موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّامِنُ: ما يُحمَلُ عليه اللَّفظُ إذا غَلَبَ استِعمالُه في مَجازِه


المَجازُ مَعَ الحَقيقةِ لا يَخلو مِن أربَعةِ أقسامٍ:
1- أن يَكونَ المَجازُ مَرجوحًا لا يُفهَمُ إلَّا بقَرينةٍ، مِثالُه: الأسَدُ، في الرَّجُلِ الشُّجاعِ؛ وكالحِمارِ، في الرَّجُلِ البَليدِ، فلا إشكالَ هنا في تَقديمِ الحَقيقةِ على المَجازِ.
2- أن يُساويَ المَجازُ الحَقيقةَ في الاستِعمالِ، ولا راجِحَ ولا مَرجوحَ، بأن يَغلِبَ استِعمالُ المَجازِ حتَّى يُساويَ الحَقيقةَ، فتُقدَّمُ الحَقيقةُ هنا أيضًا؛ لأنَّ الأصلَ تَقديمُ الحَقيقةِ، مِثلُ لَفظِ (النِّكاحِ)؛ فإنَّه يُطلَقُ على العَقدِ والوطءِ إطلاقًا مُتَساويًا، مَعَ أنَّه حَقيقةٌ في أحَدِهما، مَجازٌ في الآخَرِ.
3- أن تُهجَرَ الحَقيقةُ بالكُلِّيَّةِ، بحَيثُ لا تُرادُ في العُرفِ، بأن يَكونَ المَجازُ راجِحًا، والحَقيقةُ مُماتةً بالكُلِّيَّةِ، فهنا يُقدَّمُ المَجازُ الرَّاجِحُ؛ لأنَّه حينَئِذٍ إمَّا حَقيقةٌ شَرعيَّةٌ كالصَّلاةِ، أو عُرفيَّةٌ كالدَّابَّةِ، فيُقدَّمُ على الحَقيقةِ اللُّغَويَّةِ.
قال القَرافيُّ: (كُلُّ شَيءٍ قُدِّمَ مِنَ الألفاظِ إنَّما قُدِّمَ لرُجحانِه، والتَّقديرُ رُجحانُ المَجازِ، فيَجِبُ المَصيرُ إليه) [333] ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 119). .
ومِثالُ ذلك: لَو حَلَف لا يَأكُلُ مِن هذه النَّخلةِ، فاللَّفظ حَقيقيٌّ في خَشَبِها، مَجازٌ راجِحٌ في ثَمَرِها، وقد أُميتَت هذه الحَقيقةُ؛ إذ لا يُؤكَلُ خَشَبُها، وعلى هذا فإنَّه يَحنَثُ إن أكَل مِن ثَمَرِها، ولا يَحنَثُ إن أكَل مِن خَشَبِها، وإن كان أكلُ الخَشَبِ هو الحَقيقةَ، إلَّا أنَّ هذه الحَقيقةَ قد أُميتَت.
4- أن يَكونَ المَجازُ راجِحًا، والحَقيقةُ تُتَعاهَدُ في بَعضِ الأوقاتِ، كما لَو حَلَف فقال: واللهِ لأشرَبَنَّ مِن هذا النَّهرِ، فهو حَقيقةٌ في الكَرعِ مِنَ النَّهرِ بفيه، وإذا اغتَرَف منه بالكوزِ وشَرِبَ فهو مَجازٌ؛ لأنَّه شَرِبَ مِنَ الكوزِ لا مِنَ النَّهرِ، والمَجازُ هَنا راجِحٌ مُتَبادِرٌ إلى الفهمِ، وقد تُرادُ الحَقيقةُ؛ لأنَّ كَثيرًا مِنَ الرُّعاةِ وغَيرِهم يَكرَعُ بفيه [334] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده 3/811)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 134)، ((البحر المحيط)) للزركشي (3/107)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/110)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/404). .

انظر أيضا: