موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: إعادةُ السَّلامِ ثلاثًا


إذا سَلَّمَ فلم يَرُدَّ عليه أحَدٌ، كرَّر ذلك مرَّتينِ وثلاثًا.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَزورُ الأنصارَ، فإذا جاءَ إلى دُورِ الأنصارِ جاءَ صِبيانُ الأنصارِ يَدورونَ حَولَه، فيَدعو لهم ويَمسَحُ رؤوسَهم، ويُسَلِّمُ عليهم، فأتى إلى بابِ سَعدِ بنِ عُبادةَ، فسَلَّمَ عليهم، فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فرَدَّ سَعدٌ فلم يُسمِعِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزيدُ فوقَ ثَلاثِ تَسليماتٍ؛ فإنَّ أُذِنَ له وإلَّا انصَرَف، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجاءَ سَعدٌ مُبادِرًا، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ما سَلَّمتَ تسليمةً إلَّا قد سَمِعتُها ورَدَدتُها، ولكِنْ أرَدتُ أن تُكثِرَ علينا مِنَ السَّلامِ والرَّحمةِ! فادخُلْ يا رَسولَ اللهِ، فدَخَل، فجَلسَ فقَرَّب إليه سَعدٌ طَعامًا، فأصابَ مِنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَنصَرِفَ قال: أكَل طَعامَكُمُ الأبرارُ، وأفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ، وصَلَّت عليكُمُ المَلائِكةُ)) [158] أخرجه البزار (6872)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1577) واللفظ له، والبيهقي في ((الآداب)) (470). صحَّح إسنادَه الألباني في ((آداب الزفاف)) (97)، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (1577). وروي بلفظ: عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أو غيرِه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَأذَنَ على سَعدِ بنِ عُبادةَ، فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ، فقال سَعدٌ: وعليك السَّلامُ ورَحمةُ اللهِ، ولم يُسمِعِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى سَلَّمَ ثَلاثًا، ورَدَّ عليه سَعدٌ ثَلاثًا، ولم يُسمِعْه، فرَجَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واتَّبَعَه سَعدٌ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، بأبي أنتَ وأمِّي! ما سَلَّمتَ تسليمةً إلَّا هي بأذُني، ولقَد رَدَدتُ عليك ولم أُسمِعْك، أحبَبتُ أن أستَكثِرَ مِن سَلامِك، ومِنَ البَرَكةِ! ثُمَّ أدخَلَه البيتَ فقَرَّب له زَبيبًا، فأكل نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا فرَغَ قال: أكَلَ طَعامَكُمُ الأبرارُ، وصَلَّت عليكُمُ المَلائِكةُ، وأفطَرَ عِندَكُمُ الصَّائِمونَ)). أخرجه أحمد (12406) واللفظ له، وعبد الرزاق (19425)، والبيهقي (14788). صحح إسناده النووي في ((الأذكار)) (247)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/16)، والألباني في ((آداب الزفاف)) (97)، وشعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين في تخريج ((مسند أحمد)) (12406). .
قال الطَّحاويُّ: (في هذا الحَديثِ تَعليمُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ ألَّا يَزيدوا في السَّلامِ عِندَ وُقوفِهم على الأبوابِ على ثَلاثِ مَرَّاتٍ؛ لأنَّ ذلك مِمَّا يَعلمُ المُسلمُ أنَّ في ذلك البَيتِ مَن يَجوزُ أن يَرُدَّ سَلامَه عليه مِنَ الرِّجالِ فيَنتَظِرُه، أو أنَّ فيه مَن لا يَجوزُ مِنه رَدُّ السَّلامِ عليه مِنَ النِّساءِ فيَنصَرِفُ، وهذه سُنَّةٌ قائِمةٌ، وأدَبٌ حَسَنٌ لا يَنبَغي تَعَدِّيهما إلى غَيرِهما، واللهُ نَسألُه التَّوفيقَ) [159] ((شرح مشكل الآثار)) (4/ 243). .
2- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا سَلَّم سَلَّم ثَلاثًا، وإذا تَكَلَّمَ بكَلِمةٍ أعادَها ثَلاثًا)) [160] أخرجه البخاري (6244). .
قال الخَطَّابيُّ: (... أمَّا تَسليمُه ثَلاثًا فيُشبِهُ أن يَكونَ ذلك عِندَ الاستِئذانِ إذا زارَ قَومًا فسَلَّمَ فلم يُؤذَنْ له، سَلَّم ثانيةً وثالثةً) [161] ((أعلام الحديث)) (1/ 207، 208). .
وقال أبو الزِّنادِ: (إنَّما كان يُكَرِّرُ الكَلامَ ثَلاثًا والسَّلامَ ثَلاثًا إذا خَشيَ أن لا يُفهَمَ عنه، أو لا يُسمَعَ سَلامُه، أو إذا أرادَ الإبلاغَ في التَّعليمِ، أوِ الزَّجرَ في المَوعِظةِ. وفيه أنَّ الثَّلاثَ غايةُ ما يَقَعُ به البَيانُ والإعذارُ به) [162] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 172، 173). .
ب- مِنَ الآثارِ:
عن أبي العَلانيةِ، قال: (أتَيتُ أبا سَعيدٍ الخُدريَّ، فسَلَّمتُ فلم يُؤذَنْ لي، ثُمَّ سَلَّمتُ فلم يُؤذَنْ لي، ثُمَّ سَلَّمتُ الثَّالثةَ فرَفَعتُ صَوتي وقُلتُ: السَّلامُ عليكُم يا أهلَ الدَّارِ، فلم يُؤذَنْ لي، فتَنَحَّيتُ ناحيةً فقَعَدتُ، فخَرَجَ إليَّ غُلامٌ فقال: ادخُلْ، فدَخَلتُ، فقال لي أبو سَعيدٍ: أمَا إنَّك لو زِدتَ لم يُؤذَنْ لك!) [163] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1077). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الأدب المفرد)) (821). .

انظر أيضا: