موسوعة أصول الفقه

المَطلبُ السَّابعُ: العِلمُ بالإجماعِ


العِلمُ بالإجماعِ مُمكِنٌ ومُتَصَوَّرٌ، سَواءٌ بالتَّواتُرِ أو بالآحادِ؛ وذلك لأنَّ المُجتَهدينَ وإن كانوا كثيرينَ بحَيثُ لا يُمكِنُ للواحِدِ أن يَعرِفَهم بأعيانِهم، فإنَّه يُعرَفُ قولُهم بمُشافهةِ بَعضِهم، والنَّقلِ المُتَواتِرِ عن الباقينَ، بأن يَنقُلَ مِن أهلِ كُلِّ قُطرٍ مَن يَحصُلُ التَّواتُرُ بقَولِهم عَمَّن فيه مِن المُجتَهدينَ مَذاهبَهم، وخُمولُ المُجتَهدِ بحَيثُ لا يَعرِفُه أهلُ بَلدَتِه مُستَحيلٌ عادةً [752] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/2032). .
كما أنَّه قد وقَعَ العِلمُ بالإجماعِ، وهو أقوى أدِلَّةِ الجَوازِ؛ فقد نُقِل إجماعُ الصَّحابةِ وغَيرِهم مِن التَّابِعينَ، وعُلمَ هذا الإجماعُ كما سَبَقَ بَيانُه، بَل نُقِل اتِّفاقُ بَعضِ الأُمَمِ السَّابقةِ على أشياءَ خاطِئةٍ، وعُلمَ اتِّفاقُهم كاتِّفاقِهم على إنكارِ بَعثةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلئِن عُلمَ اتِّفاقُ هؤلاء في اعتِقادِهم الخاطِئِ فمِن المُمكِنِ والمُتَصَوَّرِ مَعرِفةُ اتِّفاقِ المُجتَهدينَ مِن بابِ أَولى؛ لكَونِنا مَأمورينَ بإظهارِ العِلمِ وعَدَمِ كِتمانِه، كما قال اللهُ تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه [آل عمران: 187] وما زال يُعلَمُ اتِّفاقُ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ في آرائِها، كاتِّفاقِ الشَّافِعيَّةِ على امتِناعِ قَتلِ المُسلمِ بالذِّمِّيِّ [753] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (18/ 356)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 16). وهو قولُ المالكيةِ والحنابلةِ أيضًا. يُنظر: ((عيون المسائل)) للقاضي عبدالوهاب (ص:426)، ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (10/196،195)، ((المغني)) لابن قدامة (8/273). ، وبُطلانِ النِّكاحِ بلا وَليٍّ [754] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (7/50)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/217). وهو قولُ المالكيةِ والحنابلةِ أيضًا. يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبدالوهاب (2/686)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/472)، ((الكافي)) لابن قدامة (3/9)، ((الإنصاف)) للمرداوي (8/66). ، واتِّفاقِ الحَنَفيَّةِ على عَكسِ ذلك [755] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/ 444)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/ 534)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/ 255). ؛ فضَروريَّاتُ المَذاهِبِ مَقطوعٌ بالإجماعِ عليها مِن العَوامِّ وغَيرِهم، والعَوامُّ أكثَرُ عَدَدًا مِن غَيرِهم، وأقَلُّ نَظَرًا، وقد تَحَقَّقَ العِلمُ مِنهم؛ فأَولى أن يَتَحَقَّقَ العِلمُ بالإجماعِ مِن الفُقَهاءِ، وهم أقَلُّ عَدَدًا، وأكثَرُ نَظَرًا، فصَحَّ ما ذَكَرناه مِن أنَّ العِلمَ بالإجماعِ مُمكِنٌ ومُتَصَوَّرٌ وواقِعٌ [756] يُنظر: ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (2/67، 68)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص:533)، ((الإحكام)) للآمدي (1/198، 199)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/529،528)، ((الجامع)) (ص:316)، ((المهذب)) كلاهما لعبد الكريم النملة (2/850). .

انظر أيضا: