موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الخامِسُ: أقسامُ اللَّفظِ المُشتَرَكِ بالنِّسبةِ لمُسَمَّياتِه


اللَّفظُ المُشتَرَكُ لا بُدَّ له مِن مَفهومَينِ فصاعِدًا، ويَنقَسِمُ بالنِّسبةِ إلى مُسَمَّياتِه إلى سَبعةِ أقسامٍ [141] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 26)، ((نفائس الأصول)) للقرافي (2/737)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/382)، ((الجامع)) لعبد الكريم النملة (ص: 169). :
1- اللَّفظُ المُشتَرَكُ بَينَ مُسَمَّياتٍ مُتَضادَّةٍ [142] لَم يَرتَضِ الإسنَويُّ التَّعبيرَ بالمَعاني المُتَضادَّةِ، وقال: (هو تَعبيرٌ غَيرُ مُستَقيمٍ)، وإنَّما عَبَّرَ عنها بقَولِه: (إذا امتَنَعَ الجَمعُ بَينَ مَدلولَيِ المُشتَرَكِ لَم يَجُزِ استِعمالُه فيهما مَعًا، وذلك كاستِعمالِ لَفظِ (افعَلْ) في الأمرِ بالشَّيءِ والتَّهديدِ عليه إذا جَعَلناه مُشتَرَكًا بَينَهما؛ لأنَّ الأمرَ يَقتَضي التَّحصيلَ، والتَّهديدَ يَقتَضي التَّركَ). ((التمهيد)) (ص: 173). لا يُمكِنُ الجَمعُ بَينَها في الصِّدقِ على شَيءٍ واحِدٍ.
مِثلُ: (القُرءِ)؛ فإنَّه مُشتَرَكٌ بَينَ الطُّهرِ والحَيضِ، وهما مُتَضادَّانِ، و(الشَّفَقِ)؛ فإنَّه مُشتَرَكٌ بَينَ البَياضِ والحُمرةِ، وهما مُتَضادَّانِ، و(الجَلَلِ) للحَقيرِ والخَطيرِ، و(النَّاهِلِ) للعَطشانِ والرَّيَّانِ.
2- اللَّفظُ المُشتَرَكُ بَينَ مُسَمَّياتٍ مُختَلِفةٍ لا صِلةَ لأحَدِها بالآخَرِ.
مِثلُ: (العَينِ)؛ فإنَّها تُطلَقُ على مَعانٍ كَثيرةٍ ومُختَلِفةٍ حَقيقةً، ولا توجَدُ أيُّ صِلةٍ بَينَ بَعضِها والبَعضِ الآخَرِ.
3- اللَّفظُ المُشتَرَكُ بَينَ مُسَمَّياتٍ مُتَناقِضةٍ.
مِثلُ: (إلى) على رَأيِ القائِلِ: إنَّها مُشتَرَكةٌ بَينَ إدخالِ الغايةِ وعَدَمِه.
4- اللَّفظُ المُشتَرَكُ بَينَ الشَّيءِ ووَصفِه.
مِثلُ: لَفظِ: (تَأبَّطَ شَرًّا).
5- اللَّفظُ المُشتَرَكُ بَينَ الفاعِلِ والمَفعولِ.
مِثلُ: لَفظِ: (المُختارِ)؛ فإنَّه يُقالُ لمَنِ اختارَ ثَوبًا: إنَّه مُختارٌ، ويُقالُ للثَّوبِ: إنَّه مُختارٌ [143] مِنَ الأغاليطِ الواقِعةِ بسَبَبِ عَدَمِ فَهمِ الاشتِراكِ في هذا اللَّفظِ ما ذَكَرَه الغَزاليُّ بقَولِه: (مِثالُ الغَلَطِ في المُشتَرَكِ: قَولُ الشَّافِعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى في مَسألةِ المُكرَهِ على القَتلِ: "يَلزَمُه القِصاصُ؛ لأنَّه مُختارٌ"، ويَقولُ الحَنَفيُّ "لا يَلزَمُه القِصاصُ؛ لأنَّه مُكرَهٌ وليس بمُختارٍ"، ويَكادُ الذِّهنُ لا يَنبو عنِ التَّصديقِ بالأمرَينِ، وأنتَ تَعلَمُ أنَّ التَّصديقَ بالضِّدَّينِ مُحالٌ، وتَرى الفُقَهاءَ يَتَعَثَّرونَ فيه، ولا يَهتَدونَ إلى حَلِّه. وإنَّما ذلك لأنَّ لَفظ (المُختار) مُشتَرَكٌ؛ إذ قد يُجعَلُ لفظُ (المُختارِ) مُرادِفًا للَفظِ (القادِرِ) ومُساويًا له إذا قوبِلَ بالذي لا قُدرةَ له على الحَرَكةِ المَوجودةِ، كالمَحمولِ، فيُقالُ: هذا عاجِزٌ مَحمولٌ، وهذا قادِرٌ مُختارٌ. ويُرادُ بالمُختارِ القادِرُ الذي يَقدِرُ على الفِعلِ وتَركِه، وهو صادِقٌ على المُكرَهِ. وقد يُعَبَّرُ بالمُختارِ عَمَّن يُخَلَّى في استِعمالِ قُدرَتِه ودَواعي ذاتِه، فلا تُحَرَّكُ دَواعيه مِن خارِجٍ...، فإذًا صَدَقَ عليه [أي: المُكرَهِ] أنَّه مُختارٌ، وأنَّه ليس بمُختارٍ، ولَكِن بشَرطِ أن يَكونَ مَفهومُ (المُختارِ) المَنفيُّ غَيرَ مَفهومِ (المُختار) المُثبَتِ. ولهذا نَظائِر في النَّظَريَّاتِ لا تُحصى، تاهَت فيها عُقولُ الضُّعَفاءِ؛ فليُستَدَلَّ بهذا القَليلِ على الكَثيرِ). ((المستصفى)) (ص: 27). .
6- الاشتِراكُ في التَّركيبِ.
مِثلُ: قَولِ اللهِ تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة: 237]؛ فإنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ مُشتَرَكٌ بَينَ الزَّوجِ والوَليِّ.
7- الاشتِراكُ في الحَرفِ.
مِثلُ: (الواوِ)؛ فإنَّها تَكونُ للقَسَمِ، وللعَطفِ، وللِابتِداءِ. وحَرفِ (مِن) تَكونُ للتَّبعيضِ، وبَيانِ الجِنسِ. وحَرفِ (الباءِ) تَكونُ للِاستِعانةِ والسَّبَبيَّةِ.

انظر أيضا: