موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الخامِسُ: تَطبيقاتٌ فِقهيَّةٌ


نَظَرًا لاختِلافِ العُلماءِ في حُجِّيَّةِ قَولِ الصَّحابيِّ وقَعَ خِلافٌ في بَعضِ الفُروعِ الفِقهيَّةِ التي ليس فيها دَليلٌ مِنَ القُرآنِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، ومِن هذه الفُروعِ:
1- بَيعُ العِينةِ:
وهيَ ما إذا اشتَرى شَخصٌ سِلعةً إلى أجَلٍ ثُمَّ باعَها بأقَلَّ مِمَّا اشتَراها قَبلَ نَقدِ الثَّمَنِ؛ فإنَّه صحيحٌ عِندَ الشَّافِعيِّ [2519] يُنظر: ((الأم)) (3/38). ؛ طَردًا للقياسِ [2520] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/287). .
وعِند أبي حَنيفةَ [2521] يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (2/506)، ((العناية)) للبابرتي (6/433). ، ومالِكٍ [2522] يُنظر: ((المدونة)) (3/160، 161). : لا يَصِحُّ، بدَليلِ أثَرِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها [2523]  أخرجه مِن طُرُقٍ: الدارقطني (3/478)، والبيهقي (10899) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البَيهَقيِّ: عن أبى إسحاقَ قال: دَخَلتِ امرَأتي على عائِشةَ وأُمِّ ولدٍ لزَيدِ بنِ أرقَمَ، فقالت لها أُمُّ ولدِ زَيدٍ: إنِّي بِعتُ مِن زَيدٍ عبدًا بثمانمائةٍ نَسيئةً، واشتَرَيتُه مِنه بسِتِّمائةٍ نَقدًا، فقالت عائِشةُ رَضِيَ الله عنها: أبلِغي زَيدًا أنْ قد أبطَلتَ جِهادَك مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا أن تَتوبَ، بئسَما شَرَيتَ وبئسَما اشتَرَيتَ! قال ابنُ حَزمٍ في ((المُحَلَّى)) (7/29): لا يَصِحُّ، وقال البَيهَقيُّ: فيه إرسالٌ، وقال ابنُ كثير في ((التفسير)) (1/490): إسنادُه إلى عائِشةَ ضَعيفٌ. ؛ حَيثُ أُخبِرَت أنَّ زَيدَ بنَ أرقَمَ ابتاعَ عبدًا مِنِ امرَأةٍ بألفِ دِرهَمٍ إلى أجَلٍ، ثُمَّ ابتاعَته مِنه بخَمسِمِائةٍ حالَّةٍ، فقالت: بِئسَما بِعتَ وبِئسَما اشتَرَيتَ! أخبِري زَيدًا أنَّه أبطَل جِهادَه مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا أن يَتوبَ [2524] يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (2/506)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 180). .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه سُئِل عن رَجُلٍ باعَ مِن رَجُلٍ حَريرةً بمِئةٍ، ثُمَّ اشتَراها بخَمسينَ، فقال: (دَراهمُ بدَراهمَ مُتَفاضِلةٍ دَخَلت بَينُهما حَريرةٌ) [2525]  أخرجه ابنُ أبي شيبة (20527)، وابن حزم في ((المحلى)) (9/106) مُختَصَرًا، ولفظُ ابنِ أبي شَيبةَ: عن ابنِ عَونٍ، قال: ذَكَروا عِندَ مُحَمَّدٍ العِينةَ، فقال: نُبِّئتُ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ كان يَقولُ: دِرهَمٌ بدِرهَمٍ وبَينَهما حَريرةٌ. ، فقَدَّما قَولَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها على القياسِ عَمَلًا بقَولِ الصَّحابيِّ [2526] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص:180- 182). .
2- حُكمُ مَن تَزَوَّجَ امرَأةً في عِدَّتِها:
اختَلف الفُقَهاءُ فيمَن تَزَوَّجَ امرَأةً في عِدَّتِها ودَخَلَ بها، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُفرَّقُ بَينَهما، ولا تَحِلُّ له أبَدًا. وهو قَولُ مالِكٍ [2527]  يُنظر: ((المدونة الكبرى)) (2/23). ، والشَّافِعيِّ في القديمِ [2528]  يُنظر: ((البيان في مذهب الشافعي)) للعمراني (11/101). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [2529]  يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (5/28). ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [2530]  يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (3/70). .
القَولُ الثَّاني: يُفرَّقُ بَينَهما، وإذا انقَضَتِ العُدَّةُ بَينَهما فلا بَأسَ في تَزويجِه إيَّاها مَرَّةً ثانيةً. وهو قَولُ الشَّافِعيِّ في الجَديدِ [2531]  يُنظر: ((البيان في مذهب الشافعي)) للعمراني (11/101). ، وإليه ذَهَب الحَنَفيَّةُ [2532]  يُنظر: ((الحجة على أهل المدينة)) للشيباني (3/186). ، والحَنابِلةُ [2533]  يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (11/239)، ((الكافي)) لابن قدامة (5/28). .
فمَن ذَهَبَ إلى أنَّه يُفرَّقُ بَينَهما ولا تَحِلُّ له أبَدًا بَناه على قَولِ الصَّحابيِّ.
قال ابنُ رُشدٍ: (سَبَبُ اختِلافِهم: هَل قَولُ الصَّاحِبِ حُجَّةٌ أم ليس بحُجَّةٍ؟
وذلك أنَّ مالِكًا رَوى عن ابنِ شِهابٍ عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وسُلَيمانَ بنِ يَسارٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فرَّقَ بَينَ طُلَيحةَ الأَسَديَّةِ وبَينَ زَوجِها راشِدٍ الثَّقَفيِّ لمَّا تَزَوَّجَها في العِدَّةِ مِن زَوجِ ثانٍ، وقال: "أيُّما امرَأةٍ نُكِحت في عِدَّتِها، فإن كان زَوجُها الذي تزَوَّجها لم يَدخُلْ بها فُرِّقَ بَينَهما، ثُمَّ اعتَدَّت بَقيَّةَ عِدَّتِها مِنَ الأوَّلِ، ثُمَّ كان الآخَرُ خاطِبًا مِنَ الخُطَّابِ، وإن كان دَخَل بها فُرِّقَ بَينَهما، ثُمَّ اعتَدَّت بَقيَّةَ عِدَّتِها مِنَ الأوَّلِ، ثُمَّ اعتَدَّت مِنَ الآخَرِ، ثُمَّ لا يَجتَمِعانِ أبَدًا") [2534]  ((بداية المجتهد)) (3/70). .

انظر أيضا: