موسوعة الآداب الشرعية

اثنانِ وعشرونَ: تحَرِّي أوقاتِ الإجابةِ


يَنبَغي تَحَرِّي الأوقاتِ التي يُرجى فيها إجابةُ الدُّعاءِ، ومِنها:
1- جَوفُ اللَّيلِ، ولا سيَّما آخِرِه [2217] قال ابنُ تَيميَّةَ: (لا رَيبَ أنَّ الدُّعاءَ في بَعضِ الأوقاتِ والأحوالِ أجوَبُ مِنه في بَعضٍ، فالدُّعاءُ في جَوفِ اللَّيلِ أجوَبُ الأوقاتِ). ((مجموع الفتاوى)) (27/ 129).
فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَنزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا، حينَ يَبقى ثُلُثُ اللَّيلِ الآخِرُ، فيَقولُ: مَن يَدعوني فأستَجيبَ له؟ ومَن يَسألُني فأُعطيَه؟ ومَن يَستَغفِرُني فأغفِرَ له)) [2218] أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) واللفظ له. .
وفي رِوايةٍ: ((يَنزِلُ اللهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا كُلَّ ليلةٍ حينَ يَمضي ثُلُثُ اللَّيلِ الأوَّلُ، فيَقولُ: أنا المَلكُ، أنا المَلكُ، مَن ذا الذي يَدعوني فأستَجيبَ له؟ مَن ذا الذي يَسألُني فأُعطيَه؟ مَن ذا الذي يَستَغفِرُني فأغفِرَ له؟ فلا يَزالُ كذلك حتَّى يُضيءَ الفَجرُ [2219] قال الطُّرْطوشيُّ: (هذا غايةٌ في التَّرغيبِ في الدُّعاءِ، ونِهايةٌ في استِعطافِ قُلوبِ الخَلائِقِ في الرَّغبةِ إليه، واستِدرارِ ما في خَزائِنِه). ((الدعاء المأثور)) (ص: 14). وقال النَّوويُّ: (قَولُه: «فلا يَزالُ كذلك حتَّى يُضيءَ الفَجرُ» فيه دَليلٌ على امتِدادِ وقتِ الرَّحمةِ واللُّطفِ التَّامِّ إلى إضاءةِ الفَجرِ، وفيه الحَثُّ على الدُّعاءِ والاستِغفارِ في جَميعِ الوقتِ المَذكورِ إلى إضاءةِ الفَجرِ، وفيه تَنبيهٌ على أنَّ آخِرَ اللَّيلِ للصَّلاةِ والدُّعاءِ والاستِغفارِ وغَيرِها مِنَ الطَّاعاتِ أفضَلُ مِن أوَّلِه). ((شرح مسلم)) (6/ 37، 38). ) [2220] أخرجها مسلم (758). .
وعن عَمرِو بنِ عَبَسةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((... قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، فهَل مِن دَعوةٍ أقرَبُ مِن أُخرى أو ساعةٍ؟ قال: نَعَم، إنَّ أقرَبَ ما يَكونُ الرَّبُّ مِنَ العَبدِ جَوف اللَّيلِ الآخِر، فإنِ استَطَعتَ أن تَكونَ مِمَّن يَذكُرُ اللَّهَ في تلك السَّاعةِ فكُنْ)) [2221] أخرجه الترمذي (3579) مختصرًا، والنسائي (572) مطولًا، وابن خزيمة (1147) واللفظ له. صححه ابن خزيمة، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1177)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (4/23)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3579)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1015). .
وفي رِوايةٍ عن عَمرِو بنِ عَبَسةَ السُّلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ اللَّيلِ أسمَعُ [2222] قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: "أيُّ اللَّيلِ أسمَعُ" يُريدُ: أيُّ أوقاتِ اللَّيلِ أرجى للدَّعوةِ وأولى بالاستِجابةِ، وُضِعَ السَّمعُ مَوضِعَ الإجابةِ، كَما يَقولُ المُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لمَن حَمِدَه، يُريدُ استَجابَ اللهُ دُعاءَ مَن حَمِدَه. وقَولُه: «جَوفُ اللَّيلِ الآخِرُ» يُريدُ به ثُلُثَ اللَّيلِ الآخِرَ، وهو الجُزءُ الخامِسُ مِن أسداسِ اللَّيلِ). ((معالم السنن)) (1/ 276). ؟ قال: جَوفُ اللَّيلِ الآخِرُ)) [2223] أخرجها أبو داود (1277) واللفظ له، وابن خزيمة (260)، والحاكم (594) مطولًا. صححها ابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي في ((السنن الصغير)) (1/326)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1277). .
وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ في اللَّيلِ لساعةً لا يوافِقُها رَجُلٌ مُسلمٌ يَسألُ اللَّهَ خَيرًا مِن أمرِ الدُّنيا والآخِرةِ إلَّا أعطاه إيَّاه [2224] قال النَّوويُّ: (فيه إثباتُ ساعةِ الإجابةِ في كُلِّ ليلةٍ، ويَتَضَمَّنُ الحَثَّ على الدُّعاءِ في جَميعِ ساعاتِ اللَّيلِ رَجاءَ مُصادَفتِها). ((شرح مسلم)) (6/ 36). ، وذلك كُلَّ ليلةٍ)) [2225] أخرجه مسلم (757). .
فائِدةٌ: أرجى اللَّيالي لإجابةِ الدُّعاءِ هيَ ليلةُ القَدرِ
قال الشَّوكانيُّ: (قد نَطَقَ الكِتابُ العَزيزُ بشَرَفِ تلك اللَّيلةِ، وشَرَفُها مُستَلزِمٌ لقَبولِ دُعاءِ الدَّاعينَ فيها؛ ولهذا أمَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتِماسِها، وحَرَّضَ الصَّحابةَ على ذلك غايةَ التَّحريضِ) [2226] ((تحفة الذاكرين)) (ص: 65). .
2- الدُّعاءُ بَعدَ ذِكرِ اللهِ إذا تَعارَّ مِنَ اللَّيلِ:
عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن تَعارَّ [2227] تَعارَّ: مَعناه استَيقَظَ مِن نَومِه، وأصلُ التَّعارِّ السَّهَرُ والتَّقَلُّبُ على الفِراشِ، ويُقالُ: إنَّه لا يَكونُ إلَّا مَعَ كَلامٍ وصَوتٍ). يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 642، 643)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 143)، ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) للتوربشتي (1/ 311). مِنَ اللَّيلِ، فقال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَه لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ، وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، الحَمدُ للَّهِ، وسُبحانَ اللَّهِ، ولا إلهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكبَرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، ثُمَّ قال: اللهُمَّ اغفِرْ لي، أو دَعا، استُجيبَ له، فإن تَوضَّأ وصَلَّى قُبِلَت صَلاتُه)) [2228] أخرجه البخاري (1154). .
3- بَعدَ تَرديدِ الأذانِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ المُؤَذِّنينَ يَفضُلونَنا، فقال: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ كَما يَقولونَ، فإذا انتَهَيتَ فسَلْ تُعْطَه)) [2229] أخرجه أبو داود (524)، وابن حبان (1695)، والطبراني (14/79) (14685). صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (524) وحسَّنه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/376)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (524). .
4- بَينَ الأذانِ والإقامةِ:
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الدُّعاءَ لا يُرَدُّ بَينَ الأذانِ والإقامةِ؛ فادْعوا)) [2230] أخرجه أحمد (12584) واللفظ له، وابن خزيمة (425)، وابن حبان (1696). صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (3405). وأخرجه أبو داودَ (521)، والتِّرمذيُّ (212)، وأحمد (12200) دونَ لفظةِ: "فادْعوا". صححه ابن حبان كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (454)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (212)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (521)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
5- أثناءَ السُّجودِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أقرَبُ ما يَكونُ العَبدُ مِن رَبِّه وهو ساجِدٌ؛ فأكثِروا الدُّعاءَ)) [2231] أخرجه مسلم (482). .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كَشَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السِّتارةَ والنَّاسُ صُفوفٌ خَلفَ أبي بَكرٍ، فقال: أيُّها النَّاسُ، إنَّه لَم يَبقَ مِن مُبَشِّراتِ النُّبوَّةِ إلَّا الرُّؤيا الصَّالحةُ يَراها المُسلمُ أو تُرى له، ألَا وإنِّي نُهِيتُ أن أقرَأَ القُرآنَ راكِعًا أو ساجِدًا، فأمَّا الرُّكوعُ فعَظِّموا فيه الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ، وأمَّا السُّجودُ فاجتَهِدوا في الدُّعاءِ؛ فقَمِنٌ [2232] قَمِنٌ، أي: جَديرٌ وحَريٌّ أن يُستَجابَ لكُم. يُنظر: ((معالم السنن)) للخَطابيِّ (1/ 214). أن يُستَجابَ لكُم)) [2233] أخرجه مسلم (479). .
6- السَّاعةُ التي في يَومِ الجُمُعةِ:
فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَرَ يَومَ الجُمُعةِ، فقال: فيه ساعةٌ لا يوافِقُها عَبدٌ مُسلمٌ وهو يُصَلِّي يَسألُ اللَّهَ شَيئًا إلَّا أعطاه إيَّاه، وأشارَ بيَدِه يُقَلِّلُها)) [2234] أخرجه البخاري (935)، ومسلم (852) واللفظ له. .
وعن عبدِ اللهِ بنِ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُلتُ ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسٌ: إنَّا لنَجِدُ في كِتابِ اللهِ: في يَومِ الجُمُعةِ ساعةٌ لا يوافِقُها عَبدٌ مُؤمِنٌ يُصَلِّي يَسألُ اللَّهَ فيها شَيئًا إلَّا قَضى له حاجَتَه، قال عَبدُ اللَّهِ: فأشارَ إليَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أو بَعضُ ساعةٍ، فقُلتُ: صَدَقتَ، أو بَعضُ ساعةٍ...)) الحديثَ [2235] أخرجه ابن ماجه (1139) واللفظ له، وأحمد (23781) قال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (941): حسن صحيح، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (582)، وقوى إسناده شعيب في ((تخريج سنن أبي داود)) (2/279). .

انظر أيضا: