المَطلبُ الخامِسُ: مَراتِبُ الأقيِسةِ
تَتَفاوتُ مَراتِبُ القياسِ في الجَلاءِ والخَفاءِ، كما تَتَفاوتُ مَراتِبُ النُّصوصِ، فمِن ذلك ما يُدرَكُ بأوَّلِ ما يَقرَعُ السَّمعَ، ومِن ذلك ما يَحتاجُ إلى تَأمُّلٍ وتَفكُّرٍ
[1637] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (2/128). .
ولذلك تَختَلفُ مَراتِبُ الأقيِسةِ؛ إذ إنَّ القياسَ على أصلٍ مُتَّفَقٍ عليه أقوى مِن القياسِ على أصلٍ مُختَلَفٍ فيه، والقياسُ الذي ثَبَتَت عِلَّتُه بالنَّصِّ أقوى مِن القياسِ الذي ثَبَتَت عِلَّتُه بالاستِنباطِ، والقياسُ الذي ثَبَتَت عِلَّتُه بالإيماءِ أقوى مِن القياسِ الذي ثَبَتَت عِلَّتُه بالمُناسَبةِ
[1638] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (3/249). .
وإذا كانت مَراتِبُ القياسِ مُتَفاوِتةً في القوَّةِ والضَّعفِ، وأنَّ مِنه الجَليَّ والخَفيَّ، فإذا تَعارَضَ قياسانِ قُدِّمَ الأقوى على الأضعَفِ، والجَليُّ على الخَفيِّ، والأجلى على ما هو أقَلُّ جَلاءً مِنه، ويُقدَّمُ قياسُ العِلَّةِ على قياسِ المُناسَبةِ، ويُقدَّمُ قياسُ المُناسَبةِ على قياسِ الشَّبَهِ
[1639] يُنظر: ((تقريب الوصول)) لابن جزي (ص: 201). .
ومِن هنا رَتَّبَ عُلماءُ الأُصولِ القياسَ على مَراتِبَ، وهيَ خَمسُ مَراتِبَ، على النَّحوِ التَّالي:المَرتَبةُ الأولى: وهيَ في حُكمِ النَّصِّ، وهيَ إلحاقُ المَسكوتِ عنه بالمَنطوقِ به مِن طَريقِ الفحوى والتَّنبيهِ المَعلومِ، بأن يَكونَ المَسكوتُ عنه أحرى مِن المَنطوقِ في تَعَلُّقِ الحُكمِ به.
وذلك مِثلُ: إلحاقِ ضَربِ الوالدَينِ وأنواعِ التَّعنيفِ بالنَّهيِ عن التَّأفيفِ، فهذا في الدَّرَجةِ العُليا مِن الوُضوحِ
[1640] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/61)، ((المنخول)) للغزالي (ص: 432)، ((الضروري)) لابن رشد (ص: 127)، ((البحر المحيط)) للزركشي (7/66). .
وسُمِّيَ بفحوى الخِطابِ؛ لأنَّ فحوى الكَلامِ ما يُفهَمُ مِنه قَطعًا، ويُسَمَّى أيضًا لحنَ الخِطابِ؛ لأنَّ لحنَ الكَلامِ عِبارةٌ عن مَعناه
[1641] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/236)، ((الإحكام)) للآمدي (3/66)، ((مختصر منتهى السول والأمل)) لابن الحاجب (2/934). .
ويَرى ابنُ السُّبكيِّ أنَّ المَسكوتَ عنه إن كان أولى بالحُكمِ مِن المَنطوقِ سُمِّي المَفهومُ: فحَوى الخِطابِ، وإن كان مُساويًا له فهو لحنُ الخِطابِ
[1642] يُنظر: ((رفع الحاجب)) (3/496). .
ومِثالُه: تَحريمُ شَتمِ الوالدَينِ وضَربِهما مِن دَلالةِ قَولِ اللهِ تعالى:
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] ، فإنَّ هذا الحُكمَ المَفهومَ مِن اللَّفظِ في مَحَلِّ السُّكوتِ موافِقٌ للحُكمِ المَفهومِ في مَحَلِّ النُّطقِ، فقَولُ اللهِ تعالى:
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ لَفظٌ مُرَكَّبٌ دَلَّ على تَحريمِ التَّأفيفِ بالمَنطوقِ، ولزِمَ عن ذلك تَحريمُ الضَّربِ، فتَحريمُ الضَّربِ مَفهومٌ موافِقٌ؛ لأنَّه لازِمٌ لمَعنًى مُرَكَّبٍ هو النَّهيُ عن التَّأفيفِ، وحُكمُه يوافِقُ حُكمَ مَلزومِه؛ لأنَّ حُكمَ كُلٍّ مِنهما التَّحريمُ
[1643] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (3/67)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (2/440)، ((أصول الفقه)) لأبي النور زهير (2/79). .
وقد اختَلف الأُصوليُّونَ في هذه المَرتَبةِ، هَل هيَ قياسيَّةٌ أو لفظيَّةٌ؟ على قَولينِ:القَولُ الأوَّلُ: أنَّ دَلالةَ المَفهومِ قياسيَّةٌ، بمَعنى أنَّها حاصِلةٌ بالقياسِ، وسَمَّوه قياسًا جَليًّا. وهو قَولُ الشَّافِعيِّ
[1644] يُنظر: ((الرسالة)) (ص: 513). ويُنظر أيضًا: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/236). ، وهو مَذهَبُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ
[1645] يُنظر: ((أصول الفقه)) للمشي (ص: 51)، ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 398)، ((كشف الأسرار)) للنسفي (2/384)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/73). ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ
[1646] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/424)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (5/2040). ، وبَعضِ الحَنابلةِ
[1647] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1337)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/717)، ((التذكرة)) للمقدسي (ص: 592). .
واستَدَلُّوا بأنَّ كُلًّا مِن القياسِ ومَفهومِ الموافقةِ يَشتَرِكانِ في أركانِ القياسِ الشَّرعيِّ، فالمَنطوقُ أصلٌ، والمَسكوتُ فَرعٌ، والمَعنى المُناسِبُ الجامِعُ بَينَهما عِلَّةٌ، والحُكمُ الثَّابتُ للمَسكوتِ عنه -الفرعِ- هو نَفسُ الحُكمِ الثَّابتِ للمَنطوقِ به -الأصلِ- لعِلَّةٍ جامِعةٍ بَينَهما.
فالمَعلومُ في مَفهومِ الموافقةِ تَوقُّفُ ثُبوتِ الحُكمِ للمَسكوتِ على مَعرِفةِ المَعنى الذي هو مَناطُ الحُكمِ، ولا بُدَّ في مَعرِفتِه مِن نَوعِ نَظَرٍ.
ففي قَولِ اللهِ تعالى:
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ لمَّا تَوقَّف ثُبوتُ الحُكمِ على مَعرِفةِ المَعنى، وقد وُجِدَ أصلٌ كالتَّأفيفِ، وفرعٌ كالضَّربِ، وعِلَّةٌ جامِعةٌ مُؤَثِّرةٌ كدَفعِ الأذى: كان قياسًا؛ إذ لا مَعنى للقياسِ إلَّا ذلك. فلو قُطِعَ النَّظَرُ عن المَعنى الذي سيقَ له الكَلامُ -وهو كفُّ الأذى عن الوالدَينِ- وعن كونِ هذا المَعنى الذي هو مَناطُ التَّحريمِ هو في الشَّتمِ والضَّربِ أشَدَّ مِنه في التَّأفيفِ، لَمَا قُضيَ بتَحريمِ الشَّتمِ والضَّربِ، وهذا هو عَينُ القياسِ، وهو أن يَكونَ الحُكمُ ثابتًا في غَيرِ المَنصوصِ عليه بمَعنى النَّصِّ لا بعَينِ النَّصِّ، غَيرَ أنَّ المَعنى الموجِبَ للحُكمِ إذا كان جَليًّا يُسَمَّى دَلالةً، وإن كان خَفيًّا يُسَمَّى قياسًا.
إلَّا أنَّ الفارِقَ بَينَ القياسِ الشَّرعيِّ ومَفهومِ الموافَقةِ هو زيادةُ وُضوحِ العِلَّةِ في المَفهومِ؛ ولذلك يُطلَقُ عليها القياسُ الجَليُّ. وحينَئِذٍ لا فرقَ بَينَ دَلالةِ مَفهومِ الموافَقةِ ودَلالةِ القياسِ في أنَّ كُلًّا مِنهما دَلالةٌ قياسيَّةٌ
[1648] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/236)، ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 398)، ((الإحكام)) للآمدي (3/86)، ((تفسير النصوص)) للصالح (1/634). .
القَولُ الثَّاني: أنَّ دَلالةَ مَفهومِ الموافقةِ لفظيَّةٌ وليسَت قياسيَّةً، بمَعنى أنَّها تَحصُلُ بطَريقِ الفَهمِ مِن اللَّفظِ في غَيرِ مَحَلِّ النُّطقِ. وهو مَنقولٌ عن أحمَدَ
[1649] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1336)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1061)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/483). ، وهو مَذهَبُ جُمهورِ الحَنَفيَّةِ
[1650] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (4/100)، ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 132)، ((مسائل الخلاف)) للصيمري (ص: 272)، ((أصول السرخسي)) (1/241)، ((المغني)) للخبازي (ص: 154)، ((الكافي)) للسغناقي (1/265). ، وبَعضِ المالكيَّةِ
[1651] يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (2/515). ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ
[1652] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 227). ، وبَعضِ الحَنابلةِ
[1653] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/1333)، ((الواضح)) لابن عقيل (3/258). .
وقد جَعَلوا الثَّابتَ بها كالثَّابتِ بالمَنطوقِ؛ لاستِنادِها إلى المَعنى المَفهومِ مِن الكَلامِ لُغةً بطَريقِ الانتِقالِ مِن الأدنى إلى الأعلى، أو مِن أحَدِ المُتَساويَينِ إلى الآخَرِ.
والثَّابتُ بمَفهومِ الموافَقةِ فوقَ الثَّابتِ بالقياسِ؛ لأنَّ العِلَّةَ في القياسِ تُدرَكُ بالرَّأيِ والاجتِهادِ عن طَريقِ تَنقيحِ المَناطِ، وقد تَكونُ العِلَّةُ ظاهرةً تُدرَكُ بأدنى تَأمُّلٍ، وقد تَكونُ خَفيَّةً لا تُدرَكُ إلَّا بمَزيدِ تَأمُّلٍ. أمَّا المَعنى الذي هو مَناطُ الحُكمِ في المَنطوقِ فيُفهَمُ بمُجَرَّدِ المَعرِفةِ باللُّغةِ، فتَدُلُّ هيَ على الحُكمِ نَفسِه في السُّكوتِ لأجلِ ذلك المَعنى. فكان الثَّابتُ بمَفهومِ الموافقةِ كالثَّابتِ بالمَنطوقِ، وفوقَ الثَّابتِ بالقياسِ
[1654] يُنظر: ((شرح التلويح)) للتفتازاني (1/256)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/90)، ((تفسير النصوص)) للصالح (1/632). .
واستَدَلُّوا بأنَّ القياسَ ما يَختَصُّ به أهلُ النَّظَرِ والاستِدلالِ، فيَفتَقِرونَ في إثباتِ الحُكمِ به إلى ضَربٍ مِن النَّظَرِ والاستِدلالِ والتَّأمُّلِ بحالِ الأصلِ والفَرعِ.
فأمَّا ما دَلَّ عليه مَفهومُ الموافقةِ فإنَّه يَستَوي فيه العالمُ والعامِّيُّ العاقِلُ الذي لم يَدرِ ما القياسُ؛ فإنَّ كُلَّ أحَدٍ يَفهَمُ مِن قَولِ اللهِ تعالى:
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ حُرمةَ الضَّربِ والشَّتمِ، سَواءٌ كان عارِفًا بالقياسِ أم لا، وسَواءٌ شُرِعَ القياسُ أم لا
[1655] يُنظر: ((رسالة العكبري)) (ص: 59)، ((العدة)) لأبي يعلى (4/1338)، ((إحكام الفصول)) للباجي (2/515)، ((مختصر منتهى السول والأمل)) لابن الحاجب (2/939)، ((شرح التلويح على التوضيح)) للتفتازاني (1/256). .
المَرتَبةُ الثَّانيةُ: تَنصيصُ الشَّارِعِ على القياسِ
وهو ما نَصَّ الشَّارِعُ على تَعليلِه على وَجهٍ لا يَتَطَرَّقُ التَّفصيلُ والتَّأويلُ إليه أصلًا، وقد ثَبَت لفظُ الشَّارِعِ قَطعًا، فإذا ثَبَتَ الحُكمُ واستَنَدَ إلى النَّصِّ القاطِعِ في تَعليلِه فمَن ألحَقَ بالعِلَّةِ المنصوصةِ المَسكوتَ عنه بالمَنطوقِ به كان قياسًا
[1656] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/61)، ((المنخول)) للغزالي (ص: 432). .
وهذا القياسُ فيه أمرانِ:أحَدُهما: بَيانُ مَحَلِّه، والثَّاني: بَيانُ أنَّه لا يَتَخَصَّصُ، وعِللُ الشَّارِعِ يَجوزُ تَخصيصُها.
وذلك مِثلُ أن يَقولَ الرَّجُلُ لوكيلِه: "بِعْ هذا الغُلامَ؛ فإنَّه سَيِّئُ الأدَبِ، أو ذَميمُ الوَجهِ"، فوَجَد في غِلمانِه مَن هو فوقَه في ذلك المَعنى، لم يَبِعْه.
وكذلك الشَّارِعُ قد يُطلِقُ الرَّجمَ ويُعَلِّلُه بالزِّنا، ولا يَتَعَرَّضُ للإحصانِ، ثُمَّ نحن نَستَنبطُه
[1657] يُنظر: ((المنخول)) للغزالي (ص: 434). .
وقيل: لا يُعَدُّ قياسًا؛ لأنَّه مَفهومٌ مِن النَّصِّ، فهو استِمساكٌ بنَصِّ لَفظِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ لفظَ التَّعليلِ إذا لم يَقبَلْ طُرُقَ التَّأويلِ عَمَّ في كُلِّ ما تجري العِلَّةُ فيه، وكان المُتَعَلِّقُ به مُستَدِلًّا بلفظٍ ناصٍّ في العُمومِ
[1658] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/61)، ((المنخول)) للغزالي (ص: 434). .
المَرتَبةُ الثَّالثةُ: إلحاقُ الشَّيءِ بما في مَعناه
[1659] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/61)، ((المنخول)) للغزالي (ص: 432). ويَكونُ بإلحاقِ الشَّيءِ بالمَنصوصِ عليه؛ لكَونِه في مَعناه وإن لم تُستَنبَطْ عِلَّةٌ لمورِدِ النَّصِّ، مِثلُ: إلحاقِ الأَمَةِ بالعَبدِ في قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن أعتَقَ شِركًا له في عَبدٍ، فكان له مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ، قُوِّمَ العَبدُ عليه قيمةَ عَدلٍ)) [1660] أخرجه البخاري (2553)، ومسلم (1501) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُ مُسلمٍ: ((مَن أعتَقَ شِركًا له في عَبدٍ، فكان له مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ، قُوِّمَ عليه قيمةَ العَدلِ)). .
فقال بَعضُ الأُصوليِّينَ: إنَّه قياسٌ، وفائِدَتُه: إن كان قياسًا قُدِّمَ على الخَبَرِ، وإلَّا فلا
[1661] يُنظر: ((المنخول)) للغزالي (ص: 435). .
واختارَ الغَزاليُّ أنَّه ليسَ بقياسٍ ولا مَنصوصٍ أيضًا، ولكِنَّه مَفهومٌ مِن النَّصِّ على الاضطِرارِ مِن غَيرِ افتِقارٍ فيه إلى افتِكارٍ. وذَكَرَ أنَّ الضَّابطَ له: ما يَهجُمُ الفقيهُ على فَهمِه مِن غَيرِ تَدَبُّرٍ ونَظَرٍ، فيَقَعُ مَعلومًا على الضَّرورةِ. وهو في الرُّتبةِ دونَ فهمِ الفَحوى كما سَبَقَ في تَحريمِ التَّأفيفِ؛ لأنَّ ذلك يَشتَرِكُ في دَركِه العَوامُّ والخَواصُّ، وكَونُ الأَمَةِ في مَعنى العَبدِ لا يُدرِكُه إلَّا الفَقيهُ المُتَثَبِّتُ
[1662] يُنظر: ((المنخول)) للغزالي (ص: 436). .
المَرتَبةُ الرَّابعةُ: قياسُ المَعنى
وهو أن يَثبُتَ حُكمٌ في أصلٍ، فيَستَنبِطَ له المُستَنبِطُ مَعنًى، ويُثبتَه بمَسلَكٍ مِن مَسالِكِ العِلَّةِ، ولم يُصادِفْه غَيرَ مُناقِضٍ للأُصولِ، فيُلحِقَ كُلَّ مَسكوتٍ عنه وُجِدَ فيه ذلك المَعنى بالمَنصوصِ عليه.
وشَرطُ هذه المَرتَبةِ أن يَكونَ المَعنى مُناسِبًا للحُكمِ مُخيلًا مُشعِرًا به، وهذه المَرتَبةُ هيَ البابُ الأعظَمُ في أقيِسةِ الشَّرعِ، وفيه نِزاعُ القائِسينَ وتَعارُضُ أقوالِهم
[1663] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/61). .
المَرتَبةُ الخامِسةُ: قياسُ الشَّبَهِ
وقد سَبَقَ التَّعريفُ به وبَيانُ أمثِلتِه.
وألحَقَ بَعضُ الأُصوليِّينَ قياسَ الدَّلالةِ بهذه المَراتِبِ، وعَدُّوه مَرتَبةً سادِسةً. لكِنْ ذَكَرَ إمامُ الحَرَمَينِ أنَّه لا مَعنى لعَدِّه قِسمًا مُستَقِلًّا؛ فإنَّه يَقَعُ تارةً مُنبِئًا عن مَعنًى، وتارةً شَبَهًا، وهو في كِلا الحالينِ لا يَخرُجُ عن قياسِ المَعنى أو الشَّبَهِ
[1664] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (2/61). .