رابعًا: قَولُ "مَرحَبًا" ونحوِ ذلك عِندَ اللِّقاءِ
يُسَنُّ للمَزورِ أن يَقولَ للزَّائِرِ ونَحوِه: مَرحَبًا
[370] قال ابنُ حَجَرٍ: (قال الأصمَعيُّ: مَعنى قَولِه: مَرحَبًا: لَقِيتَ رُحبًا وسَعةً، وقال الفَرَّاءُ: نُصِبَ على المَصدَرِ، وفيه مَعنى الدُّعاءِ بالرُّحبِ والسَّعةِ، وقيل: هو مَفعولٌ به، أي: لَقِيتَ سَعةً لا ضيقًا). ((فتح الباري)) (10/ 562). ونحوَ ذلك.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ السُّنَّةِ1- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه يُحَدِّثُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((فُرِجَ عن سَقفِ بَيتي وأنا بمَكَّةَ، فنَزَل جِبريلُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ففرَج صَدري، ثُمَّ غَسَله بماءِ زَمزَمَ، ثُمَّ جاءَ بطَستٍ مِن ذَهَبٍ مُمتَلئٍ حِكمةً وإيمانًا، فأفرَغَه في صَدري، ثُمَّ أطبَقَه، ثُمَّ أخَذَ بيَدي، فعَرَجَ بي إلى السَّماءِ الدُّنيا، فلمَّا جِئتُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، قال جِبريلُ لخازِنِ السَّماءِ: افتَحْ، قال: مَن هذا؟ قال: هذا جِبريلُ، قال: هل مَعَك أحَدٌ؟ قال: نَعَم، مَعي مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أُرسِل إليه؟ قال: نَعَم، فلمَّا فتَحَ عَلَونا السَّماءَ الدُّنيا، فإذا رَجُلٌ قاعِدٌ على يَمينِه أسوِدةٌ، وعلى يَسارِه أسوِدةٌ، إذا نَظَرَ قِبَلَ يَمينِه ضَحِكَ، وإذا نَظَرَ قِبَلِ يَسارِه بَكى، فقال: مَرحَبًا بالنَّبيِّ الصَّالحِ والابنِ الصَّالحِ، قُلتُ لجِبريلَ: مَن هذا؟ قال: هذا آدَمُ، وهذه الأسوِدةُ عن يَمينِه وشِماله نَسَمُ بَنيه؛ فأهلُ اليَمينِ مِنهم أهلُ الجَنَّةِ، والأسوِدةُ التي عن شِمالِه أهلُ النَّارِ، فإذا نَظَرَ عن يَمينِه ضَحِكَ، وإذا نَظَرَ قِبَلَ شِمالِه بَكى حتَّى عَرَجَ بي إلى السَّماءِ الثَّانيةِ، فقال لخازِنِها: افتَحْ، فقال له خازِنُها مِثلَ ما قال الأوَّلُ، ففتَحَ، -قال أنَسٌ: فذَكَر أنَّه وجَد في السَّمَواتِ آدَمَ، وإدريسَ، وموسى، وعيسى، وإبراهيمَ صَلواتُ اللهِ عليهم، ولم يُثبِتْ كَيف مَنازِلُهم غَيرَ أنَّه ذَكَر أنَّه وجَد آدَمَ في السَّماءِ الدُّنيا، وإبراهيمَ في السَّماءِ السَّادِسةِ، قال أنَسٌ:- فلمَّا مَرَّ جِبريلُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإدريسَ، قال: مَرحَبًا بالنَّبيِّ الصَّالحِ والأخِ الصَّالحِ، فقُلتُ: مَن هذا؟ قال: هذا إدريسُ، ثُمَّ مَرَرتُ بموسى، فقال: مَرحَبًا بالنَّبيِّ الصَّالحِ والأخِ الصَّالحِ، قُلتُ: مَن هذا؟ قال: هذا موسى، ثُمَّ مَرَرتُ بعيسى فقال: مَرحَبًا بالأخِ الصَّالحِ والنَّبيِّ الصَّالحِ، قُلتُ: مَن هذا؟ قال: هذا عيسى، ثُمَّ مَرَرتُ بإبراهيمَ، فقال: مَرحَبًا بالنَّبيِّ الصَّالحِ والابنِ الصَّالحِ، قُلتُ: مَن هذا؟ قال: هذا إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...)) الحَديثَ
[371] أخرجه البخاري (349) واللَّفظُ له، ومسلم (163). .
وفي رِوايةٍ:
((... فوجَدَ في السَّماءِ الدُّنيا آدَمَ، فقال له جِبريلُ: هذا أبوك فسَلِّمْ عليه، فسَلَّمَ عليه ورَدَّ عليه آدَمُ، وقال: مَرحَبًا وأهلًا بابني، نِعْمَ الابنُ أنت!)) الحَديثَ
[372] أخرجها البخاري (7517) من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال ابنُ القَيِّمِ: (قَولُ المَلائِكةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ الإسراءِ: «مَرحَبًا به» أصلٌ في استِعمالِ هذه الألفاظِ وما ناسَبَها عِندَ اللِّقاءِ، نَحوُ: أهلًا وسَهلًا، ومَرحَبًا وكَرامةً، وخَيرَ مَقدَمٍ، وأيمَنَ مَورِدٍ، ونَحوِها.
ووقَعَ الاقتِصارُ مِنها على لفظِ "مَرحَبًا" وحدَها لاقتِضاءِ الحالِ لها؛ فإنَّ الرَّحبَ هو السَّعةُ، وكان قد أفضى إلى أوسَعِ الأماكِنِ، ولم يُطلَقْ فيها "سَهلًا"؛ لأنَّ مَعناه وطِئتَ مَكانًا سَهلًا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مَحمولًا إلى السَّماءِ)
[373] ((بدائع الفوائد)) (3/ 205). .
2- عَنِ ابنِ بُرَيدةَ، عن أبيه رَضيَ اللهُ عنه:
((أنَّ نَفرًا مِنَ الأنصارِ قالوا لعَليٍّ: عِندَك فاطِمةُ، فدَخَلَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَلَّمَ عليه، فقال: ما حاجةُ ابنِ أبي طالِبٍ؟ قال: ذَكَرتُ فاطِمةَ بنتَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: مَرحَبًا وأهلًا، لَم يَزِدْه عليها، فخَرَجَ إلى الرَّهطِ مِنَ الأنصارِ يَنتَظِرونَه، فقالوا: ما وراءَك؟ قال: ما أدري! غَيرَ أنَّه قال لي: مَرحَبًا وأهلًا، قالوا: يَكفيك مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إحداهما، قد أعطاك الأهلَ وأعطاك الرُّحبَ! فلَمَّا كان بَعدَ ذلك بَعدَما زَوَّجَه قال: يا عَليُّ، إنَّه لا بُدَّ للعُرسِ مِن وليمةٍ. قال سَعدٌ: عِندي كَبشٌ، وجَمع له رَهطٌ مِنَ الأنصارِ آصُعًا مِن ذُرةٍ، فلَمَّا كان لَيلةُ البِناءِ قال: يا عَليُّ، لا تُحدِثْ شَيئًا حَتَّى تَلقاني، فدَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بماءٍ فتَوضَّأ مِنه، ثُمَّ أفرَغَه على عليٍّ فقال: اللَّهُمَّ بارِكْ فيهما، وبارِكْ عليهما، وبارِكْ لَهما في شِبلِهما)) [374] أخرجه أحمد (23035) مختصرًا، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10088) واللفظ له، والطبراني (2/20) (1153) باختلاف يسير حسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((مختصر زوائد البزار)) (2/346)، والألباني في ((آداب الزفاف)) (101)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (5947). .
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((أقبَلَت فاطِمةُ تَمشي كَأنَّ مِشيَتَها مَشيُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَرحَبًا بابنَتي! ثُمَّ أجلسَها عن يَمينِه أو عن شِمالِه...)) الحديث
[375] أخرجه البخاري (3623، 3624) واللَّفظُ له، ومسلم (2450). .
4- عن أبي النَّضْرِ مَولى عُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ، أنَّ أبا مُرَّةَ مَولى أمِّ هانِئٍ بنتِ أبي طالبٍ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ أمَّ هانِئٍ بنتَ أبي طالبٍ، تَقولُ:
((ذَهَبتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ الفتحِ، فوجَدتُه يَغتَسِلُ، وفاطِمةُ ابنَتُه تَستُرُه، قالت: فسَلَّمتُ عليه، فقال: مَن هذه؟ فقُلتُ: أنا أمُّ هانِئٍ بنتُ أبي طالبٍ، فقال: مَرحَبًا بأُمِّ هانِئٍ...)) الحديث
[376] أخرجه البخاري (357) واللَّفظُ له، ومسلم (336). .
5- عن أبي جَمرةَ، قال: كُنتُ أقعُدُ مَعَ ابنِ عبَّاسٍ يُجلِسُني على سَريرِه، فقال: أقِمْ عِندي حتَّى أجعَلَ لك سَهمًا مِن مالي، فأقَمتُ مَعَه شَهرَينِ، ثُمَّ قال:
((إنَّ وَفدَ عَبدِ القَيسِ لمَّا أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: مَنِ القَومُ -أو مَنِ الوَفدِ-؟ قالوا: رَبيعةُ. قال: مَرحَبًا بالقَومِ -أو بالوَفدِ- غَيرَ خَزايا ولا نَدامى...)) الحَديثَ
[377] أخرجه البخاري (53) واللَّفظُ له، ومسلم (17). .
6- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال حَدَّثَ صَفوانُ بنُ عَسَّالٍ المُراديُّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((أتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُتَّكِئٌ في المَسجِدِ على بُردٍ له، فقُلتُ له: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي جِئتُ أطلُبُ العِلمَ، فقال: مَرحَبًا بطالِبِ العِلمِ، طالِبُ العِلمِ لتَحُفُّه المَلائِكةُ وتُظِلُّه بأجنِحَتِها، ثُمَّ يَركَبُ بَعضُهم بَعضًا حتَّى يبلُغوا السَّماءَ الدُّنيا مِن حُبِّهم لِما يَطلُبُ!...)) [378] أخرجه الطبراني (8/164) (7347) واللفظ له، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (6/330)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (3818) باختلافٍ يسيرٍ حَسَّنه الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (71)، وجَوَّد إسنادَه المُنذِري في ((الترغيب والترهيب)) (1/75). .
7- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((أتَتِ الأنصارُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجَماعَتِهم، فقالوا: إلى مَتى نَنزِعُ مِن هذه الآبارِ؟ فلو أتَينا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدَعا اللهَ لنا، ففجَّرَ لنا مِن هذه الجِبالِ عُيونًا! فجاؤوا بجَماعَتِهم إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا رَآهم قال: مَرحَبًا وأهلًا، لقد جاءَ بكُم إلينا حاجةٌ! قالوا: إي واللهِ يا رَسولَ اللهِ...)) الحديث
[379] أخرجه أحمد (13268). حَسَّنه الوادِعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (27). .
وفي رِوايةٍ:
((شَقَّ على الأنصارِ النَّواضِحُ [380] النَّواضِحُ: أي: الإبِلُ التي يُسقى عليها، أي: شَقَّ عليهم سَقيُ الأراضي بالنَّواضِحِ، فطلبوا أن يكونَ لهم نهرٌ جارٍ لا يحتاجون في السَّقيِ منه إلى تَعَبٍ. يُنظر: ((حاشية السندي على مسند الإمام أحمد)) (3/ 224). ، فاجتَمَعوا عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألونَه أن يَكريَ [381] كَرَيتُ الأرضَ وكَرَوتُها: إذا حفَرْتَها، أي: يُحفَرُ لهم بالدُّعاءِ، يدعو لهم بنَهرٍ فإذا جاء النَّهرُ فكأنَّه حُفِر لهم. يُنظر: ((حاشية السندي على مسند الإمام أحمد)) (3/ 224، 225). لهم نَهرًا سَيحًا [382] نهرًا سَيحًا: جاريًا. يُنظر: ((حاشية السندي على مسند الإمام أحمد)) (3/ 225). ، فقال لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَرحَبًا بالأنصارِ، مَرحَبًا بالأنصارِ، واللهِ لا تَسألوني اليَومَ شَيئًا إلَّا أعطَيتُكُموه، ولا أسألُ اللَّهَ لكُم شَيئًا إلَّا أعطانيه...)) [383] أخرجها أحمد (12414) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10146)، والبزار (6856). صَحَّحها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12414). .
8- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((خَرَجَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ أو لَيلةٍ، فإذا هو بأبي بَكرٍ وعُمرَ، فقال: ما أخرَجَكما من بُيوتِكما هذه السَّاعةَ؟ قالا: الجوعُ، يا رَسولَ الله! قال: وأنا، والذي نَفسي بيدِه لأخرَجَني الذي أخرَجَكما! قُوموا، فقاموا مَعَه، فأتى رَجُلًا من الأنصارِ، فإذا هو ليس في بَيتِه، فلَمَّا رَأتْه المَرأةُ قالت: مَرحَبًا وأهلًا!...)) الحديث
[384] أخرجه مسلم (2038). .
ب- مِنَ الآثارِ1- عن زَيدِ بنِ أسلَمَ، عن أبيه، قال: (خرَجتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه إلى السُّوقِ، فلَحِقَت عُمَرَ امرأةٌ شابَّةٌ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، هلك زوجي وترَك صِبيةً صِغارًا، واللهِ ما يُنضِجون كُراعًا
[385] الكُراعُ مِنَ الإنسانِ: ما دونَ الرُّكبةِ، ومن الدوابِّ ما دونَ الكَعبِ. والمعنى: أنَّهم لا يُحسِنون لصِغَرِهم طَبخَ هذا القَدْرِ، ولا يكفون أنفُسَهم خِدمةَ ما يأكلونَه. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 1730، 1731)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 123). ، ولا لهم زَرعٌ ولا ضرعٌ، وخَشِيتُ أن تأكُلَهم الضَّبُعُ
[386] الضَّبعُ: اسمٌ يَقَعُ على الحيوانِ المعروفِ، وهو اسمٌ للأنثى منه، والذَّكَرُ ضِبْعانٌ، ويقَعُ على السَّنةِ المجدِبةِ، قيل: وهو المرادُ في هذا الحديثِ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 1731)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 123، 124)، ((التوضيح)) لابن الملقن (21/ 307). ! وأنا بنتُ خُفافِ بنِ إيماءَ الغِفاريِّ، وقد شَهِد أبي الحُدَيبيةَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فوقف معها عُمَرُ ولم يَمضِ، ثمَّ قال: مرحبًا بنَسَبٍ قريبٍ...)
[387] أخرجه البخاري (4160، 4161). .
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (بَينَما أنا أقرَأُ آيةً مِن كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنا أمشي في طَريقٍ من طُرُقِ المَدينةِ، فإذا أنا بَرجُلٍ يُناديني مِن بَعدي، اتَّبِعِ ابنَ عبَّاسٍ! فإذا هو أميرُ المُؤمِنينَ عُمَرُ! فقُلتُ: أتَّبِعُك على أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، فقال: أهو أقرَأكها كَما سَمِعتُك تَقرَأُ؟ قُلتُ: نَعَم، قال: فأرسَل مَعي رَسولًا، قال: اذهَبْ مَعَه إلى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، فانظُرْ أيُقرِئُ أُبَيٌّ كذلك؟ قال: فانطَلقتُ أنا ورَسولُه إلى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، قال: فقُلتُ: يا أُبَيُّ، قَرَأتُ آيةً مِن كِتابِ اللهِ، فناداني مِن بَعدي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: اتَّبِعِ ابنَ عبَّاسٍ! فقُلتُ: أتَّبِعُك على أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، فأرسَل مَعي رَسولَه، أفأنتَ أقرَأتَنيها كما قَرَأتُ؟ قال أُبَيٌّ: نَعَم، قال: فرَجَعَ الرَّسولُ إليه، فانطَلقتُ أنا إلى حاجَتي، قال: فراحَ عُمَرُ إلى أُبَيٍّ، فوجَدتُ قد فرَغَ مِن غَسلِ رَأسِه، ووليدتُه تَدَّري لحيَتَه بمِدراها، فقال أُبَيٌّ: مَرحَبًا يا أميرَ المُؤمِنينَ، أزائِرًا جِئتَ أم طالِبَ حاجةٍ؟ فقال عُمَرُ: بَل طالِبُ حاجةٍ...) الحَديثَ
[388] أخرجه أحمد (21112)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (1212) مُختَصَرًا، والحاكم (2930) واللَّفظُ له. صَحَّحَ إسنادَه الحاكِمُ، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21112). .
3- عن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عن أبيه، قال: (دَخَلْنا على جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، فسَأل عنِ القَومِ حتَّى انتَهى إليَّ، فقُلتُ: أنا مُحَمَّدُ بنُ عليِّ بنِ حُسَينٍ... فقال: مَرحَبًا بك يا ابنَ أخي، سَلْ عَمَّا شِئتَ...) الحَديثَ
[389] أخرجه مسلم (1218). .
4- عن عَبدِ الجَبَّارِ بنِ الوَردِ، عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، عن ابنِ أبي نَهيكٍ، قال: دَخَلنا على أبي لُبابةَ بنِ عبدِ المُنذِرِ فدَخَلنا على رَجُلٍ رَثِّ البَيتِ رَثِّ المَتاعِ رَثِّ الحالِ، فسَألْنا، فقال: مَن أنتُم؟ فكُلُّنا انتَسَبَ له، قال: مَرحَبًا وأهلًا تُجارٌ كَسَبةٌ، إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((ليسَ مِنَّا مَن لم يَتَغَنَّ بالقُرآنِ)). فقُلتُ لابنِ أبي مُلَيكةَ: فمَن لم يَكُنْ له حَلقٌ حَسَنٌ؟ قال: يُحَسِّنُه ما استَطاعَ
[390] أخرجه البَغوي في ((معجم الصحابة)) (702)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1309) واللَّفظُ له، والطبراني (5/34) (4514). قوَّى إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (1309). وقَولُه: ((ليسَ مِنَّا مَن لم يَتَغَنَّ بالقُرآنِ)) أخرجه البخاري (7527) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
فَوائِدُ:1- ثَبَتَ أنَّ مَلائِكةَ السَّماءِ تَقولُ هذه الكَلِمةَ "مَرحَبًا" لرُوحِ المُؤمِنِ إذ يُعرَجُ به إلى السَّماءِ.
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال:
((إنَّ الميِّتَ تحضُرُه الملائِكةُ، فإذا كان الرَّجلُ الصَّالِحُ قالوا: اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ كانت في الجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخرُجي حَميدةً، وأبشِري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غَيرِ غَضبانَ، قال: فلا يزالُ يُقالُ ذلك حتَّى تخرُجَ، ثُمَّ يُعرَجُ بها إلى السَّماءِ، فيُستفتَحُ لها، فيُقالُ: مَن هذا؟ فيُقالَ: فلانٌ، فيقولونَ: مرحبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ كانت في الجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادخُلي حَميدةً، وأبشِري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غَيرِ غَضبانَ، قال: فلا يزالُ يُقالُ لها حتَّى يُنتَهى بها إلى السَّماءِ التي فيها اللهُ عزَّ وجلَّ، وإذا كان الرَّجلُ السُّوءُ، قالوا: اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الخَبيثةُ، كانت في الجَسَدِ الخَبيثِ، اخرُجي ذَميمةً، وأبشِري بحميمٍ وغسَّاقٍ، وآخَرَ مِن شَكلِه أزواجٍ، فلا تزالُ تخرُجُ، ثُمَّ يُعرَجُ بها إلى السَّماءِ، فيُستفتَحُ لها، فيُقالُ: مَن هذا؟ فيُقالُ: فلانٌ، فيُقالُ: لا مَرحبًا بالنَّفسِ الخَبيثةِ، كانت في الجَسَدِ الخَبيثِ، ارجِعي ذَميمةً؛ فإنَّه لا يُفتَحُ لكِ أبوابُ السَّماءِ، فتُرسَلُ مِن السَّماءِ، ثُمَّ تصيرُ إلى القبرِ، فيجلِسُ الرَّجلُ الصَّالِحُ، فيُقالُ له مِثلَ ما قيل له في الحديثِ الأوَّلِ، ويجلِسُ الرَّجلُ السُّوءُ، فيُقالُ له مِثلَ ما قيل له في الحديثِ الأوَّلِ)) [391] أخرجه ابن ماجه (4262)، وأحمد (8769) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابنُ تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (5/449)، والذهبي على شرط الشيخين في ((العرش)) (29)، وابن القيم في ((الروح)) (1/276)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4262). .
2- قال عَمرُو بنُ الأهتَمِ التَّميميُّ المِنقَريُّ مِن أشرافِهم، وكان شاعِرًا مُحسِنًا، يُقالُ: كأنَّ شِعرَه حُلَلٌ مُنَشَّرةٌ، وله صُحبةٌ:
ذَريني فإنَّ الشُّحَّ يا أمَّ مالِكٍ
لصالحِ أخلاقِ الرِّجالِ سَروقُ
ذَريني وحَظِّي في هَوايَ فإنَّني
على الحَسَبِ العالي الرَّفيعِ شَفيقُ
ومُستَنبِحٍ بَعدَ الهدوءِ أجَبتُه
وقد حانَ مِن ساري الشِّتاءِ طُروقُ
فقُلتُ له: أهلًا وسَهلًا ومَرحَبًا
فهذا مَبيتٌ صالِحٌ وصَديقُ
أضَفتُ ولم أُفحِشْ عليه ولم أقُلْ
-لأحرِمَه- إنَّ الفِناءَ يَضيقُ
لعَمْرُك ما ضاقَت بلادٌ بأهلِها
ولكِنَّ أخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ
[392] ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/ 300).