موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: اختيارُ المُعَلِّمِ والشَّيخِ


يَنبَغي ألَّا يُؤخَذَ العِلمُ إلَّا مِمَّن كَمَلت أهليَّتُه، وظَهَرَت ديانَتُه، وتَحَقَّقَت مَعرِفتُه، واشتَهَرَت صيانَتُه وسيادَتُه [2292] ((المجموع)) للنووي (1/ 36). قال النَّوويُّ: (قالوا: ولا تَأخُذِ العِلمَ مِمَّن كان أخذُه له مِن بُطونِ الكُتُبِ مِن غَيرِ قِراءةٍ على شُيوخٍ أو شَيخٍ حاذِقٍ، فمَن لم يَأخُذْه إلَّا مِنَ الكُتُبِ يَقَعُ في التَّصحيفِ، ويَكثُرُ مِنه الغَلَطُ والتَّحريفُ). ((المصدر السابق)). وقال الخَطيبُ البَغداديُّ: (يَنبَغي للمُتَعَلِّمِ أن يَقصِدَ مِنَ الفُقَهاءِ مَنِ اشتَهَرَ بالدِّيانةِ، وعُرِف بالسَّترِ والصِّيانةِ... ويَكونُ قد وسَمَ نَفسَه بآدابِ العِلمِ مِنِ استِعمالِ الصَّبرِ والحِلمِ، والتَّواضُعِ للطَّالبينَ، والرِّفقِ بالمُتَعَلِّمينَ، ولينِ الجانِبِ، ومُداراةِ الصَّاحِبِ، وقَولِ الحَقِّ، والنَّصيحةِ للخَلقِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الأوصافِ الحَميدةِ، والنُّعوتِ الجَميلةِ، ويَكونُ قد أخَذَ فِقهَه مِن أفواهِ العُلماءِ لا مِنَ الصُّحُفِ، وتكونُ حالُه في مَعرِفتِه بالفِقهِ ظاهرةً، وفي الاعتِناءِ به وصَرفِ الاهتِمامِ إليه مَعلومةً). ((الفقيه والمُتَفقِّه)) (2/ 191-194). .
أقوالٌ فيمَن يُؤخذُ عنه العلمُ
1- عن مُحَمَّد بن سِيرينَ، قال: (إنَّ هذا العِلمَ دينٌ؛ فانظُروا عَمَّن تَأخُذونَ دينَكُم) [2293] أخرجه مسلم في ((مقدمة الصحيح)) (1/ 14). .
2- قال الزَّمَخشَريُّ: (على كُلِّ آخِذٍ عِلمًا ألَّا يَأخُذَه إلَّا مِن أقتَلِ أهلِه عِلمًا، وأنحَرِهم دِرايةً، وأغوَصِهم على لطائِفِه وحَقائِقِه، وإنِ احتاجَ إلى أن يَضرِبَ إليه أكبادَ الإبِلِ.
فكَم مِن آخِذٍ عن غَيرِه مُتقنٍ، قد ضَيَّعَ أيَّامَه، وعَضَّ عِندَ لقاءِ النَّحاريرِ أنامِلَه!) [2294] ((الكشاف)) (1/ 606). .
3- قال الماوَرديُّ: (ليَأخُذِ المُتَعَلِّمُ حَظَّه مِمَّن وجَدَ طَلِبَتَه عِندَه مِن نَبيهٍ وخامِلٍ، ولا يَطلُبِ الصِّيتَ وحُسنَ الذِّكرِ باتِّباعِ أهلِ المَنازِلِ مِنَ العُلماءِ إذا كان النَّفعُ بغَيرِهم أعَمَّ، إلَّا أن يَستَويَ النَّفعانِ، فيَكونُ الأخذُ عَمَّنِ اشتَهَرَ ذِكرُه وارتَفعَ قدرُه أولى؛ لأنَّ الانتِسابَ إليه أجمَلُ، والأخذَ عنه أشهَرُ.
وقد قال الشَّاعِرُ:
إذا أنتَ لم يَشهَرْك عِلمُك لم تَجِدْ
لعِلمِك مَخلوقًا مِنَ النَّاسِ يَقبَلُه
وإن صانَك العِلمُ الذي قد حَمَلتَه
أتاك له مَن يَجتَنيه ويَحمِلُه
وإذا قَرُبَ مِنك العِلمُ فلا تَطلُبْ ما بَعُد، وإذا سَهُل من وَجهٍ فلا تَطلُبْ ما صَعُب.
وإذا حَمِدتَ مَن خَبَرتَه فلا تَطلُبْ مَن لم تَختَبرْه، فإنَّ العُدولَ عنِ القَريبِ إلى البَعيدِ عناءٌ، وتَركَ الأسهَلِ بالأصعَبِ بَلاءٌ، والانتِقالَ مِنَ المَخبورِ إلى غَيرِه خَطَرٌ.
وقد قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: عُقبى الأخرَقِ مُضِرَّةٌ، والمُتَعَسِّفُ لا تَدومُ له مَسَرَّةٌ.
وقال بَعضُ الحُكَماءِ: القَصدُ أسهَلُ مِنَ التَّعَسُّفِ، والكَفُّ أودَعُ مِنَ التَّكَلُّفِ.
ورُبَّما تَتبَعُ نَفسُ الإنسانِ مَن بَعُد عنه استِهانةً بمَن قَرُبَ مِنه، وطَلَبَ ما صَعُبَ احتِقارًا لِما سَهُلَ عليه، وانتَقَل إلى مَن لم يَخبُرْه مَللًا لمَن خَبَرَه، فلا يُدرِكُ مَحبوبًا ولا يَظفَرُ بطائِلٍ. وقد قالتِ العَرَبُ في أمثالِها: العالمُ كالكَعبةِ؛ يَأتيها البُعَداءُ، ويَزهَدُ فيها القُرَباءُ) [2295] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 71). .

انظر أيضا: