موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: عَدَمُ استِتباعِ الضَّيفِ أحَدًا لم يَدْعُه المُضيفُ


مِن أدَبِ الضَّيفِ: ألَّا يَستَتبعَ غَيرَه مِمَّن لم يُدعَ، فإن تَبعَه غَيرُه أعلَمَ الضَّيفُ المُضيفَ بذلك، وخَيَّره.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ يُقالُ له: أبو شُعَيبٍ، وكان له غُلامٌ لحَّامٌ، فرَأى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فعَرَف في وَجهِه الجوعَ، فقال لغُلامِه: وَيحَكَ! اصنَعْ لنا طَعامًا لخَمسةِ نَفَرٍ، فإنِّي أُريدُ أن أدعوَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خامِسَ خَمسةٍ، قال: فصنعَ، ثُمَّ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدَعاه خامِسَ خَمسةٍ، واتَّبَعَهم رَجُلٌ، فلمَّا بَلغَ البابَ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ هذا اتَّبَعَنا، فإن شِئتَ أن تَأذَنَ له، وإن شِئتَ رَجَعَ، قال: لا، بَل آذَنُ له يا رَسولَ اللهِ)) [582] أخرجه البخاري (2456)، ومسلم (2036) واللَّفظُ له. .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (اللَّحَّامُ: الذي يَبيعُ اللَّحمَ، وهو الجَزَّارُ. وهذا على قياسُ قَولِهم: عَطَّارٌ، وتَمَّارٌ، للَّذي يَبيعُ ذلك. وخامِسَ خَمسةٍ: أي: أحَدَ خَمسةٍ. وهذا الحَديثُ يَدُلُّ على ما كانوا عليه مِن شِدَّةِ الحالِ وشَظفِ العَيشِ، وذلك للتَّمحيصِ في الدُّنيا، وليَتَوفَّرَ لهم أجرُ الآخِرةِ. وهذا المُتَّبعُ لهم كان ذا حاجةٍ وفاقةٍ وجوعٍ، واستِئذانُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لصاحِبِ الدَّعوةِ في حَقِّ المُتَّبعِ بَيانٌ لحالِه، وتَطييبٌ لقَلبِ المُستَأذَنِ، ولو أمَرَه بإدخالِه مَعَهم لكان له ذلك؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أمَرَهم بذلك، وقال: "مَن كان عِندَه طَعامُ اثنَينِ فليَذهَبْ بثالثٍ، أو أربَعةٍ فليَذهَبْ بخامِسٍ" [583] أخرجه البخاري (602)، ومسلم (2057) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البخاريِّ: ((مَن كان عِندَه طَعامُ اثنَينِ فليَذهَبْ بثالثٍ، وإنْ أربَعٌ فخامِسٌ أو سادِسٌ)). ، والوقتُ كان وقتَ فاقةٍ وشِدَّةٍ، وكانتِ المواساةُ واجِبةً إذ ذاكَ، واللَّهُ أعلمُ.
ومَعَ ذلك فاستَأذَنَ صاحِبَ المَكانِ تَطييبًا لقَلبِه، وبَيانًا للمَشروعيَّةِ في ذلك؛ إذِ الأصلُ: ألَّا يَتَصَرَّفَ في مِلكِ الغَيرِ أحَدٌ إلَّا بإذنِه) [584] ((المُفهم)) (5/ 302، 303). .
وقال النَّوويُّ: (فيه أنَّ المَدعوَّ إذا تَبعَه رَجُلٌ بغَيرِ استِدعاءٍ، يَنبَغي له ألَّا يَأذَنَ له ويَنهاه، وإذا بَلغَ بابَ دارِ صاحِبِ الطَّعامِ أعلَمَه به ليَأذَنَ له أو يَمنَعَه، وأنَّ صاحِبَ الطَّعامِ يُستَحبُّ له أن يَأذَنَ له إن لم يَتَرَتَّبْ على حُضورِه مَفسَدةٌ بأن يُؤذيَ الحاضِرينَ، أو يُشيعَ عنهم ما يَكرَهونَه، أو يَكونَ جُلوسُه مَعَهم مُزريًا بهم لشُهرَتِه بالفِسقِ، ونَحوِ ذلك، فإن خيفَ مِن حُضورِه شَيءٌ مِن هذا لم يَأذَنْ له، ويَنبَغي أن يَتَلطَّفَ في رَدِّه ولو أعطاه شَيئًا مِنَ الطَّعامِ إن كان يَليقُ به -ليَكونَ رَدًّا جَميلًا- كان حَسَنًا) [585] ((شرح مسلم)) (13/ 208). .

انظر أيضا: