موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: خَفضُ الصَّوتِ


يُستَحَبُّ خَفضُ الصَّوتِ وعَدَمُ المُبالَغةِ في رَفعِه مِن غَيرِ حاجةٍ [834] قال ابنُ عاشورٍ في قَولِه تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لُقمان: 19] : (غَضُّ الصَّوتِ: جَعلُه دونَ الجَهرِ. وجيءَ بـ "مِن" الدَّالَّةِ على التَّبعيضِ؛ لإفادةِ أنَّه يَغُضُّ بَعضَه، أي: بَعضَ جَهرِه، أي: يَنقُصُ مِن جُهورَتِه، ولكِنَّه لا يَبلُغُ به إلى التَّخافُتِ والسِّرارِ). ((التحرير والتنوير)) (21/ 168). وقال ابنُ عثيمين: (قَولُه تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (مِن) هذه للتَّبعيضِ، فلم يَقُلْ: (اغضُضْ صَوتَك)، بَل قال: (مِنه)؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ لا يُحمَدُ على رَفعِ الصَّوتِ جِدًّا، ولا على خَفضِه جِدًّا... بَل يَكونُ قَصدًا بَينَ رَفعِ الصَّوتِ والإخفاءِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 114). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ:
قال تعالى على لسانِ لُقمان رَضِيَ اللهُ عنه في وصيَّتِه لابنِه: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19] .
قال السَّعديُّ: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أدَبًا مَعَ النَّاسِ ومَعَ اللهِ، إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ أي: أفظَعَها وأبشَعَها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ فلو كان في رَفعِ الصَّوتِ البَليغِ فائِدةٌ ومَصلحةٌ لما اختَصَّ بذلك الحِمارُ الذي قد عُلِمَت خِسَّتُه وبَلادَتُه) [835] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 649). .
وقال القُرطُبيُّ: (قَولُه تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أي: انقُصْ مِنه، أي: لا تَتَكَلَّفْ رَفعَ الصَّوتِ وخُذْ مِنه ما تَحتاجُ إليه؛ فإنَّ الجَهرَ بأكثَرَ مِنَ الحاجةِ تكَلُّفٌ يُؤذي.
وقَولُه تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ أي: أقبَحَها وأوحَشَها، ومِنه أتانا بوَجهٍ مُنكَرٍ. والحِمارُ مَثَلٌ في الذَّمِّ البَليغِ والشَّتيمةِ، وكذلك نُهاقُه...
وهذه الآيةُ أدَبٌ مِنَ اللهِ تعالى بتَركِ الصِّياحِ في وُجوهِ النَّاسِ تَهاوُنًا بهم، أو بتَركِ الصِّياحِ جُملةً، وكانتِ العَرَبُ تَفخَرُ بجَهارةِ الصَّوتِ الجَهيرِ وغَيرِ ذلك؛ فمَن كان مِنهم أشَدَّ صَوتًا كان أعَزَّ، ومَن كان أخفضَ كان أذَلَّ!
فنَهى اللَّهُ سُبحانَه وتعالى عن هذه الخُلُقِ الجاهليَّةِ بقَولِه: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ أي: لو أنَّ شَيئًا يُهابُ لصَوتِه لكان الحِمارَ، فجَعَلهم في المَثَلِ سَواءً) [836] ((الجامع لأحكام القرآن)) (14/ 71، 72). .
وفي هذا دَليلٌ على أنَّ الإجهارَ الشَّديدَ في المَنطِقِ مَذمومٌ [837] ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (3/ 627). .

انظر أيضا: