موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: لا يَؤُمُّ الزَّائِرُ المَزورَ إلَّا بإذنِه


مِن أدَبِ الزَّائِرِ: ألَّا يَتَقدَّمَ فيُصَلِّيَ إمامًا بالمَزورِ؛ إذ هو في منزلِه أحَقُّ بالإمامةِ مِن زائِرِه [402] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: أنَّ صاحِبَ البَيتِ أولى بالإمامةِ، وإن كان غَيرُه أفقَهَ وأفضَل مِنه. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (1/559). ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/468)، ((المجموع)) للنووي (4/285)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/175). ويُنظر بَيانُ ذلك مَعَ أدِلَّتِه في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية)) https://dorar.net/feqhia ، إلَّا أن يَأذَنَ له [403] قال القاضي عياض: (ويُستَحَبُّ له إن حَضَر مَن هو أفضَلُ منه أن يُقدِّمَه). ((إكمال المعلم)) (2/ 654). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَؤُمُّ القَومَ أقرَؤُهم لكِتابِ اللهِ، وأقدَمُهم قِراءةً، فإن كانت قِراءَتُهم سَواءً فليَؤُمَّهم أقدَمُهم هِجرةً، فإن كانوا في الهِجرةِ سَواءً فليَؤُمَّهم أكبَرُهم سِنًّا، ولا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ في أهلِه، ولا في سُلطانِه، ولا تَجلِسْ على تَكرِمَتِه في بَيتِه إلَّا أن يَأذَنَ لك، أو بإذنِه)) [404] أخرجه مسلم (673). .
وذلك (لأنَّه سُلطانُه، ومَوضِعُ تَدبيرِه) [405] ((إكمال المعلم)) (2/ 654). .
2- عن عِتْبانَ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه -وكان ممَّن شَهِد بدرًا- قال: ((كنتُ أُصَلِّي لقومي بني سالمٍ، وكان يحولُ بيني وبَيْنَهم وادٍ إذا جاءت الأمطارُ، فيَشُقُّ عَليَّ اجتيازُه قِبَلَ مَسجِدِهم، فجِئتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلتُ له: إنِّي أنكَرْتُ بصري، وإنَّ الوادي الذي بَيني وبَينَ قومي يسيلُ إذا جاءت الأمطارُ، فيَشُقُّ عَلَيَّ اجتيازُه، فوَدِدْتُ أنَّك تأتي فتُصَلِّي من بيتي مكانًا أتَّخِذُه مُصَلًّى، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سأفعَلُ. فغدا عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بعدَ ما اشتدَّ النَّهارُ، فاستأذن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأذِنتُ له، فلم يجلِسْ حتَّى قال: أين تحِبُّ أن أصلِّيَ من بيتِك، فأشَرْتُ له إلى المكانِ الذي أحِبُّ أن أصَلِّيَ فيه، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكَبَّرَ وصَفَفْنا وراءَه فصَلَّى ركعتينِ، ثمَّ سَلَّم وسَلَّمْنا حينَ سَلَّم...)) الحَديثَ [406] أخرجه البخاري (1186) واللفظ له، ومسلم (33). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (فيه جَوازُ إمامةِ الزَّائِرِ إذا أذِنَ له المَزورُ؛ لأنَّ السُّنَّةَ الثَّابتةَ في حَديثِ أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ: "لا يُؤَمَّنَّ أحَدٌ في سُلطانِه ولا بَيتِه ولا يُقعَدْ على تَكرِمَتِه إلَّا بإذنِه") [407] ((الاستذكار)) (2/ 360). .
ب- مِنَ الآثارِ
عن أبي سَعيدٍ مَولى أبي أُسَيدٍ، قال: (تَزَوَّجتُ وأنا مَملوكٌ، فدَعَوتُ نَفرًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيهمُ ابنُ مَسعودٍ وأبو ذَرٍّ وحُذَيفةُ، قال: وأُقيمَتِ الصَّلاةُ، قال: فذَهَبَ أبو ذَرٍّ ليَتَقدَّمَ، فقالوا: إليكَ! قال: أوَ كذلك؟ قالوا: نَعَم، قال: فتَقدَّمتُ إليهم وأنا عَبدٌ مَملوكٌ ...) [408] أخرجه ابنُ أبي شيبة (17438). صَحَّحَ إسنادَه الألباني في ((إرواء الغليل)) (523). .
وحُكي الإجماعُ على ذلك [409] قال عِياضٌ في الأحَقِّ بالإمامةِ: (صاحِبُ المَنزِلِ أحَقُّ مِن زائِرِه؛ لأنَّه سُلطانُه، ومَوضِعُ تَدبيرِه، ولا خِلافَ يُعلَمُ في هذا، مَعَ نَصِّ الحَديثِ فيه، إلَّا أن يَأذَنَ صاحِبُ المَنزِلِ للزَّائِرِ). ((إكمال المعلم)) (2/ 654). وقال ابنُ قُدامةَ: (وجُملتُه أنَّ الجَماعةَ إذا أُقيمَت في بَيتٍ، فصاحِبُه أولى بالإمامةِ مِن غَيرِه، وإن كان فيه مَن هو أقرَأُ مِنه وأفقَهُ، إذا كان مِمَّن يُمكِنُه إمامَتُهم، وتَصِحُّ صَلاتُهم وراءَه، فَعَل ذلك ابنُ مَسعودٍ، وأبو ذَرٍّ، وحُذَيفةُ، وقد ذَكَرْنا حَديثَهم، وبه قال عَطاءٌ، والشَّافِعيُّ، ولا نَعلمُ فيه خِلافًا). ((المغني)) (2/150). وقال بُرهانُ الدِّينِ بنُ مفلح: ("وصاحِبُ البَيتِ" بشَرطِه "وإمامُ المَسجِدِ أحَقُّ بالإمامةِ" مِنَ الكُلِّ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلمُه). ((المبدع)) (2/59). .

انظر أيضا: