موسوعة أصول الفقه

المَطلبُ السَّابعَ عَشَرَ: خِلافُ التَّابعيِّ المُجتَهِدِ هَل يَخرِقُ إجماعَ الصَّحابةِ؟


إذا بَلَغَ التَّابعيُّ رُتبةَ الاجتِهادِ وَقتَ حادِثةٍ وقَعَت في زَمَنِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فالرَّاجِحُ أنَّه لا يَنعَقِدُ إجماعُ الصَّحابةِ مَعَ خِلافِه، بَل يَلزَمُ وفاقُه لتَحَقُّقِ الإجماعِ، وهو مَذهَبُ أكثَرِ الشَّافِعيَّةِ، واختارَه الشِّيرازيُّ [1010] يُنظر: ((اللمع)) (ص:91). ، والسَّمعانيُّ [1011] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (2/ 19). ، ومَذهَبُ الحَنَفيَّةِ، واختارَه السَّمَرقَنديُّ [1012] يُنظر: ((ميزان الأصول)) (ص:499). ، والأسمَنديُّ [1013] يُنظر: ((بذل النظر)) (ص:543). ، وجُمهورُ الحَنابلةِ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ [1014] يُنظر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 333). ، واختارَه أبو الخَطَّابِ الكَلْوَذانيُّ [1015] يُنظر: ((التمهيد)) (3/ 267). ، وابنُ قُدامةَ [1016] يُنظر: ((روضة الناظر)) (1/397). . وهو مَذهَبُ عامَّةِ الفُقَهاءِ وغَيرِهم [1017] يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (3/ 267)، ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 333). .
واستَدَلُّوا على ذلك بالآتي:
1- أنَّ الأدِلَّةَ الدَّالَّةَ على حُجِّيَّةِ الإجماعِ لم تُفرِّقْ بَينَ مُجتَهِدٍ ومُجتَهِدٍ حالَ نُزولِ الحادِثةِ، والتَّابعيُّ مِن جُملةِ المُؤمِنينَ ومِن جُملةِ الأمَّةِ، فكان قَولُه مُؤَثِّرًا ومُعتَبَرًا في الإجماعِ، وإجماعُ غَيرِه هو إجماعُ بَعضِ الأُمَّةِ حينَئِذٍ لا كُلِّها [1018] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص:499)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/398)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/558). .
2- أنَّ سَعيدَ بنَ المُسَيِّبِ والحَسَنَ وأصحابَ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ كشُرَيحٍ والأسوَدِ وعَلقَمةَ، كانوا يَجتَهِدونَ في زَمَنِ الصَّحابةِ، ولم يُنكِرْ عليهم أحَدٌ، فلو لم يُعتَبَرْ قَولُهم لما سَوَّغَ الصَّحابةُ لهم الاجتِهادَ ولا إسنادَ الحُكمِ والقَضاءِ لهم [1019] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص:91)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص:543)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/62، 63)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/558-563). .
3- أنَّه مِن أهلِ الاجتِهادِ عِندَ حُدوثِ الحادِثةِ فاعتُدَّ بقَولِه، كأصاغِرِ الصَّحابةِ [1020] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص:91)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/398). .
وقيل: يَنعَقِدُ إجماعُ الصَّحابةِ مَعَ مُخالَفةِ التَّابعيِّ الذي بَلَغَ رُتبةَ الاجتِهادِ وَقتَ الحادِثةِ، وهو اختيارُ ابنِ بَرهانَ، ونَقلَه عن إسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ، ونُفاةِ القياسِ، وحَكاه الباجيُّ عن ابنِ خُوَيز مَندادٍ [1021] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/435). ويُنظر أيضًا: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/19)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/397)، ((الإحكام)) للآمدي (1/240). .

انظر أيضا: