موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: تَكرارُ الكَلامِ إذا احتيجَ إلى ذلك


يُشرَعُ تَكرارُ الكَلامِ وإعادَتُه إذا احتيجَ إلى التَّكرارِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((أنَّه كان إذا تَكَلَّمَ بكَلمةٍ أعادَها ثَلاثًا، حتَّى تُفهَمَ عنه، وإذا أتى على قَومٍ فسَلَّمَ عليهم سَلَّمَ عليهم ثَلاثًا)) [830] أخرجه البخاري (95). .
وفي رِوايةٍ: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعيدُ الكَلمةَ ثَلاثًا لتُعقَلَ عنه)) [831] أخرجها الترمذيُّ (3640)، والخطيبُ في ((تاريخ بغداد)) (3/416) واللفظُ لهما، والحاكمُ (7925). صَحَّحها الحاكمُ وقال: على شرطِ الشيخينِ، والألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (4990). .
قال الخَطَّابيُّ: (أمَّا إعادَتُه الكَلامَ ثَلاثًا فإنَّما كان يَفعَلُه لأحَدِ مَعنَيَينِ؛ أحَدُهما: أن يَكونَ بحَضرَتِه مَن يَقصُرُ فَهمُه عن وَعيِ ما يَقولُه، فيُكَرِّرُ القَولَ ليَقَعَ به الفهمُ، إذ هو مَأمورٌ بالبَيانِ والتَّبليغِ، وإمَّا أن يَكونَ القَولُ الذي يَتَكَلَّمُ به نَوعًا مِنَ الكَلامِ الذي يدخُلُه الإشكالُ والاحتِمالُ، فيُظاهرُ بالبَيانِ لتَزولَ الشُّبهةُ فيه، ويَرتَفِعَ الإشكالُ مَعَه) [832] ((أعلام الحَديثِ)) (1/ 207، 208). .
وقال أبو الزِّنادِ: (إنَّما كان يُكَرِّرُ الكَلامَ ثَلاثًا والسَّلامَ ثَلاثًا إذا خَشيَ أن لا يُفهَمَ عنه، أو لا يُسمَعَ سَلامُه، أو إذا أرادَ الإبلاغَ في التَّعليمِ، أوِ الزَّجرَ في المَوعِظةِ. وفيه أنَّ الثَّلاثَ غايةُ ما يَقَعُ به البَيانُ والإعذارُ به) [833] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 172، 173). قال المُهلَّبُ: (أمَّا تَسليمُه صَلَّى اللهُ عَليه ثَلاثًا، وكَلامه ثَلاثًا، فهو ليُبالِغَ في الإفهامِ والإسماعِ، وقد أورَدَ اللَّه ذلك في القُرآنِ، فكَرَّرَ القصَصَ والأخبارَ والأوامِرَ ليُفهِمَ عِبادَه، وليَتَدَبَّرَ السَّامِعُ في المَرَّةِ الثَّانيةِ والثَّالثةِ ما لم يَتَدَبَّرْ في الأولى، وليَرسخَ ذلك في قُلوبِهم. والحِفظُ إنَّما هو تكَرُّرُ الدِّراسةِ للشَّيءِ المَرَّةَ بَعدَ المَرَّةِ، وقد كان النَّبيُّ عَليه السَّلامُ يَقولُ الشَّيءَ المَرَّةَ الواحِدةَ، وقَولُ أنَسٍ: "إنَّه كان إذا تَكَلَّمَ بكَلمةٍ أعادَها ثَلاثًا" يُريدُ في أكثَرِ أمرِه، وأُخرِجَ الحَديثُ مَخرَجَ العُمومِ، والمُرادُ به الخُصوصُ). ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 24، 25). .

انظر أيضا: