أسماءُ السُّورة:
1- سُمِّيتْ هذه السُّورةُ بسورة: آل عِمْرانَ قال ابن عاشور: (ووجهُ تسميتها بسورة آل عمران أنَّها ذُكِرت فيها فضائلُ آل عمران) ((تفسير ابن عاشور)) (3/143). .
فعن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ رضِي اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ((يُؤتَى بالقُرْآنِ يومَ القيامةِ وأهلِه الَّذين كانوا يَعمَلون به، تَقدُمُه سورةُ البقرة وآلِ عِمْرانَ- وضرب لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثلاثةَ أمثالٍ ما نَسيتُهنَّ بعدُ- قال: كأنَّهما غَمَامَتانِ، أو ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بينهما شَرْقٌ، أو كأنَّهما حِزْقانِ حِزْقان: أي: جَماعتانِ أو فِرقتانِ، مُثنَّى حِزْق، والحِزْق والحَزيقة: الجَماعةُ مِن كلِّ شَيءٍ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (4/1459)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/378). من طَيرٍ صوافَّ صَوافّ: أي مُصطفَّة متضامَّة؛ لتظلِّل قارئها. ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/150). تُحاجَّانِ تُحاجَّان: أي: السُّورتان تُجادلانِ عن صاحبِهما ، فتدْفَعانِ عنهُ ما يَسُوؤُه، والمحاجَّة: المجادلةُ وإظهارُ الحُجَّة. يُنظر: ((شرح المشكاة)) للطيبي (5/1641)، ((فيض القدير)) للمناوي (2/64)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (8/155). عن صاحبِهما )) رواه مسلم (805). .
2- سُمِّيتْ هي والبقرةُ بالزَّهْرَاوَيْنِ سُمِّيت سورة البقرة وآل عمران بالزهراوين؛ لأنَّهما النيِّرتان؛ وذلك إمَّا لهدايتهما قارئَهما بما يزهر له من أنوارهما، أي: من معانيهما. وإمَّا لِمَا يترتَّب على قراءتهما من النور التامِّ يوم القيامة، وقيل غير ذلك. يُنظر ((تفسير الخازن)) (1/22)، ((تفسير القرطبي)) (4/3). .
فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضِي اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ((اقْرَؤوا القُرْآنَ؛ فإنَّه يأتي يَومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه، اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البقرةَ وسورةَ آلِ عِمْرانَ ...)) رواه مسلم (804). .
فضائلُ السُّورةِ وخَصائِصُها:
1- سورةُ آل عِمْرانَ تُحاجُّ عن صاحبها يومَ القِيامة مع البقرةِ:
- فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضِي اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ((اقْرَؤوا القُرْآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه، اقرَؤوا الزَّهرَاوَينِ الزَّهراوان: أي: المُنيرتان المُضيئتانِ، مُثنَّى زَهْراء، وهي البيضاءُ المُشرِقةُ الوَجهِ، المُستنيرةُ المُشربَةُ بحُمرةٍ. ((الصحاح)) للجوهري (2/674)، ((النهاية)) لابن الأثير (2/321)، ((تاج العروس)) للزبيدي (11/479- 480). : البقرةَ وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتِيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ الغَمامة: السَّحابة. ((النهاية)) لابن الأثير (3/389). ، أو كأنَّهما غَيَايَتانِ الغَيَايَة: كلُّ شيءٍ أظلَّ الإنسان فوقَ رأسه كالسَّحابة وغيرها. ((النهاية)) لابن الأثير (3/403). أو كأنَّهما فِرْقانِ فِرقان: أي: قِطعتان، والفِرق: القِطعة من الشيء. ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/150)، ((النهاية)) لابن الأثير (3/440). من طيرٍ صوافَّ تُحاجَّانِ عن أصحابهما، اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها بركةٌ، وتركَها حسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ ))، قال معاويةُ: بلغني أنَّ البَطَلَةَ السَّحَرةُ رواه مسلم (804). .
- عن النَّوَّاس بن سَمْعانَ رضِي اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ((يُؤتَى بالقُرْآنِ يومَ القيامةِ وأهلِه الَّذين كانوا يعمَلون به، تقدُمُه سورةُ البقرةِ وآلُ عِمْرانَ، وضرب لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ثلاثةَ أمثالٍ، ما نسيتُهنَّ بعدُ، قال: كأنَّهما غَمامَتانِ أو ظُلَّتانِ ظُلَّتان: أي: سَحابتان. ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (4/1461). سَوْداوانِ، بينهما شَرْقٌ بينهما شَرْق: أي ضياء ونور. ((شرح النووي على مسلم)) (6/91). ، أو كأنَّهما حِزْقانِ من طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحبِهما )) رواه مسلم (805). .
2- تعظيمُ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم لقارِئ البقرةِ وآلِ عِمْرانَ:
فعن أنسٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((كان الرَّجُلُ إذا قرأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا- يعني: عظُمَ- وفي رواية: يُعَدُّ فينا عَظيمًا، وفي أخرى: عُدَّ فينا ذا شأنٍ)) رواه أحمد (3/120) (12236)، وابن حبَّان (3/19) (744). صحَّح إسناده ابن تيمية في ((الصارم المسلول)) (2/241)، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (6/179): على شرط الشَّيخين، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الموارد)) (1268). .
بيانُ المَكِّيِّ والمَدنيِّ:
سورةُ آل عِمْرانَ سورةٌ مدنيَّةٌ، نزلَتْ بعد الهجرةِ، ونقَل الإجماعَ على ذلك عددٌ من المفسِّرين نقَل الإجماعَ على ذلك: القرطبيُّ, وابنُ تيمية, وابنُ كثير، ومجدُ الدِّين الفيروزابادي, وابنُ عاشور. ينظر: ((البداية والنهاية)) (3/104), ((تفسير القرطبي)) (4/1), ((منهاج السنة النبوية)) (6/422)، ((البداية والنهاية)) (3/104), ((بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)) (1/158)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/146). وقد نزَل صدْرُ سورة آل عِمْرانَ إلى ثلاثٍ وثمانينَ آيةً في وَفْدِ نَجْرانَ؛ ولهذا كان عامَّة السُّورة في شأن المسيح عليه السلام، وكان قُدومُهم سنةَ تِسعٍ من الهجرةِ. ينظر: ((تفسير القرطبي)) (4/4)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/377)، ((تفسير ابن كثير)) (2/5). .
مقاصد السُّورةِ:
مِن أهمِّ المقاصد الَّتي تضمَّنَتْها سورةُ آل عِمْرانَ:
1- إثباتُ وَحْدانيَّةِ الله, وإقامة الأدلَّة والحُجَجِ عليها.
2- بيانُ أهميَّةِ عقيدةِ الولاءِ والبَرَاء، والتَّحذيرُ من ولايةِ غيرِ المؤمنين، وتفصيلُ أحوالِ أهلِ الكتاب.
3- الاهتمامُ بجوانب التَّربيَةِ والإرشادِ والتَّوجيهِ للمؤمنين.
موضوعاتُ السُّورةِ:
مِن أبرزِ الموضوعاتِ الَّتي تناولَتْها سورةُ آلِ عِمْرانَ:
1- بيانُ وَحْدانيَّةِ اللهِ تبارَك وتعالَى المُطلَقةِ, وتقريرُ أنواعِ التَّوحيدِ الثَّلاثةِ: الألوهيَّةِ, والرُّبوبيَّةِ, والأسماءِ والصَّفاتِ.
2- تقريرُ وَحْدةِ الجِهةِ الَّتي تنزَّلَتْ منها جميعُ الكُتُبِ والدِّياناتِ السَّماويَّةِ.
3- بيانُ أقسامِ النَّاس مع مُحكَمِ القُرْآنِ ومُتشابِهِه.
4- تحذيرُ أهلِ الكفرِ المناوئين للهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فالسُّلطانُ والقوَّةُ والجاهُ والولَدُ لن يُغنيَ عنهم شيئًا من عذاب اللهِ وسَطوتِه, وأنَّ نهايتَهم هي الخسرانُ المُبينُ في الدُّنيا والآخرةِ, وضرب لهم الأمثالَ لكفَّارٍ قبلَهم وكفَّارٍ بعدهم، وكيف كانت نهايتُهم.
5- الإشارةُ إلى غزوةِ بَدْرٍ الكبرى، وذكرُ تفاصيلِ ما جرى في غزوةِ أُحُدٍ من أحداثٍ.
6- الإشارةُ إلى أحبِّ الشَّهواتِ النَّفسيَّةِ للإنسانِ, وبيان أنَّ هناك ما هو خيرٌ منها, وهو ما أعَدَّه اللهُ للمتَّقين مِن نعيمٍ مقيمٍ في جنَّاتِ الخُلدِ.
7- بيانُ أهميَّةِ دِينِ الإسلامِ، وأنَّه دينُ الله الَّذي لا يَقبَلُ غيرَه.
8- تفصيلُ أحوالِ أهل الكتاب، وفَضْحُ ضلالاتِهم, وما وقَعوا فيه من اختلافٍ في أمرِ دِينهم, وما ارتكَبوه من جرائمَ وموبقاتٍ بتكذيبِهم بآياتِ اللهِ، وقتلِهم أنبياءَه والدُّعاةَ إليه, وامتناعِهم عن التَّحاكُمِ إلى كتابِه، وقِصَّتُهم مع عيسى عليه السَّلام، وكُفْرُهم به، ودعوةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى مُباهَلةِ كلِّ مَن جادَله منهم في شأنِ عيسى عليه السَّلام مِن بعدما جاء العلمُ، وأمرُ اللهِ لرسولِه أنْ يدعوَهم إلى كلمةٍ سواءٍ, وهي كلمةُ التَّوحيد، ومجادلتُهم في إبراهيمَ عليه السَّلام, وبيانُ الحقِّ لهم في شأنِه، وذِكْرُ مجموعةٍ من صفاتهم الَّتي اتَّصفوا بها؛ كإرادتهم إضلالَ المسلمين, وكُفرِهم بآياتِ الله, ولَبْسِهم الحقَّ بالباطل, ولَيِّهم ألسنتَهم بالكتاب بما ليس منه إيهامًا للمؤمنين, وغيرُها. وأمرُ اللهِ لنبيِّه بمجادلتِهم، وبيانُ الحقِّ لهم في أكثرَ مِن موضعٍ من مواضعِ السُّورةِ، وتحذيرُ اللهِ لأوليائه المؤمنين من اتِّباعِهم وطاعتِهم, وإخبارُ اللهِ تبارَك وتعالَى أنَّ أهلَ الكتاب ليسوا سواءً, وثناؤُه على طائفةٍ منهم، وهم الَّذين يتلُون آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيل, ويُؤمنون باليومِ الآخِرِ، ويَأمُرون بالمعروفِ، ويَنهَوْن عن المنكَرِ، وغير ذلك ممَّا يتعلَّقُ بأهلِ الكتابِ.
9- التنبيهُ على عقيدةِ الولاء والبَرَاءِ, والتَّأكيدُ عليها, والتَّحذيرُ مِن ولاية غيرِ المؤمنين، واتِّخاذِهم بِطانةً من دونِ المؤمنين.
10- بيانُ أنَّ محبةَ الله لها دلائلُ وعلاماتٌ وثمارٌ؛ فمِن دلائلِها: اتباعُ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ, ومِن ثمارِها: محبَّتُه لِمَن أطاع رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
11- ذِكرُ الأنبياء، وبيانُ علوِّ مراتبِهم, واصطفاءِ الله لهم، وبيان قصَّةِ مريمَ وابنِها عيسى عليهما السَّلام، وقصَّة زكريَّا وابنِه يحيى عليهما السَّلام.
12- ذِكرُ مجموعةٍ من الآدابِ التَّربويَّةِ للجماعةِ المسلِمةِ؛ كالوصيَّةِ بالتَّقوى, والاعتصامِ بحبلِ اللهِ, ونَبْذِ الفُرقةِ والاختلافِ, وأمرهم بالدَّعوةِ إلى الخيرِ, وامتنانه عليهم بأنْ جعَلَهم خيرَ أمَّةٍ أُخرِجت للنَّاسِ, وحثهم على الإنفاقِ، وغيرها من الآدابِ العظيمةِ المنثورة في ثنايا السُّورةِ.
13- ذِكرُ بعض الأحكام الشَّرعيَّة؛ كالجهادِ في سبيلِ الله، والنَّهيِ عن أكلِ الرِّبا، والنَّهيِ عن الغُلولِ، وعقوبة مانع الزَّكاةِ.