موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: تَعريفُ المُحكَمِ والمُتَشابِهِ في الاصطِلاحِ


المُحكَمُ هو: ما استَقَلَّ بنَفسِه، ولم يَحتَجْ إلى بَيانٍ، والمُتَشابِهُ: ما احتاجَ إلى بَيانٍ [54] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (2/684 685)، ((الواضح)) لابن عقيل (4/5)، ((المستصفى)) للغزالي (ص: 85)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/213)، ((الإحكام)) للآمدي (1/165)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/474)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/422)، ((البرهان)) (2/68)، ((البحر المحيط)) (1/155) كلاهما للزركشي. .
قال اللهُ تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] .
وقيل: إنَّ المُحكَمَ ما عُرِف مَعناه والمُرادُ مِنه، والمُتَشابِهُ: ما استَأثَرَ اللهُ بعِلمِه، كوقتِ قيامِ السَّاعةِ، وخُروجِ المَسيحِ الدَّجَّالِ، ونُزولِ عيسى عليه السَّلامُ، وبَعضُهم يُدخِلُ فيه الحُروفَ المُقَطَّعةَ في أوائِلِ السُّوَرِ [55] يُنظر: ((التلخيص)) للجويني (1/179)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/47)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (2/98)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1397)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 845). .
وقيل: إنَّ المُحكَمَ ما لا يَحتَمِلُ مِن التَّأويلِ إلَّا وجهًا واحِدًا، والمُتَشابِهُ: ما احتَمَل أكثَرَ مِن وَجهٍ [56] يُنظر: ((قانون التأويل)) لابن العربي (ص: 370)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/389، 417، 422). قال الباجيُّ: (المُتَشابِهُ: هو المُشكِلُ الذي يحتاجُ في فَهمِ المُرادِ به إلى تَفكُّرٍ وتَأمُّلٍ. ومَعنى وَصفِنا له بأنَّه مُتَشابهٌ أن يَحتَمِلَ مَعانيَ مُختَلفةً يَتَشابَهُ تَعَلُّقُها باللَّفظِ؛ ولذلك احتاجَ تَمييزُ المُرادِ منها باللَّفظِ إلى فِكرٍ وتَأمُّلٍ يَتَمَيَّزُ به المُرادُ مِن غَيرِه) ((الحدود)). (ص: 108). ويُنظر أيضًا: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (ص: 61- 62). قال الشَّاطِبيُّ: (المُحكَمُ يُطلَقُ بإطلاقَينِ: عامٌّ، وخاصٌّ، فأمَّا الخاصُّ فالذي يُرادُ به خِلافُ المَنسوخِ، وهيَ عِبارةُ عُلماءِ النَّاسِخ والمَنسوخِ، سَواءٌ علينا أكان ذلك الحُكمُ ناسِخًا أم لا، فيَقولونَ: هذه الآيةُ مُحكَمةٌ، وهذه الآيةُ مَنسوخةٌ، وأمَّا العامُّ فالذي يُعنى به: البَيِّنُ الواضِحُ الذي لا يَفتَقِرُ في بَيانِ مَعناه إلى غَيرِه؛ فالمُتَشابِهُ بالإطلاقِ الأوَّلِ هو المَنسوخُ، وبالإطلاقِ الثَّاني الذي لا يَتَبَيَّنُ المُرادُ به مِن لَفظِه، كان مِمَّا يُدرَكُ مِثلُه بالبَحثِ والنَّظَرِ أم لا، وعلى هذا الثَّاني مَدارِكُ كَلامِ المُفسِّرينَ في بَيانِ مَعنى قَولِ اللهِ تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران: 7]، ويَدخُلُ تَحتَ المُتَشابِهِ والمُحكَمِ بالمَعنى الثَّاني ما نَبَّهَ عليه الحَديثُ مِن قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "الحَلالُ بَيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ، وبَينَهما أُمورٌ مُشتَبِهاتٌ" [أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مُسلمٍ: إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبَينَهما مُشتَبهاتٌ]؛ فالبَيِّنُ هو المُحكَمُ، وإن كانت وُجوهُ التَّشابُهِ تَختَلفُ بحَسَبِ الآيةِ والحَديثِ؛ فالمَعنى واحِدٌ؛ لأنَّ ذلك راجِعٌ إلى فهمِ المُخاطَبِ، وإذا تُؤُمِّل هذا الإطلاقُ وُجِدَ المَنسوخُ والمُجمَلُ والظَّاهِرُ والعامُّ والمُطلَقُ قَبلَ مَعرِفةِ مَبَيِّناتِها داخِلةً تَحتَ مَعنى المُتَشِابِهِ، كَما أنَّ النَّاسِخَ وما ثَبتَ حُكمُه والمُبَيِّنَ والمُؤَوَّلَ والمُخَصَّصَ والمُقَيَّدَ داخِلةٌ تَحتَ مَعنى المُحكَمِ). ((الموافقات)) (3/305). .
وقيل غَيرُ ذلك في مَعنى المُحكَمِ والمُتَشابِهِ [57] يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/3). .

انظر أيضا: