موسوعة أصول الفقه

 المَسألةُ الثَّانيةُ: من شُروطِ المُجمِعينَ أن يَكونُوا عُدُولًا


فلا بدَّ أن يَكونَ كلُّ واحدٍ منهم عَدلًا [782] يُنظر: ((التحقيق والبيان)) للأبياري (3/325). فإن كان المُجتَهدُ فاسِقًا بنَحوِ فِعلٍ ارتَكَبَه، فاختَلف الأُصوليُّونَ في اعتِبارِه في الإجماعِ، والمُختارُ أنَّه لا اعتِبارَ بخِلافِ المُجتَهِدِ الفاسِقِ في الإجماعِ، وهو اختيارُ الجَصَّاصِ [783] يُنظر: ((الفصول)) (3/294، 295). ، والسَّمعانيِّ [784] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (1/482). ، والسَّمَرقَنديِّ [785] يُنظر: ((ميزان الأصول)) (ص:491). ، وجَماعةٍ مِن الأُصوليِّينَ [786] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1139)، ((التحقيق والبيان)) للأبياري (2/843)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/396)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/236، 237)، ((البحر المحيط)) (6/422)، ((تشنيف المسامع)) كلاهما للزركشي (3/87). .
وذلك للآتي:
1- أنَّ كونَ الإجماعِ مُلزِمًا إنَّما ثَبَتَ بأهليَّةِ أداءِ الشَّهادةِ، كما قال اللهُ تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: 143] وبصِفةِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، كما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110] ، وأهليَّةُ أداءِ الشَّهادةِ تَثبُتُ بصِفةِ العَدالةِ، وكَذا الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ؛ لأنَّهما يوجِبانِ اتِّباعَ الآمِرِ والنَّاهي فيما يَأمُرُ ويَنهى؛ إذ لو لم يَلزَمِ الاتِّباعُ لا يَكونُ فيهما فائِدةٌ، وإنَّما يَلزَمُ اتِّباعُ العَدلِ المَرضيِّ فيما يَأمُرُ به ويَنهى عنه دونَ غَيرِه [787] يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/396)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/237). .
2- أنَّه بفِسقِه خارِجٌ عن مَحَلِّ الفتوى غَيرُ مُصَدَّقٍ فيما يَقولُه، وافقَ أو خالف، فإذا لم تُقبَلْ شَهادَتُه ولا فتواه فلا يُعتَدُّ بقَولِه في الإجماعِ [788] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (3/295)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/482). .
3- أنَّ الإجماعَ كرامةٌ لهذه الأُمَّةِ، وهو ليسَ مِن أهلِ هذه الكَرامةِ [789] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص:491)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/237). .
4- أنَّ الفِسقَ يُسقِطُ العَدالةَ، فلم يَبقَ به أهلًا لأداءِ الشَّهادةِ، ولا يوجِبُ اتِّباعَ قَولِه؛ لأنَّ التَّوقُّفَ في قَولِه واجِبٌ بالنَّصِّ؛ لقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا [الحجرات: 6] ، وذلك يُنافي وُجوبَ الاتِّباعِ ويورِثُ التُّهمةَ؛ لأنَّه لمَّا لم يَتَحَرَّزْ مِن إظهارِ فِعلِ ما يَعتَقِدُه باطِلًا لا يَتَحَرَّزُ عن إظهارِ قَولٍ يَعتَقِدُه باطِلًا أيضًا، فثَبَتَ أنَّ الفاسِقَ ليسَ مِن أهلِ الإجماعِ، وأنَّه لا اعتِبارَ لقَولِه وافقَ أم خالَف [790] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/237، 238). .
وقيل: يُعتَبرُ خِلافُ المُجتَهدِ الفاسِقِ، ولا يَمنَعُ فِسقُه مِن الاعتِدادِ بخِلافِه، وهو اختيارُ إمامِ الحَرَمَينِ [791] يُنظر: ((البرهان)) (1/266). ، والغَزاليِّ [792] يُنظر: ((المستصفى)) (ص:145). ، والآمِديِّ [793] يُنظر: ((الإحكام)) (1/229). .

انظر أيضا: