موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: خُلُوُّ المَكانِ مِمَّا يَشغَلُ البالَ


يُستَحَبُّ للذَّاكِرِ أن يَذكُرَ اللَّهَ في مَكانٍ خالٍ عن كُلِّ ما يَشغَلُ البالَ [2014] يُنظر: ((الأذكار)) للنووي (ص: 12)، ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (1/ 141). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سَبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأ في عِبادةِ رَبِّه، ورَجُلٌ قَلبُه مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في الله اجتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْه امرَأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمالٍ فقال: إنِّي أخافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ أخفى حَتَّى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُه، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضَت عَيناه)) [2015] أخرجه البخاري (660) واللفظ له، ومسلم (1031). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: "ورَجُلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا ففاضَت عَيناه" خاليًا، يَعني: مِنَ الخَلقِ، ومِنَ الالتِفاتِ إلى غَيرِ اللهِ) [2016] ((المفهم)) (3/ 77). .
وقال عُبَيدُ اللهِ الرَّحمانيُّ المبارَكفوريُّ: ("خاليًا" مِنَ الخُلوِّ، أي: مِنَ النَّاسِ؛ لأنَّه أقرَبُ إلى الإخلاصِ وأبعَدُ مِنَ الرِّياءِ، أوِ المُرادُ: خاليًا مِنَ الالتِفاتِ إلى غَيرِ اللهِ تعالى ولَو كان في مَلَأٍ... ويُؤَيِّدُ الأوَّلَ ما وقَعَ في رِوايةٍ للبُخاريِّ وغَيرِه: ((ذَكَر اللهَ في خَلاءٍ)) [2017] أخرجها البخاري (6806) بلَفظِ: ((... ورَجُلٌ ذَكرَ اللهَ في خَلاءٍ ففاضَت عَيناه...)). ، أي: في مَوضِعٍ خالٍ مِنَ النَّاسِ) [2018] ((مرعاة المفاتيح)) (2/ 407). وقال القَسطَلَّانيُّ: ("رَجُلٌ ذَكَر اللهَ في خَلاءٍ" بفتحِ الخاءِ المُعجَمةِ فلامٍ فألِفٍ فهَمزةٍ مَمدودًا: في مَوضِعٍ وَحدَه؛ إذ لا يَكونُ ثَمَّ شائِبةُ رياءٍ). ((إرشاد الساري)) (10/ 5). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ ذلك أقرَبُ إلى حُضورِ القَلبِ، وأبعَدُ مِنَ الرِّياءِ والمُباهاةِ، وأعوَنُ على تَدَبُّرِ مَعنى ما يَدعو به أو يَذكُرُ به، ولا شَكَّ أنَّ هذه الحالةَ أكمَلُ مِمَّا يُخالِفُها [2019] يُنظر: ((تحفة الذاكرين)) للشوكاني (ص: 53). .

انظر أيضا: