موسوعة أصول الفقه

المَطلبُ العِشرونَ: حُكمُ مُنكِرِ الإجماعِ


المَقصودُ بمُنكِرِ الإجماعِ، أي: مَن يُنكِرُ حُجِّيَّةَ الإجماعِ، كالنَّظَّامِ وغَيرِه، والمُختارُ التَّفصيلُ على النَّحوِ التَّالي:
1- إن أنكَرَ حُجِّيَّةَ الإجماعِ السُّكوتيِّ أو الإجماعِ الذي لم يَنقَرِضْ أهلُ عَصرِه ونَحوِ ذلك مِن الإجماعاتِ التي اختَلف العُلماءُ المُعتَبَرونَ في انتهاضِها حُجَّةً، فلا خِلافَ في أنَّه لا يَكفُرُ ولا يُبدَّعُ [1053] قال الزَّركَشيُّ: (إن أنكَرَ حُجِّيَّةَ الإجماعِ السُّكوتيِّ، أو الإجماعِ الذي لم يَنقَرِضْ أهلُ عَصرِه، ونَحوَ ذلك مِن الإجماعاتِ التي اعتَبَرَ العُلماءُ المُعتَبرونَ في انتهاضِها حُجَّةً، فلا خِلافَ أنَّه لا يُكَفَّرُ ولا يُبَدَّعُ). ((البحر المحيط)) (6/496). .
2- إن أنكَرَ أصلُ الإجماعِ، وأنَّه لا يُحتَجُّ به، كما فعَل النَّظَّامُ وغَيرُه فالمُختارُ أنَّه لا يَكفُرُ وإن حُكِمَ بتَضليلِه وتَبديعِه، وهو اختيارُ إمامِ الحَرَمَينِ [1054] قال إمامُ الحَرَمَينِ: (إنَّ مَن يُنكِرُ أصلَ الإجماعِ لا يَكفُرُ). ((البرهان)) (1/280). ، والقَرافيِّ [1055] قال القَرافيُّ: (سُؤالٌ: كَيف تُكَفِّرونَ مُخالِفَ الإجماعِ، وأنتُم لا تُكَفِّرونَ جاحِدَ أصلِ الإجماعِ، كالنَّظَّامِ والشِّيعةِ وغَيرِهم، وهم أَولى بالتَّكفيرِ؛ لأنَّ جَحدَهم يَشمَلُ كُلَّ إجماعٍ، بخِلافِ جاحِدِ إجماعٍ خاصٍّ لا يَتَعَدَّى جَحدُه ذلك الإجماعَ في مُخالفةِ حُكمِه؟ جَوابُه: أنَّ الجاحِدَ لأصلِ الإجماعِ لم يَستَقِرَّ عِندَه حُصولُ الأدِلَّةِ السَّمعيَّةِ الدَّالَّةِ على وُجوبِ مُتابَعةِ الإجماعِ، فلم يَتَحَقَّقْ مِنه تَكذيبُ صاحِبِ الشَّريعةِ، ونَحنُ إنَّما نُكَفِّرُ مَن جَحَدَ حُكمًا مُجمَعًا عليه ضروريًا مِن الدِّينِ، بحَيثُ يَكونُ الجاحِدُ مِمَّن يَتَقَرَّرُ عِندَه أنَّ خِطابَ الشَّارِعِ ورَدَ بوُجوبِ مُتابَعةِ الإجماعِ، فالجاحِدُ على هذا التَّقريرِ يَكونُ مُكَذِّبًا لتلك النُّصوصِ، والمُكَذِّبُ كَفَّرناه؛ فظَهر الفَرقُ). ((شرح تنقيح الفصول)) (ص:338). ، وصَفيِّ الدِّينِ الهِنديِّ [1056] ((نهاية الوصول)) (6/2679، 2680). ، والطُّوفيِّ [1057] ((شرح مختصر الروضة)) (3/143). ، والزَّركَشيِّ [1058] ((البحر المحيط)) (6/496). ، وأبي زُرعةَ العِراقيِّ [1059] ((الغيث الهامع)) (ص:513). .
لأنَّه لم يَستَقِرَّ عِندَه حُصولُ الأدِلَّةِ السَّمعيَّةِ الدَّالَّةِ على وُجوبِ مُتابَعةِ الإجماعِ، فلم يَتَحَقَّقْ مِنه تَكذيبُ صاحِبِ الشَّريعةِ، وهذا بخِلافِ مُنكِرِ الحُكمِ المُجمَعِ عليه المَعلومِ مِن الدِّينِ بالضَّرورةِ المَنقولِ بالتَّواتُرِ إلى صاحِبِ الشَّرعِ فإنَّه رادٌّ على اللهِ تعالى مُكَذِّبٌ لصاحِبِ الشَّريعةِ [1060] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) (ص:338)، ((نفائس الأصول)) (6/2769، 2770) كلاهما للقرافي، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (6/2679، 2680)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/143)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/496)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص:513). .
وقيل: يَكفُرُ مَن أنكَرَ أصلَ الإجماعِ وقال: إنَّه ليسَ بحُجَّةٍ. وهو اختيارُ البَزْدَويِّ [1061] ((أصول البزدوي)) (ص: 548). ، قال البُخاريُّ: (قَولُه: "فيَكفُرُ جاحِدُه في الأصلِ" أي: يُحكَمُ بكُفرِ مَن أنكَرَ أصلَ الإجماعِ بأن قال: ليسَ الإجماعُ بحُجَّةٍ) [1062] ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/261). .
وقال السَّرَخْسيُّ: (مَن أنكَرَ كَونَ الإجماعِ حُجَّةً مُوجِبةً للعِلمِ فقد أبطَل أصلَ الدِّينِ؛ فإنَّ مَدارَ أُصولِ الدِّينِ ومَرجِعَ المُسلمينَ إلى إجماعِهم، فالمُنكِرُ لذلك يَسعى في هَدمِ أصلِ الدِّينِ) [1063] ((أصول السرخسي)) (1/296). .
وقال السُّغْناقيُّ: (مَن أنكَرَ الإجماعَ فقد أبطَل دينَه، كما أنَّ مَن أنكَرَ خَبَرَ الرَّسولِ عليه السَّلامُ في أصلِه فقد أبطَل دينَه؛ لأنَّ القُرآنَ إنَّما ثَبَتَ بالإجماعِ. كذا قاله في الميزانِ. واللهُ أعلمُ) [1064] يُنظر: ((الكافي)) (4/1631،1630). .

انظر أيضا: