موسوعة الآداب الشرعية

تَمهيدٌ في أهميَّةِ اللِّسانِ وعظيمِ خَطرِه


اللِّسانُ مِن نِعَمِ اللهِ العَظيمةِ، ولطائِفِ صُنعِه الغَريبةِ؛ فإنَّه صَغيرٌ جِرمُه، عَظيمٌ طاعَتُه وجُرمُه؛ إذ لا يَستَبينُ الكُفرُ والإيمانُ إلَّا بشَهادةِ اللِّسانِ، وهما غايةُ الطَّاعةِ والعِصيانِ، وكُلُّ ما يَتَناولُه العِلمُ يُعرِبُ عنه اللِّسانُ إمَّا بحَقٍّ أو باطِلٍ، ولا شَيءَ إلَّا والعِلمُ مُتَناوِلٌ له، وهذه خاصِّيَّةٌ لا توجَدُ في سائِرِ الأعضاءِ؛ فإنَّ العَينَ لا تَصِلُ إلى غَيرِ الألوانِ والصُّوَرِ، والآذانَ لا تَصِلُ إلى غَيرِ الأصواتِ، واليَدَ لا تَصِلُ إلى غَيرِ الأجسامِ، وكَذا سائِرُ الأعضاءِ. واللِّسانُ رَحبُ المَيدانِ، ليسَ له مَرَدٌّ، ولا لمَجالِه مُنتَهًى وحَدٌّ، له في الخَيرِ مَجالٌ رَحبٌ، وله في الشَّرِّ ذَيلٌ سَحبٌ، فمَن أطلقَ عَذبةَ اللِّسانِ [739] عَذَبةُ اللِّسانِ: طَرَفُه. يُنظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 304). وأهمَله مُرخى العِنانِ، سَلكَ به الشَّيطانُ في كُلِّ مَيدانٍ، وساقَه إلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، إلى أن يَضطَرَّه إلى البَوارِ، ولا يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على مَناخِرِهم إلَّا حَصائِدُ ألسِنَتِهم، ولا يَنجو مِن شَرِّ اللِّسانِ إلَّا مَن قَيَّدَه بلِجامِ الشَّرعِ، فلا يُطلقُه إلَّا فيما يَنفَعُه في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَكُفُّه عن كُلِّ ما يخشى غائِلتَه في عاجِلِه وآجِلِه. وعِلمُ ما يُحمَدُ فيه إطلاقُ اللِّسانِ أو يُذَمُّ: غامِضٌ عَزيزٌ، والعَمَلُ بمُقتَضاه على مَن عَرَفه: ثَقيلٌ عَسيرٌ، وأعصى الأعضاءِ على الإنسانِ اللِّسانُ؛ فإنَّه لا تَعَبَ في إطلاقِه، ولا مُؤنةَ في تَحريكِه، وقد تَساهَل الخَلقُ في الاحتِرازِ عن آفاتِه وغَوائِلِه، والحَذَرِ مِن مَصايِدِه وحَبائِلِه، وإنَّه أعظَمُ آلةِ الشَّيطانِ في استِغواءِ الإنسانِ [740] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 108). .
وفيما يلي بيانُ أهمِّ آدابِ الكلامِ:

انظر أيضا: