موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: اغتِنامُ وقتِ الشَّبابِ والنَّشاطِ وقِلَّةِ الشَّواغِلِ


يَنبَغي أن يَغتَنِمَ التَّحصيلَ في وقتِ الفراغِ والنَّشاطِ، وحالَ الشَّبابِ وقوَّةِ البَدَنِ ونَباهةِ الخاطِرِ وقِلَّةِ الشَّواغِلِ، قَبل عَوارِضِ البَطالةِ وارتِفاعِ المَنزِلةِ [2298] يُنظر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (2/ 177)، ((المجموع)) للنووي (1/ 38). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الآثارِ:
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (تَفقَّهوا قَبل أن تُسَوَّدوا) [2299] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم قَبل حَديث (73)، وأخرجه مَوصولًا الدارمي (256)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1549). صَحَّح إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/199)، والعيني في ((عمدة القاري)) (2/81)، والقسطلاني في ((إرشاد الساري)) (1/171). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (تُسَوَّدوا: أي تُجعَلوا سادةً... وإنَّما أرادَ عُمَرُ أنَّ السِّيادةَ قد تَكونُ سَبَبًا للمَنعِ؛ لأنَّ الرَّئيسَ قد يَمنَعُه الكِبرُ والاحتِشامُ أن يَجلسَ مَجلِسَ المُتَعَلِّمينَ؛ ولهذا قال مالِكٌ عن عَيبِ القَضاءِ: إنَّ القاضيَ إذا عُزِل لا يَرجِعُ إلى مَجلِسِه الذي كان يَتَعَلَّمُ فيه.
وقال الشَّافِعيُّ: إذا تَصَدَّرَ الحَدَثُ فاتَه عِلمٌ كَثيرٌ [2300] أورَدَه ابنُ الجَوزيِّ في ((صفة الصفوة)) (1/ 435) عنِ الرَّبيعِ، قال: قال الشَّافِعيُّ: (مَن طَلب الرِّياسةَ فرَّت مِنه، وإذا تَصَدُّر الحَديثَ فاتَه عِلمٌ كَثيرٌ). وأورد ابنُ عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 573) عن المَأمونِ، قال: (مَن طَلب الرِّياسةَ بالعِلمِ صَغيرًا فاتَه عِلمٌ كَثيرٌ). ورَوى البَيهَقيُّ عن أحمد بن صالح، قال: سَمِعتُ الشَّافِعيَّ يَقولُ: ((تَفقَّهْ قَبل أن تَرأسَ، فإذا تَرَأَّستَ فلا سَبيلَ إلى التَّفقُّهِ). ((مناقب الشافعي)) (2/ 142). [2301] ((فتح الباري)) (1/ 166). .
وقال أبو عُبَيدٍ: (قَولُه: "تَفقَّهوا قَبل أن تَسودوا"، يَقولُ: تَعَلَّموا العِلمَ ما دُمتُم صِغارًا قَبلَ أن تَصيروا سادةً رُؤَساءَ مَنظورًا إليكُم، فإن لم تَعلَموا قَبل ذلك استَحيَيتُم أن تَعلَموه بَعدَ الكِبَرِ، فبَقيتُم جُهَّالًا، تَأخُذونَه مِنَ الأصاغِرِ فيُزري ذلك بكُم) [2302] ((غريب الحديث)) (4/ 260). .

انظر أيضا: