موسوعة الآداب الشرعية

حادي عشرَ: التَّواضُعُ


يَنبَغي لطالِبِ العِلمِ أن يَكونَ مُتَواضِعًا [2318] قال النَّوويُّ: (يَنبَغي أن يَتَواضَعَ لمُعَلِّمِه ويَتَأدَّبَ مَعَه وإن كان أصغَرَ مِنه سِنًّا وأقَلَّ شُهرةً ونَسَبًا وصَلاحًا وغَيرَ ذلك، ويَتَواضَعَ للعِلمِ؛ فبتَواضُعِه يُدرِكُه، وقد قالوا: العِلمُ حَربٌ للفتى المُتَعالي ... كالسَّيلِ حَربٌ للمَكانِ العالي ويَنبَغي أن يَنقادَ لمُعَلِّمِه ويُشاوِرَه في أُمورِه ويَقبَلَ قَولَه، كالمَريضِ العاقِلِ يَقبَلُ قَولَ الطَّبيبِ النَّاصِحِ الحاذِقِ، وهذا أَولى). ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 46، 47). ويُنظر: ((تعليم المتعلم طريق التعلم)) للزرنوجي (ص: 87)، ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 259). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما نَقَصَت صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللهُ عبدًا بعَفوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للهِ إلَّا رَفعَه اللهُ)) [2319] أخرجه مسلم (2588). .
2- عن عياضٍ المجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قامَ فينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ خَطيبًا، فقال: ... وإنَّ اللَّهَ أوحى إليَّ أن تَواضَعوا حتَّى لا يَفخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ، ولا يَبغيَ أحَدٌ على أحَدٍ)) [2320] أخرجه مسلم (2865). .
فوائِدُ في أهميَّةِ التواضعِ وخطرِ الكبرِ:
أقوالٌ في ذمِّ الكِبرِ
1- عن أبي العاليةِ، قال: (لا يَتَعَلَّمُ مُستَحٍ ولا مُتَكَبِّرٌ) [2321] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/ 220). .
2- عن مُجاهِدٍ، قال: (إنَّ هذا العِلمَ لا يَتَعَلَّمُه مُستَحٍ ولا مُتَكَبِّرٌ) [2322] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/ 287). .
3- قال الخَليلُ بنُ أحمَدَ: (يَرتَعُ الجَهلُ بَينَ الحَياءِ والكِبرِ في العِلمِ) [2323] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 51). .
4- عنِ الشَّافِعيِّ، قال: (لا يَطلُبُ هذا العِلمَ أحَدٌ بالمُلكِ وعِزِّ النَّفسِ فيُفلِحَ، ولكِنْ مَن طَلبه بذِلَّةِ النَّفسِ وضِيقِ العَيشِ وخِدمةِ العِلمِ وتَواضُعِ النَّفسِ، أفلَحَ) [2324] ((مناقب الشافعي)) للبيهقي (2/ 141). ويُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (3/ 244)، ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (2/ 184)، ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 412). .
5- قال عَبدُ اللهِ بنُ المُعتَزِّ: (المُتَواضِعُ في طُلَّابِ العِلمِ أكثَرُهم عِلمًا، كما أنَّ المَكانَ المُنخَفِضَ أكثَرُ البقاعِ ماءً) [2325] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 198). ويُنظر: ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 50). .
مِن تَواضُعِ السَّلفِ
1- عن إدريسَ بنِ عَبدِ الكَريمِ، قال: (قال لي سَلَمةُ بنُ عاصِمٍ: أُريدُ أن أسمَعَ كِتابَ العدَدِ مِن خَلَفٍ، فقُلتُ لخَلَفٍ: قال: فليَجِئْ، فلَمَّا دَخَلَ رَفعَه لأن يَجلِسَ في الصَّدرِ، فأبى، وقال: لا أجلِسُ إلَّا بَينَ يَدَيك، وقال: هذا حَقُّ التَّعليمِ، فقال له خَلَفٌ: جاءَني أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ يَسمَعُ حَديثَ أبي عَوانةَ، فاجتَهَدتُ أن أرفعَه، فأبى وقال: لا أجلِسُ إلَّا بَينَ يَدَيك، أُمِرْنا أن نَتَواضَعَ لِمَن نَتَعَلَّمُ مِنه) [2326] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 198). .
2- عن حَجَّاجٍ، قال: (كان عَمرُو بنُ قَيسٍ المُلائيُّ إذا بَلَغَه الحَديثُ عَنِ الرَّجُلِ، فأرادَ أن يَسمَعَه، أتاه حَتَّى يَجلِسَ بَينَ يَدَيه ويَخفِضَ جَناحَه، ويَقولَ: عَلِّمْني رَحِمَك اللهُ مِمَّا عَلَّمَك اللهُ) [2327] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 210). .

انظر أيضا: