تَمهيدٌ في عِنايةِ الإسْلامِ بالاسْتِئذانِ
اهتَمَّ الإسلامُ الحَنيفُ بأمرِ الاستِئذانِ وحَثَّ على الالتِزامِ بآدابِه؛ حِفاظًا على خُصوصيَّاتِ النَّاسِ، وصَونًا لعَوراتِهم، ودَفعًا للحَرَجِ عنهم
[622] قال الزَّمَخشَريُّ: (الاستِئذانُ لم يُشرَعْ لئَلَّا يَطَّلعَ الدَّامِرُ [يَعني: الهَجومَ الولَّاجَ بغَيرِ إذنٍ] على عَورةٍ، ولا تَسبِقَ عَينُه إلى ما لا يَحِلُّ النَّظَرُ إليه فقَط، وإنَّما شُرِع لئَلَّا يُوقَفَ على الأحوالِ التي يَطويها النَّاسُ في العادةِ عن غَيرِهم، ويَتَحَفَّظونَ مِنِ اطِّلاعِ أحَدٍ عليها، ولأنَّه تَصرُّفٌ في مِلكِ غَيرِك، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ برِضاه، وإلَّا أشبَهَ الغَصبَ والتَّغَلُّبَ). ((الكَشَّاف)) (3/ 228). وقال أيضًا: (كان أهلُ الجاهليَّةِ يَقولُ الرَّجُلُ مِنهم إذا دَخَل بَيتًا غَيرَ بَيتِه: حُيِّيتُم صَباحًا، وحُيِّيتُم مَساءً، ثُمَّ يَدخُلُ، فرُبَّما أصابَ الرَّجُلَ مَعَ امرَأتِه في لحافٍ واحِدٍ، فصَدَّ اللَّهُ عن ذلك، وعَلَّم الأحسَنَ والأجمَلَ. وكَم مِن بابٍ مِن أبوابِ الدِّينِ هو عِندَ النَّاسِ كالشَّريعةِ المَنسوخةِ قد تَرَكوا العَمَلَ به! وبابُ الاستِئذانِ مِن ذلك: بَينا أنتَ في بَيتِك إذا رَعفَ عليك البابُ بواحِدٍ [أي: دخَل منه فَجأةً] مِن غَيرِ استِئذانٍ ولا تَحيَّةٍ مِن تحايا إسلامٍ ولا جاهليَّةٍ، وهو مِمَّن سَمِعَ ما أنزَلَ اللَّهُ فيه، وما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنْ أينَ الأُذُنُ الواعيةُ؟!). ((الكشاف)) (3/ 227). ، فقال تعالى في الاستِئذانِ على البُيوتِ مِنَ الخارِجِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ * قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 27-30]. وقال جَلَّ ثَناؤُه في الاستِئذانِ داخِلَ البُيوتِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور: 58-59] .
قال ابنُ العَرَبيِّ: (اعلَموا -وفَّقَكمُ اللهُ- أنَّ اللَّهَ سُبحانَه وتعالى خَصَّصَ النَّاسَ بالمَنازِلِ، وسَتَرَهم فيها عنِ الأبصارِ، ومَلَّكَهمُ الاستِمتاعَ بها على الانفِرادِ، وحَجَز على الخَلقِ أن يَطَّلِعوا على ما فيها مِن خارِجٍ أو يَلِجوها بغَيرِ إذنِ أربابِها؛ لئَلَّا يَهتِكوا أستارَهم، ويَبلوا أخبارَهم.
وتَحقيقُ ذلك ما رُويَ في الصِّحاحِ عن سَهلِ بنِ سَعدٍ، قال: «اطَّلعَ رَجُلٌ مِن حُجرةٍ في حُجَرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَعَ النَّبيِّ مِدرًى
[623] المِدرَى: المُشطُ، وقيل: هي أعوادٌ تُحَدَّدُ وتُجمَعُ صِفافًا يُجعَلُ مِنها شِبهُ المُشطِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 34، 35). يَحُكُّ بها رَأسَه، فقال: لو أعلمُ أنَّك تَنظُرُ لطَعَنتُ به في عَينِك، إنَّما جُعِل الاستِئذانُ مِن أجلِ البَصَرِ»
[624] أخرجه البخاري (6241) واللَّفظُ له، ومسلم (2156). .
ومن حديثِ أنَسٍ فيها: «فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه بمِشقَصٍ
[625] المِشقَصُ: سَهمٌ عَريضُ النَّصلِ، وجَمعُه مَشاقِصُ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 196). ، فكَأنِّي أنظُرُ إليه يَختِلُ
[626] يَختِلُه: أي: يَتَرَقَّبُ الفُرصةَ مِنه. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 196). الرَّجُلَ ليَطعُنَه»
[627] أخرجه البخاري (6242)، ومسلم (2157) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: عن أنَسِ بنِ مالكٍ أنَّ رَجُلًا اطَّلعَ مِن بَعضِ حُجَرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقامَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِشقَصٍ -أو: بمَشاقِصَ- فكَأنِّي أنظُرُ إليه يَختِلُ الرَّجُلَ ليَطعُنَه. [628] ((أحكام القرآن)) (3/ 369). .
وقال ابنُ عاشورٍ في قَولِه تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور: 27] : (مِن أكبَرِ الأغراضِ في هذه السُّورةِ تَشريعُ نِظامِ المُعاشَرةِ والمُخالَطةِ العائِليَّةِ في التَّجاوُرِ. فهذه الآياتُ استِئنافٌ لبَيانِ أحكامِ التَّزاوُرِ، وتَعليمِ آدابِ الاستِئذانِ، وتَحديدِ ما يَحصُلُ المَقصودُ مِنه؛ كَي لا يَكونَ النَّاسُ مُختَلفينَ في كَيفيَّتِه على تَفاوُتِ اختِلافِ مَدارِكِهم في المَقصودِ منه والمُفيدِ.
وقد كان الاستِئذانُ مَعروفًا في الجاهليَّةِ وصَدرِ الإسلامِ، وكان يَختَلِفُ شَكلُه باختِلافِ حالِ المُستَأذَنِ عليه مِن مُلوكٍ وسُوقةٍ، فكان غَيرَ مُتَماثِلٍ، وقد يَترُكُه أو يُقَصِّرُ فيه مَن لا يُهِمُّه إلَّا قَضاءُ وَطَرِه وتَعجيلُ حاجَتِه، ولا يَبعُدُ بأن يَكونَ وُلوجُه مُحرِجًا للمَزورِ أو مُثقِلًا عليه؛ فجاءَت هذه الآياتُ لتَحديدِ كَيفيَّتِه، وإدخالِه في آدابِ الدِّينِ حتَّى لا يُفرِّطَ النَّاسُ فيه أو في بَعضِه باختِلافِ مَراتِبِهم في الاحتِشامِ والأنَفةِ واختِلافِ أوهامِهم في عَدَمِ المُؤاخَذةِ أو في شِدَّتِها.
وشُرِعَ الاستِئذانُ لمَن يَزورُ أحَدًا في بَيتِه؛ لأنَّ النَّاسَ اتَّخَذوا البُيوتَ للاستِتارِ مِمَّا يُؤذي الأبدانَ مِن حَرٍّ وقُرٍّ ومَطَرٍ وقَتامٍ، ومِمَّا يُؤذي العِرضَ والنَّفسَ مِنِ انكِشافِ ما لا يُحِبُّ السَّاكِنُ اطِّلاعَ النَّاسِ عليه، فإذا كان في بَيتِه وجاءَه أحَدٌ فهو لا يُدخِلُه حتَّى يُصلِحَ ما في بَيتِه، وليَستُرَ ما يُحِبُّ أن يَستُرَه، ثُمَّ يأذنُ له أو يَخرُجُ له فيُكَلِّمُه مِن خارِجِ البابِ)
[629] ((التحرير والتنوير)) (18/ 196، 197). .
وقال السَّعديُّ: (يُرشِدُ الباري عِبادَه المُؤمِنينَ أن لا يَدخُلوا بُيوتًا غَيرَ بُيوتِهم بغَيرِ استِئذانٍ، فإنَّ في ذلك عِدَّةَ مَفاسِدَ:
مِنها ما ذَكَرَه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ قال: "إنَّما جُعِل الاستِئذانُ مِن أجلِ البَصَرِ"
[630] أخرجه البخاري (6241) واللفظ له، ومسلم (2156) من حديث سَهلِ بنِ سَعدٍ. ، فبسَبَبِ الإخلالِ به يَقَعُ البَصَرُ على العَوراتِ التي داخِلَ البُيوتِ؛ فإنَّ البَيتَ للإنسانِ في سَترِ عَورةِ ما وراءَه بمَنزِلةِ الثَّوبِ في سَترِ عَورةِ جَسَدِه.
ومِنها: أنَّ ذلك يوجِبُ الرِّيبةَ مِنَ الدَّاخِلِ، ويُتَّهَمُ بالشَّرِّ سَرِقةً أو غَيرَها؛ لأنَّ الدُّخولَ خُفيةً يَدُلُّ على الشَّرِّ ...
ومَنَعَ اللَّهُ المُؤمِنينَ مِن دُخولِ غَيرِ بُيوتِهم حتَّى يَستَأنِسوا، أي: يَستَأذِنوا. سُمِّي الاستِئذانُ استِئناسًا؛ لأنَّ به يَحصُلُ الاستِئناسُ، وبعَدَمِه تَحصُلُ الوَحشةُ،
وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وصِفةُ ذلك ما جاءَ في الحَديثِ:
((السَّلامُ عليكُم، أأدخُلُ؟» [631] لفظُه: عن عَمرِو بنِ عَبدِ اللهِ بنِ صَفوانَ أخبَرَه أنَّ كَلَدةَ بنَ حَنبَلٍ أخبَرَه: أنَّ صَفوانَ بنَ أُميَّةَ بَعَثَه بلَبَنٍ ولِبَأٍ وضَغابِيسَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأعلى الوادي، قال: فدَخَلتُ عليه ولَم أُسَلِّمْ ولَم أستَأذِنْ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ارجِعْ فقُل: السَّلامُ عليكُم، أأدخُلُ؟ أخرجه أبو داود (5176)، والترمذي (2710) واللفظ له، وأحمد (15425). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2710)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5176)، وجوَّده ابنُ القيم في ((زاد المعاد)) (2/379) .
ذَلِكُمْ أي: الاستِئذانُ المَذكورُ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ لاشتِمالِه على عِدَّةِ مَصالِحَ، وهو مِن مَكارِمِ الأخلاقِ الواجِبةِ، فإن أذِنَ دَخَل المُستَأذِنُ.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي: فلا تَمتَنِعوا مِنَ الرُّجوعِ، ولا تَغضَبوا مِنه؛ فإنَّ صاحِبَ المَنزِلِ لم يَمنَعْكُم حَقًّا واجِبًا لكُم، وإنَّما هو مُتَبَرِّعٌ، فإن شاءَ أذِنَ أو مَنَعَ، فأنتُم لا يَأخُذُ أحَدَكُمُ الكِبرُ والاشمِئزازُ مِن هذه الحالِ، هُوَ أَزْكَى لَكُمْ أي: أشَدُّ لتطهيرِكم مِنَ السَّيِّئاتِ، وتَنميَتِكُم بالحَسَناتِ. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فيُجازي كُلَّ عامِلٍ بعَمَلِه؛ مِن كَثرةٍ وقِلَّةٍ، وحُسنٍ وعَدَمِه.
هذا الحُكمُ في البُيوتِ المَسكونةِ، سَواءٌ كان فيها مَتاعٌ للإنسانِ أم لا، وفي البُيوتِ غَيرِ المَسكونةِ، التي لا مَتاعَ فيها للإنسانِ، وأمَّا البُيوتُ التي ليسَ فيها أهلُها، وفيها مَتاعُ الإنسانِ المُحتاجِ للدُّخولِ إليه، وليسَ فيها أحَدٌ يَتَمَكَّنُ مِنِ استِئذانِه، وذلك كَبُيوتِ الكِراءِ وغَيرِها، فقد ذَكَرَها بقَولِه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أي: حَرَجٌ وإثمٌ، دَلَّ على أنَّ الدُّخولَ مِن غَيرِ استِئذانٍ في البُيوتِ السَّابقةِ أنَّه مُحَرَّمٌ، وفيه حَرَجٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وهذا مِنِ احتِرازاتِ القُرآنِ العَجيبةِ؛ فإنَّ قَولَه: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ لفظٌ عامٌّ في كُلِّ بَيتٍ ليسَ مِلكًا للإنسانِ، أخرَجَ منه تعالى البُيوتَ التي ليسَت مِلكَه، وفيها مَتاعُه، وليسَ فيها ساكِنٌ، فأسقَطَ الحَرَجَ في الدُّخولِ إليها، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ أحوالَكُمُ الظَّاهِرةَ والخَفيَّةَ، وعَلِم مَصالحَكم؛ فلذلك شَرَعَ لكُم ما تَحتاجونَ إليه وتُضطَرُّونَ مِنَ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ) [632] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 565، 566). .
(ولقد قَيَّدَ اللهُ عِبادَه بهذه الآدابِ الأخلاقيَّةِ؛ لأنَّ في اتِّباعِها الوُصولَ إلى السَّعادةِ التَّامَّةِ، وتَجَنُّبَ كُلِّ سَبيلٍ شائِكٍ مِن سُبُلِ المَضَرَّاتِ الاجتِماعيَّةِ المُؤذيةِ التي تُؤذِنُ -والعياذُ باللهِ- بالدَّمارِ وخَرابِ البُيوتِ، وتَقويضِ الأُسَرِ والعائِلاتِ؛ فالمَعروفُ عَقلًا أنَّ الرَّجُلَ في خَلوتِه والمَرأةَ في خَلوتِها قد يَجنَحانِ إلى ما تَقتَضيه هذه الخَلوةُ مِنَ الاستِراحةِ المُطلَقةِ، فإذا بوغِتَ أحَدُهما وهو على هذه الحالةِ بغَريبٍ مُتَهَجِّمٍ قد تَقَعُ مِنَ الحَوادِثِ ما لا تُحمَدُ عُقباها، عِلاوةً على ما في ذلك مِنَ المُنافاةِ للأدَبِ والأخلاقِ.
فالقُرآنُ الكَريمُ قد حَلَّ هذه المُعضِلةَ حَلًّا عادِلًا كَريمًا بما أمَرَ به مِنَ الاستِئذانِ؛ حَيثُ دَفعَ به مَضَرَّةً، وحَقَّقَ مَنفَعةً.
فليَتَدَبَّرِ المُفكِّرونَ هذه الآراءَ الحَكيمةَ السَّديدةَ، نَفعَنا اللَّهُ بتَفهُّمِها، والعَمَلِ بها) [633] ((حق الزوج على زوجته)) لطه عبد الله العفيفي (ص: 57، 58). .
وفيما يَلي أهمُّ آدابِ الاسْتِئْذانِ: