موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّالثُ: فَتحُ الذَّرائِعِ


سَبَقَ في تَعريفِ الذَّريعةِ بالمَعنى العامِّ أنَّها ما كانت وسيلةً إلى الشَّيءِ، وهذا التَّعريفُ يَشمَلُ ما كان وسيلةً إلى مَصلحةٍ أو مَفسَدةٍ، ويُتَصَوَّرُ فيها الفَتحُ حينَئِذٍ كما يُتَصَوَّرُ فيها السَّدُّ؛ وذلك لأنَّ مَوارِدَ الأحكام قِسمانِ:
القِسمُ الأوَّلُ: مَقاصِدُ، وهيَ المُشتَمِلةُ على المَصالِحِ والمَفاسِدِ في ذاتِها.
القِسمُ الثَّاني: وسائِلُ: وهيَ الطُّرُقُ المُفضيةُ إلى المَقاصِدِ، وهذه الوسائِلُ تَأخُذُ حُكمَ ما تُفضي إليه مِن تَحليلٍ أو تَحريمٍ؛ فالجُمُعةُ واجِبةٌ، ووسيلتُها -وهيَ السَّعيُ- سَتَكونُ حينَئِذٍ واجِبةً، والزِّنا حَرامٌ، ووسيلتُه مِن سَعيٍ إلى مَكانِ الزِّنا ونَحوِه حَرامٌ.
قال القَرافيُّ: (الذَّريعةُ كما يَجِبُ سَدُّها يَجِبُ فتحُها، وتُكرَهُ وتُندَبُ وتُباحُ؛ فإنَّ الذَّريعةَ هيَ الوسيلةُ، فكَما أنَّ وسيلةَ المُحَرَّمِ مُحَرَّمةٌ، فوسيلةُ الواجِبِ واجِبةٌ، كالسَّعيِ للجُمُعةِ والحَجِّ) [2669] ((الفروق)) (2/33). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (لمَّا كانتِ المَقاصِدُ لا يُتَوصَّلُ إليها إلَّا بأسبابٍ وطُرُقٍ تُفضي إليها، كانت طُرُقُها وأسبابُها تابعةً لها مُعتَبَرةً بها؛ فوسائِلُ المُحرَّماتِ والمَعاصي في كَراهَتِها والمَنعِ مِنها بحَسَبِ إفضائِها إلى غاياتِها وارتِباطاتِها بها، ووسائِلُ الطَّاعاتِ والقُرُباتِ في مَحَبَّتِها والإذنِ فيها بحَسَبِ إفضائِها إلى غاياتِها؛ فوسيلةُ المَقصودِ تابعةٌ للمَقصودِ، وكِلاهما مَقصودٌ، لكِنَّه مَقصودٌ قَصدَ الغاياتِ، وهيَ مَقصودةٌ قَصدَ الوسائِلِ) [2670] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/3). .
ومِمَّا يَدُلُّ على حُسنِ الوسائِلِ الحَسَنةِ قَولُه تعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: 120] ، فأثابَهمُ اللهُ على الظَّمَأِ والنَّصَبِ وإن لم يَكونا مِن فِعلِهم؛ بسَبَبِ أنَّهما حَصَلا لهم بسَبَبِ التَّوسُّلِ إلى الجِهادِ الذي هو وسيلةٌ لإعزازِ الدِّينِ وصَونِ المُسلمينَ، فيَكونُ الاستِعدادُ وَسيلةَ الوَسيلةِ [2671] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (2/33). .

انظر أيضا: