موسوعة الآداب الشرعية

سابعَ عشرَ: عَدَمُ الاستِعجالِ


مِن آدابِ الدُّعاءِ: ألا يَستَعجِلَ الدَّاعي، ويَستَبطِئَ الإجابةَ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُستَجابُ لأحَدِكُم ما لَم يَعجَلْ، يَقولُ: دَعَوتُ فلَم يُستَجَبْ لي!)) [2193] أخرجه البخاري (6340) واللفظ له، ومسلم (2735). .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (قال بَعضُ العُلَماءِ: قَولُه: «ما لَم يَعجَلْ» يَعني: يَسأمِ الدُّعاءَ ويَترُكْه، فيَكونُ كالمانِّ بدُعائِه، وأنَّه قد أتى مِنَ الدُّعاءِ ما كان يَستَحِقُّ به الإجابةَ، فيَصيرُ كالمُبَخِّلِ لرَبٍّ كَريمٍ، لا تُعجِزُه الإجابةُ، ولا يَنقُصُه العَطاءُ، ولا تَضُرُّه الذُّنوبُ...
وقال بَعضُهم: إنَّما يَعجَلُ العَبدُ إذا كان غَرَضُه مِنَ الدُّعاءِ نَيلَ ما سَألَ، وإذا لَم يَنَلْ ما يُريدُ ثَقُلَ عليه الدُّعاءُ، ويَجِبُ أن يَكونَ غَرَضُ العَبدِ مِنَ الدُّعاءِ هو الدُّعاءَ للهِ، والسُّؤالَ مِنه، والافتِقارَ إليه أبَدًا، ولا يُفارِقُ سِمةَ العُبوديَّةِ وعَلامةَ الرِّقِّ، والانقيادَ للأمرِ والنَّهيِ، والاستِسلامَ لرَبِّه تعالى بالذِّلَّةِ والخُشوعِ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ الإلحاحَ في الدُّعاءِ.
وقال بَعضُ السَّلَفِ: لأنا أشَدُّ خَشيةً أن أُحرَمَ الدُّعاءَ مِن أن أُحرَمَ الإجابةَ؛ وذلك أنَّ اللَّهَ تعالى يَقولُ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] ؛ فقد أمَرَ بالدُّعاءِ ووعَدَ بالإجابةِ، وهو لا يُخلِفُ الميعادَ، ورُويَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما مِن داعٍ يَدعو إلَّا كان بَينَ إحدى ثَلاثٍ: إمَّا أن يُستَجابَ له، وإمَّا أن يُدَّخَرَ له، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنه)) [2194] رَوي بلفظ: عن أبي سَعيدٍ الخدري أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما مِن مُسلمٍ يَدعو بدَعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قَطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاه اللهُ بها إحدى ثَلاثٍ: إمَّا أن تُعَجَّلَ له دَعوتُه، وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخِرةِ، وإمَّا أن يَصرِفَ عنه مِنَ السُّوءِ مِثلَها، قالوا: إذًا نُكثِرُ! قال: اللهُ أكثَرُ)). أخرجه مِن طُرُقٍ: أحمد (11133) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4368)، والحاكم (1840). صحَّحه الألباني في ((شرح الطحاوية)) (462)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (412)، وصحَّح إسنادَه الحاكم، وجوَّده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11133). ، ففى هذا الحَديثِ دَليلٌ أنَّ الدُّعاءَ مُجابٌ إمَّا مُعَجَّلًا وإمَّا مُؤَخَّرًا) [2195] ((شرح صحيح البخاري)) (10/ 100، 101). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (مِنَ الآفاتِ التي تَمنَعُ تَرَتُّبَ أثَرِ الدُّعاءِ عليه: أن يَستَعجِلَ العَبدُ، ويَستَبطِئَ الإجابةَ؛ فيَستَحسِرَ ويَدَعَ الدُّعاءَ، وهو بمَنزِلةِ مَن بَذَرَ بَذرًا أو غَرَسَ غَرسًا، فجَعَلَ يتعاهَدُه ويَسقيه، فلَمَّا استَبطَأ كَمالَه وإدراكَه تَرَكَه وأهمَلَه!) [2196] ((الجواب الكافي)) (ص: 11). .

انظر أيضا: