موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: محبَّةُ العُلَماءِ


مِنَ الأدَبِ مَعَ العُلَماءِ: محبَّتُهم وعَدَمُ بُغضِهم، فحُبُّهم مِنَ الدِّينِ [886] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/ 179). قال ابنُ القَيِّمِ: (العِلمُ ميراثُ الأنبياءِ، والعُلَماءُ وُرَّاثُهم، فمَحَبَّةُ العِلمِ وأهلِه مَحَبَّةٌ لميراثِ الأنبياءِ وورَثَتِهم، وبُغضُ العِلمِ وأهلِه بُغضٌ لميراثِ الأنبياءِ وورَثَتِهم. فمَحَبَّةُ العِلمِ مِن عَلاماتِ السَّعادةِ، وبُغضُ العِلمِ مِن عَلاماتِ الشَّقاوةِ، وهذا كُلُّه إنَّما هو في عِلمِ الرُّسُلِ الذي جاؤوا به، ووَرَّثوه للأُمَّةِ، لا في كُلِّ ما يُسَمَّى عِلمًا. وأيضًا فإنَّ مَحَبَّةَ العِلمِ تَحمِلُ على تَعَلُّمِه واتِّباعِه، وذلك هو الدِّينُ، وبُغضُه يَنهى عن تَعَلُّمِه واتِّباعِه، وذلك هو الشَّقاءُ والضَّلالُ. وأيضًا فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه عَليمٌ يُحِبُّ كُلَّ عَليمٍ، وإنَّما يَضَعُ عِلمَه عِندَ مَن يُحِبُّه، فمَن أحَبَّ العِلمَ وأهلَه فقد أحَبَّ ما أحَبَّ اللَّهُ، وذلك مِمَّا يُدانُ به) ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 385). .
فوائدُ:
1- (ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّ مِن أفضَلِ الأعمالِ التي تُقَرِّبُ إلى اللهِ حُبَّ العُلَماءِ والصَّالحينَ وأهلِ العَدلِ والخَيرِ؛ لقَولِه تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف: 28] ، وقولِه: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر: 9] ، ولحَديثِ: قيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الرَّجُلُ يُحِبُّ القَومَ ولمَّا يَلحَقْ بهم؟ قال: المَرءُ مَعَ مَن أحبَّ)) [887] أخرجه البخاري (6170) واللفظ له، ومسلم (2641) مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه. .
ولحَديثِ: ((ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَد بهنَّ حَلاوةَ الإيمانِ: أن يَكونَ اللهُ ورَسولُه أحَبَّ إليه مِمَّا سِواهما، وأن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّه إلَّا للهِ)) [888] أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، ولَفظُ البُخاريِّ: ((ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجدَ حَلاوةَ الإيمانِ: أن يَكونَ اللهُ ورَسولُه أحَبَّ إليه مِمَّا سِواهما، وأن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّه إلَّا للَّهِ، وأن يَكرَهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرَهُ أن يُقذَفَ في النَّارِ)). .
كما يَجِبُ على المُؤمِنِ أن يُبغِضَ أهلَ الجَورِ والخيانةِ؛ لأنَّ هذا مِن مَحَبَّةِ اللهِ، فإنَّ على المُحِبِّ أن يُحِبَّ ما يُحِبُّ مَحبوبُه، ويُبغِضَ ما يُبغِضُ مَحبوبُه؛ لحَديثِ: ((وأن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّه إلَّا للهِ)) [889] أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43) مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، ولَفظُ مُسلِمٍ: ((ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَد بهنَّ حَلاوةَ الإيمانِ: مَن كان اللهُ ورَسولُه أحَبَّ إليه مِمَّا سِواهما، وأن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّه إلَّا للَّهِ، وأن يَكرَهَ أن يَعودَ في الكُفرِ بَعدَ أن أنقَذَه اللهُ مِنه كما يَكرَهُ أن يُقذَفَ في النَّارِ)). [890] ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (36/ 187، 188). .
2- عن حُمَيدٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّ أبا الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه قال: (كُنْ عالِمًا أو مُتَعَلِّمًا أو مُحِبًّا أو مُتَّبِعًا، ولا تَكُنِ الخامِسَ فتَهلِكَ!). قال: قُلتُ للحَسَنِ: وما الخامِسُ؟ قال: المُبتَدِعُ [891] ((المعرفة والتاريخ)) ليعقوب بن سفيان (3/ 398)، ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 142). .
3- عن عَونِ بنِ عَبدِ اللهِ، قال: (حَدَّثتُ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزيزِ أنَّه كان يُقالُ: إنِ استَطَعتَ فكُنْ عالِمًا، فإن لَم تَستَطِعْ فكُن مُتَعَلِّمًا، وإنْ لَم تَستَطِعْ فأحِبَّهم، وإن لَم تَستَطِعْ فلا تُبغِضْهم. فقال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ: لقد جَعَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ له مَخرَجًا إن قَبِل) [892] ((العلم)) لزهير بن حرب (ص: 6)، ((المعرفة والتاريخ)) ليعقوب بن سفيان (3/ 398، 399)، ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 142). .
4- قال ابنُ القَيِّمِ: (كُلُّ مَحَبَّةٍ وتَعظيمٍ للبَشَرِ فإنَّما تَجوزُ تَبَعًا لمَحَبَّةِ اللهِ وتَعظيمِه، كمَحَبَّةِ رَسولِه وتَعظيمِه؛ فإنَّها مِن تَمامِ مَحَبَّةِ مُرسِلِه وتَعظيمِه؛ فإنَّ أُمَّتَه يُحِبُّونَه لحَبِّ اللهِ له ويُعَظِّمونَه ويُجِلُّونَه لإجلالِ اللهِ له، فهيَ مَحبَّةٌ للَّهِ مِن موجِباتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وكذلك مَحَبَّةُ أهلِ العِلمِ والإيمانِ ومَحَبَّةُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم وإجلالُهم تابعٌ لمَحَبَّةِ اللهِ ورَسولِه لهم) [893] ((جلاء الأفهام)) (ص: 187). .

انظر أيضا: