موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: مُمازَحةُ الضَّيفِ ومُؤانَسَتُه


مِن أدَبِ الضِّيافةِ: مُمازَحةُ الضَّيفِ بما يُناسِبُه، وبَسطُ الحَديثِ مَعَه ليَأنَسَ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن صُهَيبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قدِمتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَينَ يَدَيه خُبزٌ وتَمرٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ادنُ فكُلْ، فأخَذتُ آكُلُ مِنَ التَّمرِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تَأكُلُ تَمرًا وبك رَمَدٌ؟! قال: فقُلتُ: إنِّي أمضُغُ مِن ناحيةٍ أُخرى! فتَبَسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [512] أخرجه ابن ماجه (3443) واللَّفظُ له، والحاكِمُ (5819). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3443)، وصحَّح إسناده الحاكم، والبوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/51)، وجَوَّده الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (3/14)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/26). .
أقوالٌ وأشعارٌ في بسطِ الحديثِ للضَّيفِ وممازحتِه
- قال الجاحِظُ: (العَرَبُ تَجعَلُ الحَديثَ والبَسطَ، والتَّأنيسَ والتَّلقِّيَ بالبِشرِ: مِن حُقوقِ القِرى [513] قال الخَليلُ: (القِرى: الإحسانُ إلى الضَّيفِ، قَراه يَقريه قِرًى). ((العين)) (5/ 204). وقال عِياضٌ: (قَرَيتُ الضَّيفَ أَقريه: أطعَمْتُه، والقِرى -بالكَسرِ مَقصورٌ- ما يُهَيَّأُ للضَّيفِ مِن طَعامٍ ونُزُلٍ). ((مشارق الأنوار)) (2/ 181). ، ومِن تَمامِ الإكرامِ به.
وقالوا: مِن تَمامِ الضِّيافةِ الطَّلاقةُ عِندَ أوَّلِ وَهلةٍ، وإطالةُ الحَديثِ عِندَ المواكَلةِ.
وقال شاعِرُهم:
سَلي الجائِعَ الغَرثانَ يا أمَّ مُنذِرٍ
إذا ما أتاني بَينَ ناري ومَجزَري
هَل أبسُطُ وَجهي إنَّه أوَّلُ القِرى
وأبذُلُ مَعروفي له دونَ مُنكَري
وقال الآخَر:
لحافي لحافُ الضَّيفِ والبَيتُ بَيتُه
ولم يُلهِني عنه غَزالٌ مُقنَّعُ
أُحَدِّثُه إنَّ الحَديثَ مِنَ القِرى
وتَعلَمُ نَفسي أنَّه سَوف يَهجَعُ
ولذلك قال عَمرُو بنُ الأهتَمِ:
فقُلت له أهلًا وسَهلًا ومَرحَبًا
فهذا مَبيتٌ صالِحٌ وصَديقُ
وقال آخَرُ:
أُضاحِكُ ضَيفي قَبلَ إنزالِ رَحلهِ
ويُخصِبُ عِندي والمَحَلُّ جَديبُ
وما الخِصبُ للأضيافِ أن يَكثُرَ القِرى
ولكِنَّما وَجهُ الكَريمِ خَصيبُ) [514] ((البيان والتبيين)) (1/ 33، 34). .
- وقال العَلويُّ صاحِبَ الزِّنجِ:
يَستَأنِسُ الضَّيفُ في أبياتِنا أبَدًا
فليسَ يَعلَمُ خَلقٌ أيُّنا الضَّيفُ [515] ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/ 296).
- قال المُتَنخِّلُ الهذَليُّ وذَكَرَ أضيافَه:
سَأبدَؤُهم بمَشمَعةٍ وأَثني
بجُهدي مِن طَعامٍ أو بساطِ
قال ابنُ قُتَيبة: (يُريدُ أنَّه يَبدَأُ أضيافَه عِندَ نُزولِهم بالمُزاحِ والمُضاحَكةِ ليُؤنِسَهم بذلك.
وهو نَحوُ قَولِ الآخَرِ:
ورُبَّ ضَيفٍ طَرَق الحَيَّ سُرًى
صادَف زادًا وحَديثًا ما اشتَهى
إنَّ الحَديثَ جانِبٌ مِنَ القِرَى
عنِ الأصمَعيِّ عن خَلَفٍ الأحمَرِ قال: سُنَّةُ الأعرابِ إذا حَدَّثوا الرَّجُلَ الغَريبَ وهَشُّوا إليه ومازَحوه أيقَنَ بالقِرى، وإذا أعرَضوا عنه عَرَف الحِرمانَ؛ فلذلك قال: إنَّ الحَديثَ جانِبٌ مِنَ القِرى) [516] ((غريب الحديث)) (1/ 295). .

انظر أيضا: