موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّالثُ: الفَرقُ بينَ تَعريفِ الأُصوليِّينَ والفُقَهاءِ للحُكمِ الشَّرعيِّ


الحُكمُ عِندَ الفُقَهاءِ هو ما اقتَضاه خِطابُ الشَّرعِ، وخِطابُ الشَّرعِ عِندَهم هو الدَّليلُ، وأمَّا الحُكمُ فهو أثَرُه مِنَ الوُجوبِ، والحُرمةِ، والكراهةِ، والنَّدبِ، والإباحةِ، وكَونِ الشَّيءِ سَبَبًا، أو شَرطًا، أو مانِعًا لشيءٍ آخَرَ؛ فالفُقَهاءُ يُفرِّقونَ بينَ الحُكمِ ودَليلِه.
فالحُكمُ الشَّرعيُّ عِندَ الفُقَهاءِ هو أثَرُ خِطابِ الشَّرعِ المُتَرَتِّبِ عليه لا نَفسُ الخِطابِ والنَّصِّ الشَّرعيِّ؛ فوُجوبُ الصَّلاةِ أثَرُ خِطابِ الشَّارِعِ، وهذا الخِطابُ هو قَولُه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وحُرمةُ الزِّنا أثَرُ خِطابِ الشَّارِعِ، وهذا الخِطابُ هو قَولُه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا.
أمَّا الأُصوليُّونَ فيَقولونَ بأنَّ خِطابَ الشَّرعِ في مِثلِ قَولِ اللهِ تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ هو الحُكمُ عينُه، كما أنَّه دَليلُ الحُكمِ فهو حُكمٌ؛ لأنَّه مُقتَضٍ للحُكمِ، وهو دَليلُ الحُكمِ لأنَّه قَد تَضَمَّنَ الحُكمَ، فالإيجابُ هو نَفسُ قَولِه: افعَلْ، نَحوُ قَولِه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، والتَّحريمُ هو نَفسُ قَولِه: لا تَفعَلْ، نَحوُ قَولِه تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [39] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/ 257)، ((أصول الفقه)) للخضري (ص: 23)، ((إتحاف ذوي البصائر)) لعبدالكريم النملة (1/336)، ((توصيف الأقضية)) لآل خنين (1/ 102- 103). .
وقد قيلَ: إنَّ تَعريفَ الفُقَهاءِ (أصرَحُ وأخَصُّ) [40] ((التحبير)) للمرداوي (2/ 793)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 334). ؛ لأنَّ فيه تمييزًا بينَ الحُكمِ والدَّليلِ [41] يُنظر: ((توصيف الأقضية)) لآل خنين (1/ 104). .
وقد ذَكرَ بَعضُ الأُصوليِّينَ أنَّهم إنَّما عَدَلوا إلى تَعريفِهم؛ لأنَّ المُعتَزِلةَ أورَدوا على تَعريفِ الحُكمِ بالخِطابِ عِدَّةَ أسئِلةٍ واستِشكالاتٍ [42] يُنظر: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/ 318). ويُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/ 247). .
قال الطُّوفيُّ: (الأَولى أن يُقالَ: "مُقتَضى خِطابِ الشَّرعِ"، فلا يَرِدُ قَولُ المُعتَزِلةِ: الخِطابُ قَديمٌ، فكيف يُعَلَّلُ بالعِلَلِ الحادِثةِ؟ وأيضًا فإنَّ نَظْمَ قَولِه تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [البقرة: 43] وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء: 32] ليس هو الحُكمَ قَطعًا، بَل مُقتَضاه، وهو وُجوبُ الصَّلاةِ، وتَحريمُ الزِّنى عِندَ استِدعاءِ الشَّرعِ مِنَّا تَنجيزَ التَّكليفِ) [43] ((شرح مختصر الروضة)) (1/ 247). ويُنظر: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (1/ 320). .
وليس للخِلافِ بينَ التَّعريفينِ أثَرٌ عَمَليٌّ، وإنَّما هو اصطِلاحٌ، ولا مُشاحَّةَ فيه [44] يُنظر: ((أصول الفقه)) للخضري (ص: 23)، ((توصيف الأقضية)) لآل خنين (1/ 103). .

انظر أيضا: