ثانيًا: البَشاشةُ والتَّرحيبُ وحسنُ الاستقبالِ
مِن أدَبِ الضِّيافةِ: أن يُحسِنَ المُضيفُ استِقبالَ ضَيفِه بالتَّبَسُّمِ والبَشاشةِ والتَّرحيبِ
[487] يُنظر ما تقدَّم في آدابِ اللقاءِ. .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:1- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أن تَلقى أخاك بوَجهٍ طَلقٍ)) [488] أخرجه مسلم (2626). .
وفي رِوايةٍ:
((لا يَحقِرَنَّ أحَدُكُم شيئًا مِنَ المَعروفِ، وإن لم يَجِدْ فليَلْقَ أخاه بوَجهٍ طَلقٍ، وإنِ اشتَريتَ لحمًا أو طَبَختَ قِدرًا فأكثِرْ مَرقَتَه واغرِفْ لجارِك مِنه)) [489] أخرجها الترمذي (1833). صحَّحها الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1833)، وقال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ. والحديثُ أخرجه مسلمٌ (2625) مُختَصَرًا بلفظٍ مُقارِبٍ، عن أبي ذَرٍّ، قال: إنَّ خَليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوصاني: ((إذا طَبَختَ مَرَقًا فأكثِرْ ماءَه، ثُمَّ انظُرْ أهلَ بيتٍ مِن جيرانِك، فأصِبْهم مِنها بمَعروفٍ)) .
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((بوَجهٍ طَلقٍ)) أي: بوَجهٍ ضاحِكٍ مُستَبشِرٍ؛ وذلك لِما فيه مِن إيناسِ الأخِ المُؤمِنِ، ودَفعِ الإيحاشِ عنه، وجَبرِ خاطِرِه، وبذلك يَحصُلُ التَّأليفُ المَطلوبُ بينَ المُؤمِنينَ
[490] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (4/ 1341)، ((دليل الفالحين)) لابن علان (2/ 356). .
2- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كُلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ، وإنَّ مِنَ المَعروفِ أن تَلقى أخاك بوَجهٍ طَلقٍ، وأن تُفرِغَ مِن دَلْوِك في إناءِ أخيك)) [491] أخرجه الترمذي (1970)، وأحمد (14877). صحَّحه شعيب الأرناؤوط بطرقِه وشواهدِه في تخريج ِ((مسند أحمد)) (14877)، وحَسَّنه الترمذيُّ، والألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (4557). .
3- عن أبي جُرَيٍّ جابِرِ بنِ سُلَيمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له:
((لا تَحقِرَنَّ شيئًا مِنَ المَعروفِ، وأن تُكلِّمَ أخاك وأنتَ مُنبَسِطٌ إليه وَجهُك إنَّ ذلك مِنَ المَعروفِ... )) الحَديثَ
[492] أخرجه أبو داود (4084) واللفظ له، والترمذي (2722)، وأخرجه أحمد (20636) مُختَصَرًا، ولم يُسَمِّ الصَّحابيَّ، وقال: عَن رَجُلٍ مَن بَلْهُجَيمِ. صحَّحه لغيرِه الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (770)، وقال الوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (196): يَرْتقي إلى الصِّحَّةِ، وقال الترمذيُّ: حَسنٌ صحيحٌ، وجوَّد إسنادَه العراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (3/151)، وحسَّنه الذَّهبيُّ في ((المهذب)) (8/4253) وقال: لبعضِه طرقٌ عن جابرٍ. وذهَب إلى تصحيحِه ابنُ دقيقِ العيدِ في ((الاقتراح)) (129)، وابنُ القيِّمِ في ((زاد المعاد)) (2/383)، وابنُ حجرٍ كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/322). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((خَرَجَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ أو لَيلةٍ، فإذا هو بأبي بَكرٍ وعُمرَ، فقال: ما أخرَجَكما من بُيوتِكما هذه السَّاعةَ؟ قالا: الجوعُ، يا رَسولَ الله! قال: وأنا، والذي نَفسي بيدِه لأخرَجَني الذي أخرَجَكما! قُوموا، فقاموا مَعَه، فأتى رَجُلًا من الأنصارِ، فإذا هو ليس في بَيتِه، فلَمَّا رَأتْه المَرأةُ قالت: مَرحَبًا وأهلًا! فقال لها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أينَ فُلانٌ؟ قالت: ذَهَبَ يَستَعذِبُ [493] أي: يأتينا بماءٍ عَذبٍ، وهو الطَّيِّبُ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (13/ 213). لَنا من الماءِ، إذ جاءَ الأنصاريُّ فنَظَرَ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصاحِبَيه، ثُمَّ قال: الحَمدُ للهِ، ما أحَدٌ اليَومَ أكرَمَ أضيافًا مِنِّي! قال: فانطَلَقَ فجاءَهم بعِذقٍ [494] العِذقُ -بكسرِ العَينِ-: الكِباسةُ، وهي: العُرجونُ. والعَذْقُ -بفَتحِ العينِ-: النَّخلةُ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 306). فيه بُسْرٌ وتَمرٌ ورُطَبٌ [495] البُسرُ: ثَمَرُ النَّخلِ قَبلَ أن يُرطِبَ، فالبُسرُ أوَّلُه طَلعٌ، ثمَّ خلالٌ، ثمَّ بَلَحٌ، ثمَّ بُسرٌ، ثمَّ رُطَبٌ، ثمَّ تَمرٌ. الواحِدةُ بُسرةٌ، وأبسَرَ النَّخلُ: صار ما عليه بُسرًا. يُنظر: ((العين)) للخليل (7/ 250)، ((الصحاح)) للجوهري (2/ 589)، ((المحكم)) لابن سيده (8/ 488)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 56). ، فقال: كُلوا من هذه [496] قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (إنَّما قدَّم لهم هذا العُرجونَ؛ لأنَّه الذي تيسَّر له بغيرِ كُلفةٍ، لا سيَّما مع تحقُّقِه حاجتَهم، ولأنَّ فيه ألوانًا من التَّمرِ والبُسرِ والرُّطَبِ، ولأنَّ الابتداءَ بما يتفَكَّهُ به من الحلاوةِ أَولى من حيثُ إنَّه أقوى للمَعِدةِ؛ لأنَّه أسرَعُ هَضمًا). ((المفهم)) (5/ 306). ، وأخذَ المُديةَ [497] المُديةُ: السِّكينُ. يُنظر: ((العين)) للخليل (5/ 313). ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إيَّاكَ والحَلُوبَ، فذَبَحَ لهم، فأكَلوا من الشَّاةِ، ومن ذلك العِذْقِ، وشَرِبوا، فلَمَّا أنْ شَبِعوا ورَوُوا، قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي بَكرٍ وعُمرَ: والَّذي نَفسي بيدِه، لتُسألُنَّ عن هذا النَّعيمِ يَومَ القيامةِ، أخرَجَكم من بُيوتِكمِ الجوعُ، ثُمَّ لَم تَرجِعوا حَتَّى أصابَكم هذا النَّعيمُ)) [498] أخرجه مسلم (2038). .
وفي روايةٍ:
((خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ساعةٍ لا يَخرُجُ فيها ولا يَلقاه فيها أحَدٌ، فأتاه أبو بَكرٍ، فقال: ما جاءَ بك يا أبا بَكرٍ؟ فقال: خَرَجتُ ألقى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنظُرُ في وَجهِه والتَّسليمَ عليه، فلم يَلبَثْ أن جاءَ عُمَرُ، فقال: ما جاءَ بك يا عُمَرُ؟ قال: الجوعُ يا رَسولَ اللهِ! قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وأنا قَد وجَدتُ بَعضَ ذلك، فانطَلقوا إلى مَنزِلِ أبي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ الأنصاريِّ، وكان رَجُلًا كثيرَ النَّخلِ والشَّاءِ، ولم يَكُنْ له خَدَمٌ، فلم يَجِدوه، فقالوا لامرَأتِه: أينَ صاحِبُكِ؟ فقالت: انطَلقَ يَستَعذِبُ لنا الماءَ، فلم يَلبَثوا أن جاءَ أبو الهيثَمِ بقِربةٍ يَزعَبُها [499] أي: يَتَدافعُ بها ويَحمِلُها لثِقلِها. وقيل: زَعَبَ بحَملِه: إذا استَقامَ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 482)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 302). ، فوضَعَها ثُمَّ جاءَ يَلتَزِمُ [500] أي: يعانِقُ. يُنظر: ((أشرف الوسائل)) للهيتمي (ص: 547)، ((جمع الوسائل)) للقاري (2/ 191). النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُفَدِّيه بأبيه وأمِّه [501] أي: يقولُ: فِداك أبي وأمِّي. يُنظر: ((أشرف الوسائل)) للهيتمي (ص: 547)، ((جمع الوسائل)) للقاري (2/ 191). ، ثُمَّ انطَلقَ بهم إلى حَديقَتِه فبَسَط لهم بساطًا، ثُمَّ انطَلقَ إلى نَخلةٍ فجاءَ بقِنوٍ [502] القِنوُ: العِثكالُ بما عليه مِنَ الثَّمَرِ، والعِثْكالُ: العِذقُ مِن أعذاقِ النَّخلِ الذي يَكونُ فيه الرُّطبُ، وكُلُّ غُصنٍ مِن أغصانِه شِمراخٌ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للخطابي (1/ 482)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 500) و(3/ 183). فوضَعَه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفلا تَنَقَّيتَ لنا مِن رُطَبِه؟ فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أرَدتُ أن تَختاروا، أو قال: تَخيَّروا مِن رُطَبِه وبُسرِه، فأكَلوا وشَرِبوا مِن ذلك الماءِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هذا والذي نَفسي بيَدِه مِنَ النَّعيمِ الذي تُسألونَ عنه يَومَ القيامةِ: ظِلٌّ بارِدٌ، ورُطَبٌ طيِّبٌ، وماءٌ بارِدٌ! فانطَلقَ أبو الهيثَمِ ليَصنَعَ لهم طَعامًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَذبَحنَّ ذاتَ دَرٍّ [503] ذاتَ دَرٍّ: أي: ذاتَ لَبَنٍ، وهي الحَلوبُ أيضًا. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 694). ، قال: فذَبَحَ لهم عَناقًا [504] العَناقُ: الأنثى مِن وَلَدِ المَعزِ، وقيل: هي أنثى المَعزِ لها أربعةُ أشهُرٍ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 694)، ((أشرف الوسائل)) للهيتمي (ص: 549). أو جَدْيًا فأتاهم بها فأكلوا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل لك خادِمٌ؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سَبيٌ فأْتِنا، فأُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برَأسينِ ليسَ مَعَهما ثالِثٌ، فأتاه أبو الهيثَمِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اختَرْ مِنهما، فقال: يا نَبيَّ اللهِ اختَرْ لي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ المُستَشارَ مُؤتَمَنٌ، خُذْ هذا؛ فإنِّي رَأيتُه يُصَلِّي، واستَوصِ به مَعروفًا. فانطَلقَ أبو الهيثَمِ إلى امرَأتِه فأخبَرَها بقَولِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالتِ امرَأتُه: ما أنتَ ببالغٍ ما قال فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا أن تُعتِقَه! قال: فهو عَتيقٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللَّهَ لم يَبعَثْ نَبيًّا ولا خَليفةً إلَّا وله بطانَتانِ: بطانةٌ تَأمُرُه بالمَعروفِ وتَنهاه عَنِ المُنكَرِ، وبطانةٌ لا تَألوه خَبالًا [505] لا تألوه خَبالًا: أي لا تُقَصِّرُ في إفسادِ أمرِه وحالِه، والمشورةِ عليه بما يَضُرُّه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 694)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 63) و (2/ 8). ، ومَن يوقَ بِطانةَ السُّوءِ فقَد وُقيَ)) [506] أخرجه الترمذي (2369) واللفظ له، والطبراني (19/256) (570)، والحاكم (7374) صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2369)، وقال التِّرمِذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ غَريبٌ، وصحَّح إسنادَه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (36/477). وأصله في صحيح مسلم (2038) وقوله: ((المُستَشارُ مُؤتَمَنٌ)) أخرجه أبو داود (5128)، والترمذي (2822)، وابن ماجه (3745). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5128)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1419)، وحَسَّنه الترمذي، وقال ابن باز في ((الفوائد العلمية)) (6/157): لا بَأسَ بإسنادِه، فهو صَحيحٌ وهو جيِّدٌ. وقوله: ((إنَّ اللهَ لم يبعَثْ نَبيًّا ولا خليفةً إلَّا وله بِطانتانِ: بِطانةٌ تأمُرُه بالمعروفِ وتنْهاهُ عنِ المُنْكَرِ، وبِطانةٌ لا تأْلُوه خَبالًا، ومَن يُوقَ بِطانةَ السُّوءِ فقد وُقِيَ)). أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم بعد حديث (7198)، وأخرجه موصولًا النسائي (4201)، وأحمد (7887) باختلاف يسير؛ ولفظ النسائي: ((ما مِن والٍ إلا وله بِطانتانِ: بطانةٌ تأمرُه بالمعروفِ وتنهاه عن المنكرِ، وبطانةٌ لا تَأْلُوه خَبَالًا، فمَن وُقِيَ شرَّها فقد وُقِيَ، وهو مِن التي تَغْلِبُ عليه منهما)). صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (6191)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4201)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1288) .
أقوالٌ وأشعارٌ في الحثِّ على البشرِ والبشاشةِ للضَّيفِ1- قال بعضُ الحُكَماءِ لابنِه: (يا بُنَيَّ، عليك بالتَّرحيبِ والبِشرِ، وإيَّاك والتَّقطيبَ والكِبرَ؛ فإنَّ الأحرارَ أحَبُّ إليهم أن يَلقَوا بما يُحِبُّون ويُحرَموا، من أن يُلقَوا بما يَكرَهون ويُعطَوا؛ فانظُرْ إلى خَصلةٍ غَطَّت على مِثلِ اللُّؤمِ فالزَمْها، وانظُرْ إلى خَصلةٍ عَفَّت على مِثلِ الكَرَمِ فاجتَنِبْها)
[507] ((العَقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 199). .
2- قال الأبشيهيُّ: (قيل: البَشاشةُ في الوَجهِ خَيرٌ مِنَ القِرى
[508] قال عياضٌ: (قَرَيتُ الضَّيفَ أَقريه: أطعَمْتُه، والقِرى -بالكَسرِ مَقصورٌ- ما يُهَيَّأُ للضَّيفِ مِن طَعامٍ ونُزُلٍ). ((مشارق الأنوار)) (2/ 181). وقال الخَليلُ: (القِرى: الإحسانُ إلى الضَّيفِ، قَراه يَقريه قِرًى). ((العين)) (5/ 204). ، قالوا: فكَيف بمَن يَأتي بها وهو ضاحِكٌ؟
وقد ضَمَّنَ الشَّيخُ شَمسُ الدِّينِ البديويُّ -رَحِمَه اللهُ- هذا الكَلامَ بأبياتٍ، فقال:
إذا المرءُ وافى منزِلًا منك قاصِدًا
قِراك وأرمَتْه لديك المسالِكُ
فكنْ باسِمًا في وَجهِه مُتهلِّلًا
وقُلْ مرحبًا أهلًا ويومٌ مُبارَكُ
وقدِّم له ما تستطيعُ مِن القِرى
عَجولًا ولا تبخَلْ بما هو هالِكُ
فقد قيل بَيتٌ سالِفٌ مُتقدِّمٌ
تداوَله زيدٌ وعَمرٌو ومالِكُ
بَشاشةُ وَجهِ المرءِ خَيرٌ مِن القِرى
فكيف بمَن يأتي به وَهْو ضاحِكُ
وللَّه دَرُّ القائِلِ:
اللهُ يَعلمُ أنَّه ما سَرَّني
شَيءٌ كطارِقةِ الضُّيوفِ النُّزَّلِ
ما زِلتُ بالتَّرحيبِ حتَّى خِلتُني
ضَيفًا له والضَّيفُ رَبُّ المَنزِلِ
أخَذَه مِن قَولِ الشَّاعِرِ:
يا ضَيفَنا لو زُرتَنا لوجَدتَنا
نَحنُ الضُّيوفَ وأنتَ رَبُّ المَنزِلِ
وقال الأصمَعيُّ: سَألتُ عُيَينةَ بنَ وَهبٍ الدَّارِميَّ عن مَكارِمِ الأخلاقِ، فقال: أوَما سَمِعتَ قَولَ عاصِمِ بنِ وائِلٍ:
وإنَّا لنَقري الضَّيفَ قَبلَ نُزولِه
ونُشبِعُه بالبِشرِ مِن وَجهٍ ضاحِكِ)
[509] ((المستطرف)) (ص: 191، 192). ويُنظر: ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/ 33)، ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (3/ 212). .
2- قال ابنُ عَقيلٍ: (البِشرُ مُؤنِسٌ للعُقولِ، ومِن دَواعي القَبولِ، والعُبوسُ ضِدُّه. لو كان في العُبوسِ خَيرٌ ما عُتِبَ عليه النَّبيُّ عليه السَّلامُ)
[510] ((الفنون)) (2/ 635). .
3- قال عبدُ القادِرِ الجيلانيُّ: (ينبغي أن يُحسِنَ العِشرةَ مع إخوانِه، فيكونَ مُنبَسِطَ الوَجهِ غيرَ عَبوسٍ ولا مخالِفًا لهم فيما يريدون عنه، بشَرطِ ألَّا يكونَ فيه خَرقٌ للشَّرعِ ومجاوزةٌ للحَدِّ وارتكابٌ للإثمِ، بل يكونُ ممَّا أباحه الشَّرعُ وأذِنَ فيه الرَّبُّ، ولا يكونُ مماريًا ولا لَجوجًا، ويكونُ أبدًا مساعِدًا للإخوانِ على الشَّرطِ الذي ذكَرْنا)
[511] ((الغنية لطالبي طريق الحقّ)) (2/ 294). .