موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: مُراعاةُ وقتِ الزِّيارةِ


يَنبَغي للزَّائِرِ أن يُراعيَ وقتَ الزِّيارةِ، فلا يَزورَ في وَقتٍ يَشُقُّ على المزورِ، أو يَعلَمُ منه انشِغالَه فيه [344] قال النَّوويُّ: (يُستَحَبُّ استِحبابًا مُتَأكِّدًا: زيارةُ الصَّالحينَ، والإخوانِ، والجيرانِ، والأصدِقاءِ، والأقارِبِ، وإكرامُهم، وبرُّهم، وصِلتُهم، وضَبطُ ذلك يَختَلفُ باختِلافِ أحوالِهم ومَراتِبِهم وفراغِهم. ويَنبَغي أن تَكونَ زيارَتُه لهم على وَجهٍ لا يَكرَهونَه، وفي وقتٍ يَرتَضونَه). ((الأذكار)) (ص: 268). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((لقَلَّ يَومٌ كان يَأتي على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا يَأتي فيه بَيتَ أبي بَكرٍ أحَدَ طَرَفيِ النَّهارِ، فلمَّا أُذِنَ له في الخُروجِ إلى المَدينةِ لم يَرُعْنا [345] لم يَرُعْنا: مِنَ الرَّوعِ، وهو الفَزَعُ، أي: أتانا بَغتةً وَقتَ الظُّهرِ. يُنظر: ((الكواكب الدراري)) للكرماني (10/ 24). إلَّا وقد أتانا ظُهرًا، فخُبِّر به أبو بَكرٍ، فقال: ما جاءَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذه السَّاعةِ إلَّا لأمرٍ حَدَث! فلمَّا دَخَل عليه قال لأبي بَكرٍ: أخرِجْ مَن عِندَك، قال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّما هما ابنَتايَ، يَعني عائِشةَ وأسماءَ! قال: أشعَرتَ أنَّه قد أُذِنَ لي في الخُروجِ! قال: الصُّحبةَ يا رَسول اللهِ! قال: الصُّحبةَ، قال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ عِندي ناقَتَينِ أعدَدتُهما للخُروجِ، فخُذْ إحداهما، قال: قد أخَذتُها بالثَّمَنِ)) [346] أخرجه البخاري (2138). .
وفي رِوايةٍ عن عُروةَ، عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((هاجَرَ إلى الحَبَشةِ ناسٌ مِنَ المُسلمينَ، وتجَهَّز أبو بَكرٍ مُهاجِرًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على رِسْلِك [347] على رِسْلِك: على هِينَتِك وعلى مَهلِك من غيرِ عَجَلةٍ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 593)، ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/ 154). ، فإنِّي أرجو أن يُؤذَنَ لي، فقال أبو بَكرٍ: أوَتَرجوه بأبي أنتَ؟ قال: نَعَم. فحَبَسَ أبو بَكرٍ نَفسَه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لصُحبَتِه، وعَلَف راحِلتَينِ كانتا عِندَه وَرَقَ السَّمُرِ [348] وَرَقُ السَّمُرِ: هو الخَبطُ، وهو ما يُخبَطُ بالعصا فيَسقُطُ مِن وَرَقِ الشَّجَرِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (6/ 217). أربَعةَ أشهُرٍ. قال عُروةُ: قالت عائِشةُ: فبينما نحن يومًا جلوسٌ في بيتِ أبي بكرٍ في نَحرِ الظَّهيرةِ [349] الظَّهيرةُ: شِدَّةُ الحَرِّ، ونَحرُها: أوَّلُها. ونحرُ كُلِّ شَيءٍ: أوَّلُه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (2/ 273). قال قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم متقَنِّعًا في ساعةٍ لم يكُنْ يأتينا فيها، فقال أبو بكرٍ: فِداءٌ له أبي وأمي! واللهِ ما جاء به في هذه السَّاعةِ إلَّا أمرٌ. قالت: فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستأذن، فأذِنَ له فدَخَل، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي بكرٍ: أخرِجْ مَن عندَك. فقال أبو بكرٍ: إنما هم أهلُك بأبي أنت يا رسولَ اللَّهِ! قال: فإنِّي قد أُذِن لي في الخُروجِ. فقال أبو بكرٍ: الصَّحابةَ بأبي أنت يا رسولَ اللَّهِ؟! قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نعَمْ. قال أبو بكرٍ: فخُذْ بأبي أنت يا رسولَ اللهِ إحدى راحِلَتَيَّ هاتينِ. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بالثَّمَنِ. قالت عائشةُ: فجَهَّزْناهما أحَثَّ الجَهازِ [350] أحَثَّ الجَهازِ: أي: أسرَعَه وأعجَلَه. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 231). ، وصنَعْنا لهما سُفرةً [351] السُّفرةُ: طَعامٌ يتَّخِذُه المسافِرُ، وأكثَرُ ما يُحمَلُ في جِلدٍ مستديرٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 373). في جِرابٍ، فقطَعَت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ قطعةً من نطاقِها [352] النِّطاقُ: أن تشُدَّ المرأةُ وَسَطَها بحَبلٍ أو نحوِه، وترفَعَ ثوبَها من تحتِه، فتَعطِفَ طَرَفًا من أعلاه على أسفَلِه؛ لئلَّا ينالَ الأرضَ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 593). ، فربَطَت به على فَمِ الجِرابِ؛ فبذلك سمِّيَت ذاتَ النِّطاقِ، قالت: ثمَّ لحِقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ بغارٍ في جَبَلِ ثَورٍ، فكَمَنَا [353] فكَمَنا: أي: اختَفَيا، من الكُمونِ ضِدُّ البُروزِ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (3/ 368)، ((الكواكب الدراري)) للكرماني (15/ 117). فيه ثَلاثَ ليالٍ، يَبيتُ عِندَهما عَبدُ اللَّهِ بنُ أبي بَكرٍ، وهو غُلامٌ شابٌّ لَقِنٌ [354] اللَّقِنُ: سريعُ الفَهمِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 594). ثَقِفٌ [355] ثَقُفَ الرَّجُلُ ثقافةً، أي: صار حاذِقًا خفيفًا، فهو ثَقْفٌ، وثَقِفَ أيضًا فهو ثَقِفٌ وثَقُفٌ، أي: صار حاذِقًا فَطِنًا، ويقال: ثَقَفتُ فلانًا في الحَربِ: إذا لَقِيتَه قائِمًا به، ملائِمًا له، والمرادُ: أنَّه ثابِتُ المعرفةِ بما يحتاجُ إليه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 593). ، فيَرحَلُ مِن عِندِهما سَحَرًا، فيُصبحُ مَعَ قُرَيشٍ بمَكَّةَ كبائِتٍ [356] كبائتٍ: أي كمن بات بمكَّةَ يُظهِرُ ذلك للكُفَّارِ. يُنظر: ((الكواكب الدراري)) للكرماني (15/ 117). ، فلا يَسمَعُ أمرًا يُكادانِ به [357] يُكادانِ به: من قَولِهم: كِدتُ الرَّجُلَ: إذا طلَبتَ له الغوائِلَ ومَكَرتَ به. يُنظر: ((الكواكب الدراري)) للكرماني (15/ 117). إلَّا وعاه، حتَّى يَأتيَهما بخَبَرِ ذلك حينَ يَختَلِطُ الظَّلامُ، ويَرعى عليهما عامِرُ بنُ فُهَيرةَ مَولى أبي بَكرٍ مِنحةً [358] الأصلُ في المِنحةِ: أن يجعَلَ الرَّجُلُ لَبَنَ ناقتِه أو شاتِه لآخَرَ وَقتًا ما، ثمَّ يقَعُ ذلك في كلِّ ما يُرزَقُه المرءُ ويُعطاه، والمِنحةُ والمنيحةُ واحِدٌ، يقال: ناقةٌ مَنوحٌ: إذا بَقِيَ لَبَنُها بعدما تذهَبُ ألبانُ الإبلِ، فكأنَّها أعطت أصحابَها اللَّبَنَ، ومنحَتْهم إيَّاه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 594). مِن غَنَمٍ، فيُريحُها [359] فيُريحُها: الرَّواحُ: ذَهابُ العَشِيِّ، وهو من زوالِ الشَّمسِ إلى اللَّيلِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 594). عليهما حينَ تَذهَبُ ساعةٌ مِنَ العِشاءِ، فيَبيتانِ في رِسْلِهما [360] الرِّسْلُ، بكَسرِ الرَّاءِ وسُكونِ السِّينِ: اللَّبَنُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 594). حتَّى يَنعِقَ [361] أصلُ النَّعيقِ للغَنَمِ، يقالُ: نعَقَ الرَّاعي بالغَنَمِ: إذا دعاها لترجِعَ إليه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 594). بها عامِرُ بنُ فُهَيرةَ بغَلَسٍ [362] الغَلَسُ: ظلامُ آخِرِ اللَّيلِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 594). ، يَفعَلُ ذلك كُلَّ ليلةٍ مِن تلك اللَّيالي الثَّلاثِ)) [363] أخرجه البخاري (5807). .
فيَفهَمُ مِنَ الحَديثِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَتَجَنَّبُ الزِّيارةَ في نَحرِ الظَّهيرةِ، ولم يَأتِ فيه إلَّا لضَرورةٍ؛ فقوله: ("لم يَرُعْنا" مِنَ الرَّوعِ، وهو الفزَعُ "إلَّا وقد أتانا ظُهرًا"، يَعني فاجَأنا بَغتةً في غَيرِ الوقتِ الذي اعتَدنا مَجيئَه فيه، فأفزَعَنا ذلك وقتَ الظُّهرِ) [364] ((إرشاد الساري)) (4/ 59). . إذِ الغالبُ في أيَّامِ الحَرِّ القَيلولةُ في مِثلِ هذا الوقتِ، وقد قال تعالى: مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور: 58] .
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا -مَعشَرَ قُرَيشٍ- قَومًا نَغلبُ النِّساءَ، فلمَّا قدِمنا المَدينةَ وجَدْنا قَومًا تَغلِبُهم نِساؤُهم، فطَفِقَ نِساؤُنا يَتَعَلَّمنَ مِن نِسائِهم، قال: وكان مَنزِلي في بَني أُميَّةَ بنِ زَيدٍ بالعَوالي، فتَغَضَّبتُ يَومًا على امرأتي، فإذا هي تراجِعُني، فأنكَرتُ أن تراجِعَني، فقالت: ما تُنكِرُ أن أراجِعَك، فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُراجِعنَه، وتَهجُرُه إحداهنَّ اليَومَ إلى اللَّيلِ! فانطَلقتُ فدَخَلتُ على حَفصةَ، فقُلتُ: أتُراجِعينَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! فقالت: نَعَم، فقُلتُ: أتهجُرُه إحداكُنَّ اليَومَ إلى اللَّيلِ؟ قالت: نَعَم، قُلتُ: قد خابَ مَن فَعلَ ذلك مِنكنَّ وخَسِرَ، أفتَأمنُ إحداكُنَّ أن يَغضَبَ اللهُ عليها لغَضَبِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فإذا هيَ قد هَلَكَت! لا تُراجِعي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا تَسأليه شَيئًا، وسَليني ما بَدا لك، ولا يَغُرَّنَّكِ أن كانت جارَتُك هيَ أوسَمَ وأحَبَّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنكِ، يُريدُ: عائِشة.
قال: وكان لي جارٌ من الأنصارِ، فكُنَّا نتناوَبُ النُّزولَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَنزِلُ يومًا وأنزِلُ يومًا، فيأتيني بخبَرِ الوَحيِ وغيرِه، وآتيه بمِثلِ ذلك. وكنَّا نتحَدَّثُ أنَّ غَسَّانَ تُنعِلُ [365] تُنعِلُ الخَيلَ: أي: تجعَلُ لها نِعالًا. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (4/ 179). الخيلَ لتَغزوَنا، فنَزَل صاحبي، ثمَّ أتاني عِشاءً، فضَرَب بابي، ثمَّ ناداني، فخرَجتُ إليه، فقال: حَدَث أمرٌ عظيمٌ! قلتُ: ماذا؟ أجاءَت غَسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظَمُ مِن ذلك وأطوَلُ، طَلَّقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نِساءَه! فقُلتُ: قد خابَت حَفصةُ وخَسِرَت، قد كُنتُ أظُنُّ هذا كائِنًا! حتَّى إذا صَلَّيتُ الصُّبحَ شَدَدتُ عليَّ ثيابي، ثُمَّ نَزَلت فدَخَلتُ على حَفصةَ وهي تَبكي، فقُلتُ: أطَلَّقكُنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقالت: لا أدري، ها هو ذا مُعتَزِلٌ في هذه المَشرُبةِ [366] المَشرُبةُ: بضَمِّ الرَّاءِ وفَتحِها: غرفةٌ كالخِزانةِ تكونُ للإنسانِ، مرتَفِعة عن وَجهِ الأرضِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 154)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (2/ 409). ، فأتَيتُ غُلامًا له أسودَ، فقُلتُ: استَأذِنْ لعُمَرَ، فدَخَل ثُمَّ خَرَجَ إليَّ، فقال: قد ذَكَرتُك له، فصَمَتَ، فانطَلقَتُ حتَّى انتَهَيتُ إلى المِنبَرِ فجَلستُ، فإذا عِندَه رَهطٌ جُلوسٌ يَبكي بَعضُهم، فجَلستُ قَليلًا ثُمَّ غَلبَني ما أجِدُ، ثُمَّ أتَيتُ الغُلامَ، فقُلتُ: استَأذِنْ لعُمَرَ، فدَخَل ثُمَّ خَرَجَ إليَّ، فقال: قد ذَكَرتُك له فصَمَتَ، فولَّيتُ مُدبِرًا، فإذا الغُلامُ يَدعوني، فقال: ادخُلْ فقد أذِنَ لك، فدَخَلتُ، فسَلَّمتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هو مُتَّكِئٌ على رَملِ حَصيرٍ [367] حصيرٌ مَرمولٌ: منسوجٌ، ورَمْلُه ورِمالُه: نَسجُه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 702). ، قد أثَّرَ في جَنبِه، فقُلتُ: أطلَّقتَ يا رَسولَ اللهِ نِساءَك؟ فرَفعَ رَأسَه إليَّ، وقال: لا، فقُلتُ: اللهُ أكبَرُ! لو رَأيتَنا يا رَسولَ اللهِ -وكُنَّا مَعشَرَ قُرَيشٍ- قَومًا نَغلبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمنا المَدينةَ وجَدْنا قَومًا تَغلِبُهم نِساؤُهم، فطَفِقَ نِساؤُنا يَتَعَلَّمنَ مِن نِسائِهم، فتَغَضَّبتُ على امرَأتي يَومًا، فإذا هيَ تُراجِعُني، فأنكَرتُ أن تراجِعَني، فقالت: ما تُنكِرُ أن أراجِعَك، فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُراجِعنَه، وتَهجُرُه إحداهنَّ اليَومَ إلى اللَّيلِ! فقُلت: قد خابَ مَن فَعَل ذلك مِنهنَّ وخَسِرَ، أفتَأمَنُ إحداهنَّ أن يَغضَبَ اللهُ عليها لغَضَبِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! فإذا هيَ قد هَلكَت! فتَبَسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قد دَخَلتُ على حَفصةَ، فقُلتُ: لا يَغُرَّنَّك أن كانت جارَتُك هيَ أوسَمَ مِنكِ وأحَبَّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنك، فتَبَسَّمَ أُخرى، فقُلتُ: أستَأنِسُ يا رَسولَ اللهِ، قال: نَعَم...))
. الحَديثَ [368] أخرجه مسلم (1479). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (... وفيه ما يَدُلُّ على أنَّ المُؤمِنَ إذا حَزَبه أمرٌ فلا يَنبَغي أن يَستَخِفَّه حتَّى يَزورَ في غَيرِ وقتِ الزِّيارةِ، ألَّا تَراه يَقولُ: «جاءَني عِشاءً... حتَّى إذا كان الصُّبحُ وشَدَدَتُ عليَّ ثيابي، فدَخَلتُ على حَفصةَ وهيَ تَبكي»؟...
وفي هذا الحَديثِ مِنَ الفِقهِ: أنَّ الرَّجُلَ إذا استَأذَنَ فلم يُؤذَنْ له، فعليه أن يَرجِعَ.
وفيه مِنَ الفِقهِ: أنَّه إذا لم يُؤذَنْ له فانصَرَف فأقامَ هُنَيهةً، أن يُعاوِدَ الاستِئذانَ؛ فرُبَّما يَكونُ الامتِناعُ الأوَّلُ لعارِضٍ عَرَضَ) [369] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (1/ 128، 129). .

انظر أيضا: