موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: الصِّدقُ وعَدَمُ الكَذِبِ


يَجِبُ أن يَكونَ المُسلِمُ صادِقًا، ويَحرُمُ عليه الكَذِبُ.
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتاب
1- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119] .
2- قال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عليكم بالصِّدقِ؛ فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتَبَ عند اللهِ صِدِّيقًا. وإيَّاكم والكَذِبَ؛ فإنَّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفُجورَ يهدي إلى النَّارِ، وما يزالُ الرَّجُلُ يَكذِبُ، ويتحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا)) [863] أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607) واللفظ له. .
2- عن أوسَطِ بنِ إسماعيلَ البَجَليِّ، أنَّه سَمِعَ أبا بَكرٍ حينَ قُبِضَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَقامي هذا عامَ الأوَّلِ، ثُمَّ بَكى أبو بَكرٍ، ثُمَّ قال: عليكم بالصِّدقِ؛ فإنَّه مع البِرِّ، وهما في الجنَّةِ، وإيَّاكم والكَذِبَ؛ فإنَّه مع الفُجورِ، وهما في النَّارِ، وسَلوا اللَّهَ المُعافاةَ؛ فإنَّه لم يُؤتَ أحَدٌ بَعدَ اليَقينِ خَيرًا مِنَ المُعافاةِ، ولا تَحاسَدوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَقاطَعوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا)) [864] أخرجه ابن ماجه (3849) واللفظ له، وأحمد (5). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3849)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/24)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (5)، وحسنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/165). .
3- عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ بنِ مَسعودٍ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ أخبَرَه أنَّ أبا سُفيانَ بنَ حَربٍ أخبَرَه: ((أنَّ هِرَقلَ أرسل إليه في ركبٍ من قُريشٍ، وكانوا تجَّارًا بالشَّامِ في المدَّةِ التي كان رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مادَّ فيها أبا سُفيانَ وكفَّارَ قُرَيشٍ، فأتَوه وهم بإيلياءَ، فدعاهم في مجلِسِه وحولَه عُظَماءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعاهم ودَعا بتَرجُمانِه، فقال: أيُّكُم أقرَبُ نَسَبًا بهذا الرَّجُلِ الذي يَزعُمُ أنَّه نَبيٌّ؟ فقال أبو سُفيانَ: فقُلتُ: أنا أقرَبُهم نَسَبًا، فقال: أدْنوه مِنِّي، وقَرِّبوا أصحابَه فاجعَلوهم عِندَ ظَهرِه، ثُمَّ قال لتَرجُمانِه: قُلْ لهم إنِّي سائِلٌ هذا عن هذا الرَّجُلِ، فإن كَذَبَني فكَذِّبوه. فواللهِ لَولا الحَياءُ مِن أن يَأثِروا علَيَّ كَذِبًا لكَذَبتُ عنه. ثُمَّ كان أوَّلَ ما سَألَني عنه أن قال: كيف نَسَبُه فيكُم؟ قُلتُ: هو فينا ذو نَسَبٍ، قال: فهل قال هذا القَولَ مِنكُم أحَدٌ قَطُّ قَبلَه؟ قُلتُ: لا. قال: فهل كان مِن آبائِه مِن مَلكٍ؟ قُلتُ: لا. قال: فأشرافُ النَّاسِ يَتَّبعونَه أم ضُعَفاؤُهم؟ فقُلتُ: بَل ضُعَفاؤُهم. قال: أيَزيدونَ أم يَنقُصونَ؟ قُلتُ: بَل يَزيدونَ. قال: فهل يَرتَدُّ أحَدٌ منهم سَخطةً لدينِه بَعدَ أن يَدخُلَ فيه؟ قُلتُ: لا. قال: فهل كُنتُم تَتَّهِمونَه بالكَذِبِ قَبلَ أن يَقولَ ما قال؟ قُلتُ: لا. قال: فهل يَغدِرُ؟ قُلتُ: لا، ونَحنُ منه في مُدَّةٍ لا نَدري ما هو فاعِلٌ فيها، قال: ولَم تُمكِنِّي كَلمةٌ أُدخِلُ فيها شيئًا غَيرُ هذه الكَلمةِ، قال: فهل قاتَلتُموه؟ قُلتُ: نَعَم. قال: فكيف كان قِتالُكُم إيَّاه؟ قُلتُ: الحَربُ بينَنا وبينَه سِجالٌ، يَنالُ مِنَّا ونَنالُ منه. قال: ماذا يَأمُرُكُم؟ قُلتُ: يقولُ: اعبُدوا اللَّهَ وحدَه ولا تُشرِكوا به شيئًا، واترُكوا ما يقولُ آباؤُكُم، ويَأمُرُنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّدقِ والعَفافِ والصِّلةِ. فقال للتَّرجُمانِ: قُلْ له: سَألتُكَ عن نَسَبِه فذَكَرتَ أنَّه فيكُم ذو نَسَبٍ، فكذلك الرُّسُلُ تُبعَثُ في نَسَبِ قَومِها. وسَألتُكَ هل قال أحَدٌ مِنكُم هذا القَولَ، فذَكَرتَ أنْ لا، فقُلتُ: لو كان أحَدٌ قال هذا القَولَ قَبلَه، لقُلتُ: رَجُلٌ يَأتَسي بقَولٍ قيل قَبلَه. وسَألتُكَ هل كان مِن آبائِه مِن مَلكٍ، فذَكَرتَ أنْ لا، قُلتُ: فلو كان مِن آبائِه مِن مَلكٍ، قُلتُ: رَجُلٌ يَطلُبُ مُلكَ أبيه، وسَألتُكَ هل كُنتُم تَتَّهمونَه بالكَذِبِ قَبلَ أن يَقولَ ما قال، فذَكَرتَ أنْ لا، فقد أعرِفُ أنَّه لم يَكُنْ ليَذَرَ الكَذِبَ على النَّاسِ ويَكذِبَ على اللهِ. وسَألتُكَ أشرافُ النَّاسِ اتَّبَعوه أم ضُعَفاؤُهم، فذَكَرتَ أنَّ ضُعَفاءَهمُ اتَّبَعوه، وهم أتباعُ الرُّسُلِ. وسَألتُكَ أيَزيدونَ أم يَنقُصونَ، فذَكَرتَ أنَّهم يَزيدونَ، وكذلك أمرُ الإيمانِ حتَّى يَتِمَّ. وسَألتُكَ أيَرتَدُّ أحَدٌ سَخطةً لدينِه بَعدَ أن يَدخُلَ فيه، فذَكَرتَ أنْ لا، وكذلك الإيمانُ حينَ تُخالِطُ بَشاشَتُه القُلوبَ. وسَألتُكَ هل يَغدِرُ، فذَكَرتَ أنْ لا، وكذلك الرُّسُلُ لا تَغدِرُ. وسَألتُكَ بما يَأمُرُكُم، فذَكَرتَ أنَّه يَأمُرُكُم أن تَعبُدوا اللَّهَ ولا تُشرِكوا به شيئًا، ويَنهاكُم عن عِبادةِ الأوثانِ، ويَأمُرُكُم بالصَّلاةِ والصِّدقِ والعَفافِ، فإن كان ما تَقولُ حَقًّا فسيَملكُ مَوضِعَ قدَمَيَّ هاتَينِ، وقد كُنتُ أعلمُ أنَّه خارِجٌ، لم أكُنْ أظُنُّ أنَّه مِنكُم، فلو أنِّي أعلمُ أنِّي أخلُصُ إليه لتَجَشَّمتُ لقاءَه [865] لتجشَّمتُ لِقاءَه: أي: تكلَّفتُ ما فيه من مشقَّةٍ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 168). ، ولو كُنتُ عِندَه لغَسَلتُ عن قدَمِه...)) الحَديثَ [866] أخرجه البخاري (7) واللَّفظُ له، ومسلم (1773). .
4- عن أبي الحوراءِ السَّعديِّ قال: قُلتُ للحَسَنِ بنِ عَليٍّ: ما حَفِظتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: حَفِظتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنينةٌ، وإنَّ الكَذِبَ ريبةٌ)) [867] أخرجه الترمذي (2518)، وأحمد (1723) واللفظ لهما، والنسائي (5711) مختصرًا. صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (722)، والنووي في ((بستان العارفين)) (32)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (14/42)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
5- عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((البَيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفَرَّقا، فإن صَدَقا وبيَّنَا بورِكَ لهما في بيعِهما، وإن كتَمَا وكذَبَا مُحِقَ بركةُ بيعِهما)) [868] أخرجه البخاري (2079)، ومسلم (1532) واللَّفظُ له. .
6- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((قيل لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ النَّاسِ أفضَلُ؟ قال: كُلُّ مخمومِ القَلبِ، صَدوقِ اللِّسانِ، قالوا: صَدوقُ اللِّسانِ نَعرِفُه، فما مخمومُ القَلبِ؟ قال: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لا إثمَ فيه ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ ولا حَسَدَ)) [869] أخرجه ابن ماجه (4216). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4216)، وصَحَّح إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/33)، والبوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/325)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/18). .
وفي رِوايةٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((قُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، مَن خَيرُ النَّاسِ؟ قال: ذو القَلبِ المَخمومِ، واللِّسانِ الصَّادِقِ، قُلنا: فقد عَرَفنا الصَّادِقَ، فما ذو القَلبِ المَخمومِ؟ قال: هو التَّقيُّ النَّقيُّ الذي لا إثمَ فيه ولا حَسَدَ، قُلنا: فمَن على أثَرِه؟ قال: الذي يَشنَأُ [870] يُقالُ: شَنِئتُه أشَنؤُه شَنأً وشَنَآنًا: إذا أبغَضتَه، والفاعِلُ شانِئٌ، وشانِئةٌ في المُؤَنَّثِ. يُنظر: ((المِصباح المُنير)) للفيومي (1/ 324). الدُّنيا ويُحِبُّ الآخِرةَ، قالوا: ما نَعرِفُ هذا فينا إلَّا رافِعٌ مَولى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَن على أثَرِه؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ، قالوا: أمَّا هذه فإنَّها فينا)) [871] أخرجها الطبراني في ((مسند الشاميين)) (1218)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/183)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (6604) واللفظ له. صحَّحها أبو حاتم الرازي كما في ((العلل)) لابن أبي حاتم (1873)، والألباني في ((صحيح الجامِعِ)) (3291). .
7- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((آيةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا وعَدَ أخلَف، وإذا اؤتُمِنَ خانَ)) [872] أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59). .
وفي رِوايةٍ: ((مِن عَلاماتِ المُنافِقِ ثَلاثةٌ: إذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ)) [873] أخرجها مسلم (59). .
وفي أُخرى: ((آيةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ، وإن صامَ وصَلَّى وزَعَمَ أنَّه مُسلِمٌ)) [874] أخرجها مسلم (59). .
وفي حَديثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أربَعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصلةٌ مِنهنَّ كانت فيه خَصلةٌ مِنَ النِّفاقِ حتَّى يَدَعَها: إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كذَب، وإذا عاهَدَ غَدَر، وإذا خاصَمَ فَجَرَ)) [875] أخرجه البخاري (34) واللَّفظُ له، ومسلم (58). .
8- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثَلاثةٌ لا يُكَلِّمُهمُ اللهُ يَومَ القيامةِ، ولا يُزَكِّيهم، ولهم عَذابٌ أليمٌ: شَيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُستَكبِرٌ)) [876] أخرجه مسلم (107). .
قال عياضٌ: (خُصَّ هؤلاء الثَّلاثةُ بأليمِ العذابِ وعُقوبةِ الإبعادِ لالتزامِ كُلِّ واحدٍ منهم المعصيةَ التي ذُكِر، على بُعدِها منه، وعدَمِ ضَرورتِه إليها، وضَعفِ دواعيها عندَه، وإن كان لا يُعذَرُ أحَدٌ بذنبٍ، ولا في معصيتِه اللهَ تعالى، لكِنْ لَمَّا لم تدْعُهم إلى هذه المعاصي ضرائرُ مُزعِجةٌ، ولا دواعٍ مُعتادةٍ، ولا حملَتْهم عليها أسبابٌ لازمةٌ- أشبَهَ إقدامُهم عليها المعاندةَ والاستخفافَ بحَقِّ المعبودِ محضًا، وقَصْدَ معصيتِه لا لغيرِ معصيتِه، فإنَّ... الإمام لا يخشى من أحَدٍ من رعيَّتِه، ولا يحتاجُ إلى مداهنتِه ومصانعتِه؛ إذ إنَّما يداهِنُ الإنسانُ ويصانِعُ بالكَذِبِ وشِبهِه من يحذَرُه ويخشى معاقبتَه، أو أذاه ومُعاتبتَه، أو يَطلُبُ عنده بذلك منزلةً أو منفعةً، فهو غَنيٌّ عن الكَذِبِ جُملةً) [877] ((إكمال المعلم)) (1/ 383، 384). .
9- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((أخَذَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما أخَذَ على النِّساءِ: ألَّا نُشرِكَ باللهِ شَيئًا، ولا نَسرِقَ، ولا نَزنيَ، ولا نَقتُلَ أولادَنا، ولا يَعْضَهَ بَعضُنا بَعضًا، فمَن وفَى مِنكُم فأجرُه على اللهِ، ومَن أتى مِنكُم حَدًّا فأُقيمَ عليه فهو كَفَّارَتُه، ومَن سَتَرَه اللهُ عليه فأمرُه إلى اللهِ؛ إن شاءَ عَذَّبَه، وإن شاءَ غَفرَ له)) [878] أخرجه البخاري (18)، ومسلم (1709) واللفظ له. .
قَولُه: ((ولا يَعضَهَ بَعضُنا بَعضًا)) أي: لا يَرميَه بالعَضيهةِ، وهيَ الكَذِبُ والبُهتانُ، فلا يَقذِفُه ولا يَكذِبُ عليه، ويَنسُبُ إليه ما يَنقُصُه ويَتَأذَّى به [879] يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (5/ 550)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 80). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: "ولا يَعضَهَ بَعضُنا بَعضًا" ... قيلَ فيه ثَلاثةُ أقوالٍ: أحَدُها: أنَّه السِّحرُ، أي: لا يَسحَر بَعضُنا بَعضًا. والعَضْهُ، والعَضيهةُ: السِّحرُ. والعاضِهُ: السَّاحِرُ. والعاضِهةُ: السَّاحِرةُ. والثَّاني: أنَّه النَّميمةُ والكَذِبُ. والثَّالثُ: البُهتانُ. قُلتُ: وهذه الثَّلاثةُ مُتَقارِبةٌ في المَعنى؛ لأنَّ الكُلَّ كَذِبٌ وزُورٌ. ويُقالُ لكُلِّها: عَضْهٌ، وعَضيهةٌ). ((المفهم)) (5/ 140). .
10- عن أبي رَجاءٍ العُطارِديِّ، قال: حَدَّثَنا سَمُرةُ بنُ جُندَبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِمَّا يُكثِرُ أن يَقولَ لِأصحابِه: هل رأى أحَدٌ منكم من رُؤيا؟ قال: فيَقُصُّ عليه من شاء اللَّهُ أن يَقُصَّ، وإنَّه قال ذاتَ غَداةٍ: إنَّه أتاني اللَّيلةَ آتيانِ وإنَّهما ابتَعَثاني، وإنَّهما قالا لي: انطَلِقْ، وإنِّي انطَلَقْتُ مَعَهما، وإنَّا أتَينا على رَجُلٍ مُضطَجِعٍ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بصَخرةٍ، وإذا هو يَهوي بالصَّخرةِ لِرأسِه فيَثلَغُ رأسَه فيتدهدَهُ الحَجَرُ هاهنا، فيَتْبعُ الحَجَرَ فيأخُذُه، فلا يَرجِعُ إليه حَتَّى يَصِحَّ رأسُه كما كان، ثُمَّ يَعودُ عليه فيَفعَلُ به مِثلَ ما فَعَل المَرَّةَ الأولى. قال: قُلتُ لَهما: سُبحانَ اللَّهِ! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطَلِقِ انطَلِقْ. قال: فانطَلَقْنا، فأتَينا على رَجُلٍ مُستَلقٍ لقَفاه، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حَديدٍ، وإذا هو يأتي أحَدَ شِقَّي وَجهِه فيُشَرشِرُ شِدقَه [880] فيُشرشِرُ شِدقَه: أي يَقطَعُه شَقًّا، والشِّدقُ جانِبُ الفَمِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 442). إلى قَفاه، ومَنخِرَه إلى قَفاه، وعَينَه إلى قَفاه، -قال: ورُبَّما قال أبو رَجاءٍ: فيَشُقُّ-. قال: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلى الجانِبِ الآخَرِ فيَفعَلُ به مِثلَ ما فَعَل بالجانِبِ الأوَّلِ، فما يَفرُغُ من ذلك الجانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذلك الجانِبُ كما كان، ثُمَّ يَعودُ عليه فيَفعَلُ مِثلَ ما فَعَل المَرَّةَ الأولى، قال: قُلتُ: سُبحانَ اللَّهِ! ما هذان؟! قال: قالا لي: انطَلِقِ انطَلِقْ، فانطَلَقنا، ... الحديث وفيه: قال: قُلتُ لهما: فإنِّي قد رأيتُ مُنذُ اللَّيلةِ عَجَبًا! فما هذا الذي رأيتُ؟ قال: قالا لي: أمَا إنَّا سَنُخبرُك؛ أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الذي أتَيتَ عليه يُثلَغُ رأسُه بالحَجَرِ، فإنَّه الرَّجُلُ يأخُذُ القُرآنَ فيَرفُضُه ويَنامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكتوبةِ، وأمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيتَ عليه يُشرشَرُ شِدقُه إلى قَفاه، ومَنخِرُه إلى قَفاه، وعَينُه إلى قَفاه، فإنَّه الرَّجُلُ يَغدو من بَيتِه، فيَكذِبُ الكَذبةَ تَبلُغُ الآفاقَ...)) [881] أخرجه البخاري (7047). وأخرجه مسلم (2275) مُختَصَرًا بلفظ: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صَلَّى الصُّبحَ أقبَل عَليهم بوَجهِه فقال: هل رَأى أحَدٌ مِنكُمُ البارِحةَ رُؤيا؟)). .

انظر أيضا: