موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: الاستِئذانُ قبلَ الدُّخولِ وعندَ الانصرافِ


يَنبَغي للزَّائِرِ أنْ يستأذن قبلَ الدُّخولِ وعندَ الانصرافِ وأنْ يَتَأدَّبَ بآدابِ الاستِئذانِ [340] تُنظَرُ آدابُ الاستِئذانِ مِن هذه المَوسوعةِ. .
فوائِدُ مِن آيةِ الاستئذانِ في سورةِ النُّورِ:
قال ابنُ عاشورٍ في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور: 27] : (مِن أكبَرِ الأغراضِ في هذه السُّورةِ تَشريعُ نِظامِ المُعاشَرةِ والمُخالَطةِ العائِليَّةِ في التَّجاوُرِ. فهذه الآياتُ استِئنافٌ لبَيانِ أحكامِ التَّزاوُرِ، وتَعليمِ آدابِ الاستِئذانِ، وتَحديدِ ما يَحصُلُ المَقصودُ مِنه؛ كَي لا يَكونَ النَّاسُ مُختَلفينَ في كَيفيَّتِه على تَفاوُتِ اختِلافِ مَدارِكِهم في المَقصودِ منه والمُفيدِ.
وقد كان الاستِئذانُ مَعروفًا في الجاهليَّةِ وصَدرِ الإسلامِ، وكان يَختَلِفُ شَكلُه باختِلافِ حالِ المُستَأذَنِ عليه مِن مُلوكٍ وسُوقةٍ، فكان غَيرَ مُتَماثِلٍ، وقد يَترُكُه أو يُقَصِّرُ فيه مَن لا يُهِمُّه إلَّا قَضاءُ وَطَرِه وتَعجيلُ حاجَتِه، ولا يَبعُدُ بأن يَكونَ وُلوجُه مُحرِجًا للمَزورِ أو مُثقِلًا عليه؛ فجاءَت هذه الآياتُ لتَحديدِ كَيفيَّتِه، وإدخالِه في آدابِ الدِّينِ حتَّى لا يُفرِّطَ النَّاسُ فيه أو في بَعضِه باختِلافِ مَراتِبِهم في الاحتِشامِ والأنَفةِ واختِلافِ أوهامِهم في عَدَمِ المُؤاخَذةِ أو في شِدَّتِها.
وشُرِعَ الاستِئذانُ لمَن يَزورُ أحَدًا في بَيتِه؛ لأنَّ النَّاسَ اتَّخَذوا البُيوتَ للاستِتارِ مِمَّا يُؤذي الأبدانَ مِن حَرٍّ وقُرٍّ [341] القُرُّ: البَرْدُ. يُنظر: ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) لابن الأنباري (1/ 199). ، ومَطَرٍ وقَتامٍ [342] القَتامُ: الغُبار.ُ يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (9/ 70). ، ومِمَّا يُؤذي العِرضَ والنَّفسَ مِنِ انكِشافِ ما لا يُحِبُّ السَّاكِنُ اطِّلاعَ النَّاسِ عليه، فإذا كان في بَيتِه وجاءَه أحَدٌ فهو لا يُدخِلُه حتَّى يُصلِحَ ما في بَيتِه، وليَستُرَ ما يُحِبُّ أن يَستُرَه، ثُمَّ يأذنُ له أو يَخرُجُ له فيُكَلِّمُه مِن خارِجِ البابِ.
ومَعنى تَسْتَأْنِسُوا تَطلُبوا الأُنسَ بكُم، أي: تَطلُبوا أن يَأنَسَ بكُم صاحِبُ البَيتِ، وأُنسُه به بانتِفاءِ الوَحشةِ والكَراهيةِ. وهذا كِنايةٌ لطيفةٌ عنِ الاستِئذانِ، أي: أن يَستَأذِنَ الدَّاخِلُ، أي: يَطلُبَ إذنًا مِن شَأنِه أن لا يَكونَ مَعَه استيحاشُ رَبِّ المَنزِلِ بالدَّاخِلِ. قال ابنُ وهبٍ: قال مالِكٌ: الاستِئناسُ -فيما نَرى، واللَّهُ أعلمُ- الاستِئذانُ. يُريدُ أنَّه المُرادُ كِنايةً أو مُرادَفةً، فهو مِنَ الأُنسِ، وهذا الذي قاله مالِكٌ هو القَولُ الفَصلُ...
وفي ذلك مِنَ الآدابِ: أنَّ المَرءَ لا يَنبَغي أن يَكونَ كَلًّا على غَيرِه، ولا يَنبَغي له أن يُعَرِّضَ نَفسَه إلى الكَراهيةِ والاستِثقالِ، وأنَّه يَنبَغي أن يَكونَ الزَّائِرُ والمزورُ مُتَوافِقَينِ مُتَآنِسَينِ، وذلك عَونٌ على تَوفُّرِ الأُخوَّةِ الإسلاميَّةِ.
وعُطِف الأمرُ بالسَّلامِ على الاستِئناسِ وجُعِل كِلاهما غايةً للنَّهيِ عن دُخولِ البُيوتِ؛ تَنبيهًا على وُجوبِ الإتيانِ بهما؛ لأنَّ النَّهيَ لا يَرتَفِعُ إلَّا عِندَ حُصولِهما) [343] ((التحرير والتنوير)) (18/ 196، 197). .

انظر أيضا: