ هو ما نَزَل مِن عِندِ اللهِ بمَعناه دونَ لفظِه، فلا يَكونُ هناكَ ما يَستَدعي ذِكرَ هذه الفُروقِ. يُنظر: ((دراسات في علوم القرآن)) لمحمد بكر إسماعيل (ص: 21)، ((أصول التشريع الإسلامي)) لحسب الله (ص: 80)، ((دراسات في علوم القرآن)) لفهد الرومي (ص: 22). ، وخَرَجَ كذلك ما نُسِخَت تِلاوتُه [38] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (2/ 178)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (2/ 8). .
- "المَنقولُ بالتَّواتُرِ": خَرَجَ به جَميعُ ما سِوى القُرآنِ المُتَواتِرِ مِن مَنسوخِ التِّلاوةِ، والقِراءاتِ غَيرِ المُتَواتِرةِ، سَواءٌ نُقِلت بطَريقِ الشُّهرةِ، كقِراءةِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، في قَولِه تعالى في كَفَّارةِ الأيمانِ: فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة: 89] بزيادةِ: مُتَتابعاتٍ، أو بطَريقِ الآحادِ، مِثلُ قِراءةِ: (مُتَّكِئينَ على رَفارِفَ خُضرٍ وعَباقِريٍّ حِسانٍ) [الرحمن: 76] بالجَمعِ [39] أي بجمع كلمتي "رفرف" و"عبقري". ؛ فإنَّها ليسَت قُرآنًا، ولا تَأخُذُ حُكمَه [40] يُنظر: ((المدخل لدراسة القرآن الكريم)) لأبي شهبة (ص: 21). .

انظر أيضا: