موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشرَ: اجتنابُ السَّبِّ والشَّتمِ


يَنبَغي للمُسلِمِ أن يُجَنِّبَ لسانَه السَّبَّ، و(يَحرُمُ سَبُّ المُسلمِ مِن غَيرِ سَبَبٍ شَرعيٍّ يُجَوِّزُ ذلك) [914] ((الأذكار)) للنووي (ص: 365). وقال النَّوويُّ: (مِنَ الألفاظِ المَذمومةِ المُستَعمَلةِ في العادةِ قَوله لمَن يُخاصِمُه: يا حِمارُ، يا تَيسُ، يا كَلبُ، ونَحوَ ذلك، فهذا قَبيحٌ لوجهَينِ: أحَدُهما: أنَّه كَذِبٌ، والآخَرُ: أنَّه إيذاءٌ، وهذا بخِلافِ قَولِه: يا ظالِمُ، ونَحوَه؛ فإنَّ ذلك يُسامَحُ به لضَرورةِ المُخاصَمةِ، مَعَ أنَّه يَصدُقُ غالبًا، فقَلَّ إنسانٌ إلَّا وهو ظالمٌ لنَفسِه ولغَيرِها). ((المصدر السابق)). .
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي جُرَيٍّ جابِرِ بنِ سُلَيمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((رَأيتُ رَجُلًا يَصدُرُ النَّاسُ عن رأيِه لا يقولُ شَيئًا إلَّا صَدَروا عنه، قُلْنا: مَن هذا؟ قالوا: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ... وفيه: قال: قُلتُ: اعهَدْ إليَّ، قال: لا تَسُبَّنَّ أحَدًا؛ فما سَبَبتُ بَعدَه حُرًّا ولا عَبدًا، ولا بَعيرًا ولا شاةً، قال: ولا تَحقِرَنَّ شَيئًا مِن المَعروفِ، وأن تُكلِّمَ أخاك وأنت مُنبسِطٌ إليه وَجهُك، إنَّ ذلك مِن المَعروفِ، وارفَعْ إزارَك إلى نِصفِ السَّاقِ، فإن أبَيتَ فإلى الكَعبَينِ، وإيَّاك وإسبالَ الإزارِ؛ فإنَّها مِن المَخِيلةِ، وإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلةَ، وإنِ امرُؤٌ شَتَمَك أو عَيَّرَك بما يَعلَمُ فيك فلا تُعَيِّرْه بما تَعلَمُ فيه؛ فإنَّما وَبالُ ذلك عليه)) [915] أخرجه أبو داود (4084) واللفظ له، والترمذي (2722). وأخرجه أحمد (20636) مختصرًا ولم يُسَمِّ الصحابيَّ، وقال: عن رجُلٍ من بَلْهُجيمِ. صحَّحه لغيرِه الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (770)، وقال الوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (196): يَرْتقي إلى الصِّحَّةِ، وقال الترمذيُّ: حَسنٌ صحيحٌ، وجوَّد إسنادَه العراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (3/151)، وحسَّنه الذَّهبيُّ في ((المهذب)) (8/4253) وقال: لبعضِه طرقٌ عن جابرٍ. وذهَب إلى تصحيحِه ابنُ دقيقِ العيدِ في ((الاقتراح)) (129)، وابنُ القيِّمِ في ((زاد المعاد)) (2/383)، وابنُ حجرٍ كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/322). .
2- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سِبابُ المُسلمِ فُسوقٌ وقِتالُه كُفرٌ)) [916] أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64). .
3- عن عياضٍ المجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، الرَّجُلُ يَسُبُّني؟ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: المُستَبَّانِ شَيطانانِ يَتَهاتَرانِ [917] أي: يَتَقاولانِ ويتقابحانِ في القَولِ. مِنَ الهترِ، وهو الباطِلُ والسَّقَطُ مِنَ الكَلامِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 243). ويَتَكاذَبانِ)) [918] أخرجه أحمد (17489)، وابن حبان (5726) واللفظ لهما، والطبراني (17/365) (1001) باختلافٍ يسيرٍ. صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (9179)، وصَحَّح إسنادَه على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17489). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُستَبَّانِ ما قالا فعلى البادِئِ، ما لم يَعتَدِ المَظلومُ)) [919] أخرجه مسلم (2587). .
5- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطَبَ النَّاسَ يَومَ النَّحرِ فقال: يا أيُّها النَّاسُ، أيُّ يَومٍ هذا؟ قالوا: يَومٌ حَرامٌ، قال: فأيُّ بَلدٍ هذا؟ قالوا: بَلدٌ حَرامٌ، قال: فأيُّ شَهرٍ هذا؟ قالوا: شَهرٌ حَرامٌ، قال: فإنَّ دِماءَكُم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكُم حَرامٌ كحُرمةِ يَومِكُم هذا، في بَلدِكُم هذا، في شَهرِكُم هذا، فأعادَها مِرارًا، ثُمَّ رَفعَ رَأسَه، فقال: اللهُمَّ هل بَلَّغتُ، اللهُمَّ هل بَلَّغتُ. قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: فوالذي نَفسي بيَدِه إنَّها لوصيَّتُه إلى أُمَّتِه، فليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، لا تَرجِعوا بَعدي كُفَّارًا، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقابَ بَعضٍ)) [920] أخرجه البخاري (1739). .
6- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحاسَدوا ولا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا ولا تَدابَروا، ولا يَبِعْ بَعضُكُم على بَيعِ بَعضٍ، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، المُسلِمُ أخو المُسلمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى هاهنا -ويُشيرُ إلى صَدرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ- بحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ، كُلُّ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ: دَمُه، ومالُه، وعِرضُه)) [921] أخرجه مسلم (2564). .
7- عن سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ مِن أربى الرِّبا [922] أَرْبَى: أفعَلُ التَّفضيلِ مِنَ الرِّبا، وأربى الرِّبا: أي: أكثَرُها وَبالًا وأشَدُّها في التَّحريمِ، والأصلُ في الرِّبا: الزِّيادةُ والارتفاعُ والكثرةُ. يُنظر: ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) للتوربشتي (3/ 1084)، ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 241). الاستِطالةَ [923] الاستطالةُ في عِرضِ النَّاسِ، أي: استحقارُهم، والتَّرفُّعُ عليهم، والوقيعةُ فيهم. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 145). في عِرضِ المُسلمِ بغَيرِ حَقٍّ)) [924] أخرجه أبو داود (4876) واللَّفظُ له، وأحمد (1651). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4876)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (435)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/118)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1651)، وجوده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (500) .
قال المظهَريُّ: (الاستِطالةُ: إطالةُ اللِّسانِ في غِيبةِ أحَدٍ أو قَذفِه أو شَتمِه؛ يَعني: غِيبةُ النَّاسِ وقَذفُهم أشَدُّ مِن أكلِ الرِّبا وأخذِه وإعطائِه؛ لأنَّ نَفسَ المُسلمِ أشرَفُ مِن مالِه، فإيذاءٌ يَتَعَلَّقُ بنَفسِه أشَدُّ مِن ضَرَرٍ يَتَعَلَّقُ بمالِه) [925] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (5/ 241). .
وقال التُّوربشتيُّ: (إنَّما عَبَّرَ عنه بلفظِ الرِّبا؛ لأنَّ المُتَعَدِّيَ يَضَعُ عِرضَه في مُقابَلةِ عِرضِه، ثُمَّ يَستَزيدُ عليه) [926] ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) (3/ 1084). .
8- عن أبى هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أتدرونَ ما المُفلِسُ؟ قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا دِرهمَ له ولا مَتاعَ، فقال: إنَّ المُفلِسَ مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَم هذا، وقذَف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفَك دمَ هذا، وضرَب هذا؛ فيُعطى هذا مِن حَسَناتِه، وهذا من حَسَناتِه، فإن فنِيَت حَسَناتُه قَبلَ أن يُقضى ما عليه أُخِذ مِن خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ)) [927] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم قَبل حَديث (6183) مُختَصَرًا بلفظ: ((إنَّما المُفلسُ الذي يُفلسُ يَومَ القيامةِ))، وأخرجه مَوصولًا مسلم (2581) واللَّفظُ له. .
9- عن أسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((شَهِدتُ الأعرابَ يسألون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعلينا حَرَجٌ في كذا؟ أعلينا حَرَجٌ في كذا؟ فقال لهم: عبادَ اللهِ، وضَعَ اللهُ الحَرَجَ، إلَّا من اقتَرَض مِن عِرضِ أخيه شيئًا، فذاك الذي حَرِجَ. فقالوا يا رَسولَ اللهِ: هل علينا جُناحٌ أن لا نَتَداوى؟ قال: تَداوَوا عِبادَ اللهِ؛ فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَع مَعَه شِفاءً، إلَّا الهَرَمَ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ما خيرُ ما أُعطيَ العَبدُ؟ قال: خُلُقٌ حَسَنٌ)) [928] أخرجه مِن طُرُقٍ: أبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6064)، وابن عبدِ البَرّ في ((التَّمهيد)) (5/281)، والحاكِم في ((المستدرك)) (421)، وابن دَقيقِ العيدِ في ((الاقتِراح)) (95)، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقَولُه: ((فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَعَ مَعَه شِفاءً)). أخرجه البخاري (5678) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((ما أنزَل اللهُ داءً إلَّا أنزَل له شِفاءً)). .
وفي رِوايةٍ عن أسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجًّا، فكان النَّاسُ يَأتونَه، فمَن قال: يا رَسولَ اللهِ، سَعيتُ قَبلَ أن أطوفَ، أو قَدَّمتُ شيئًا أو أخَّرتُ شيئًا، فكان يَقولُ: لا حَرَجَ لا حَرَجَ، إلَّا على رَجُلٍ اقتَرَضَ عِرضَ رَجُلٍ مُسلمٍ وهو ظالِمٌ، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَك)) [929] أخرجها أبو داود (2015) واللَّفظُ له، وابن خزيمة (2774)، والطبراني (1/182) (474). صَحَّحها ابن خزيمة، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2015)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/43)، وصحح إسنادها الحاكم في ((المستدرك)) (8419). .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اقتَرَضَ عِرضَ رَجُلٍ مُسلمٍ))، أي: نال مِنه وعابَه، وقَطعَه بالغِيبةِ، وأصلُ القَرضِ: القَطعُ، قال أبو الدَّرداءِ: «إن قارَضتَ النَّاسَ قارَضوك»، يَقولُ: إن سابَبتَهم سابُّوك، وإن نِلتَ مِنهم نالوا مِنك [930] يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (12/ 139). وقال ابنُ الأثيرِ: (الاقتِراضُ: افتِعالٌ مِنَ القَرضِ، وهو القَطعُ، كَأنَّه يَقطَعُ بالمِقراضِ، والمُرادُ به: الغِيبةُ). ((جامِع الأُصول)) (3/ 304). .
وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فذلك الذي حَرِجَ)): أي: وقَعَ مِنه حَرَجٌ، ((وهَلَك)) أي: بالإثمِ [931] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 1834). .
10- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا ماتَ صاحِبُكُم فدَعوه، ولا تَقَعوا فيه)) [932] أخرجه أبو داود (4899) واللَّفظُ له، والترمذي (3895) مُطوَّلًا باختلافٍ يسيرٍ. صَحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (3019)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4899)، وصَحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4899)، وجوَّده العراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (5/246). .
وعنها رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا الأمواتَ؛ فإنَّهم قد أفضَوا إلى ما قدَّموا)) [933] أخرجه البخاري (1393). .
وعنِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا الأمواتَ فتُؤذوا الأحياءَ)) [934] أخرجه الترمذي (1982)، وأحمد (18209). صَحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (3022)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (1982)، والوادعيُّ على شرطِ الشيخينِ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1134)، وقال النوويُّ في ((خلاصة الأحكام)) (2/1039): إسنادُه حسنٌ أو صحيحٌ. .
11- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحَدَكُم أنفقَ مِثلَ أحُدٍ ذَهَبًا ما بَلغَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصيفَه)) [935] أخرجه البخاري (3673) واللَّفظُ له، ومسلم (2541). .
وفي حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا أصحابي، لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فوالذي نَفسي بيَدِه لو أنَّ أحَدَكُم أنفقَ مِثلَ أحُدٍ ذَهَبًا ما أدرَكَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصيفَه)) [936] أخرجه مسلم (2540). .
12- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ مِن أكبَرِ الكبائِرِ أن يلعَنَ الرَّجلُ والِدَيه، قيل: يا رسولَ اللهِ، وكيف يلعَنُ الرَّجلُ والِدَيه؟! قال: يسُبُّ الرَّجلُ أبا الرَّجلِ، فيسُبُّ أباه، ويسُبُّ أمَّه)) [937] أخرجه البخاري (5973) واللَّفظُ له، ومسلم (90). .
13- عن حَكيمِ بنِ مُعاويةَ القُشَيريِّ، عن أبيه، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما حَقُّ زَوجةِ أحَدِنا عليه؟ قال: أن تُطعِمَها إذا طَعِمتَ، وتَكسوَها إذا اكتَسَيتَ -أوِ اكتَسَبتَ- ولا تَضرِبَ الوَجهَ، ولا تُقَبِّحَ، ولا تَهجُرَ إلَّا في البَيتِ)) [938] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغةِ التَّضعيفِ قَبل حَديثِ (5202) مُختَصَرًا، ولفظُه: ((غَيرَ أن لا تَهجُرَ إلَّا في البَيتِ))، وأخرجه مَوصولًا أبو داود (2142) واللَّفظُ له، وابنُ ماجه (1850). صَحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (4175)، والدارقطنيُّ كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (4/1300)، وابنُ الملقنِ في ((البدر المنير)) (8/289)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (2142). .
وفي رِوايةٍ عن بَهزِ بنِ حَكيمٍ، حَدَّثَني أبي عن جَدِّي، قال: ((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، نِساؤُنا ما نَأتي مِنهنَّ وما نَذَرُ؟ قال: ائتِ حَرثَك أنَّى شِئتَ، وأطعِمْها إذا طَعِمتَ، واكسُها إذا اكتَسَيتَ، ولا تُقَبِّحِ الوَجهَ، ولا تَضرِبْ)) [939] أخرجها أبو داود (2143) واللَّفظُ له، وأحمد (20030). قال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (2143): حسنٌ صحيحٌ، وحَسَّنه الوادِعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/179)، وحَسَّن إسنادَه ابنُ حجرٍ في ((تغليق التعليق)) (4/431)، وشعيب الأرناؤوط في تخريجِ ((سنن أبي داود)) (2143). .
قال أبو داودَ: («ولا تُقَبِّحْ»: أن تَقولَ: قَبَّحَكِ اللهُ) [940] ((سنن أبي داود)) (2/ 244). .
وقال ابنُ رَسلانَ: («ولا تُقَبِّحْ» أي: لا يَقولُ: قَبَّحَكِ اللهُ، مِنَ القُبحِ وهو الإبعادُ، ولا يَقولُ: قَبَّحَ اللهُ وَجهَك، ولا يَنسُبُه ولا شَيئًا مِن بَدَنِها إلى القُبحِ الذي هو ضِدُّ الحُسنِ؛ لأنَّ اللَّهَ صَوَّرَ وجهَها وجِسمَها، وأحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَه، وذَمُّ الصَّنعةِ يَعودُ إلى مَذَمَّةِ الصَّانِعِ، وهذا نَظيرُ كَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما عابَ طَعامًا ولا شَيئًا قَطُّ [941] لفظه: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ما عابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَعامًا قَطُّ؛ إنِ اشتَهاه أكَله، وإن كَرِهَه تَرَكَه)). أخرجه البخاري (5409) واللَّفظُ له، ومسلم (2064). ، وإذا امتَنَعَ التَّقبيحُ امتَنَعَ الشَّتمُ والسَّبُّ واللَّعنُ بطَريقِ الأَولى) [942] ((شرح سنن أبي داود)) (9/ 472). .
14- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا تَسُبُّوا الدَّهرَ؛ فإنَّ اللَّهَ هو الدَّهرُ)) [943] أخرجه مسلم (2246). .
وفي رِوايةٍ: ((لا يَسُبُّ أحَدُكُمُ الدَّهرَ؛ فإنَّ اللَّهَ هو الدَّهرُ)) [944] أخرجها البخاري (6182)، ومسلم (2247) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ قال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ: يَسُبُّ بَنو آدَمَ الدَّهرَ، وأنا الدَّهرُ؛ بِيَدي اللَّيلُ والنَّهارُ)) [945] أخرجها البخاري (6181). .
وفي رِوايةٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا الدَّهرَ، قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أنا الدَّهرُ؛ الأيَّامُ واللَّيالي أُجَدِّدُها وأُبليها، وآتي بمُلوكٍ بَعدَ مُلوكٍ)) [946] أخرجها أحمد (10438) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5237)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (802). صحَّحها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10438)، وحَسَّنها الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2804)، وصَحَّح إسنادَها ابنُ حجرٍ في ((فتح الباري)) (10/581). .
وفي رِوايةٍ: ((قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: يُؤذيني ابنُ آدَمَ؛ يَقولُ: يا خَيبةَ الدَّهرِ، فلا يَقولَنَّ أحَدُكُم: يا خَيبةَ الدَّهرِ؛ فإنِّي أنا الدَّهرُ، أُقَلِّبُ ليلَه ونَهارَه، فإذا شِئتُ قَبضتُهما)) [947] أخرجها مسلم (2246). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: ((يَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: استَقرَضتُ عَبدي فلم يُقرِضْني، وشَتَمَني عَبدي وهو لا يَدري! يَقولُ: وادَهْراه، وادَهْراه، وأنا الدَّهرُ)) [948] أخرجه أحمد (7988) باختلافٍ يسيرٍ، وابن خزيمة (2479)، والحاكم (1546) واللفظ لهما. صَحَّحه لغيره الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2804)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريجِ ((مسند أحمد)) (15/145)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريجِ ((مسند أحمد)) (7988). وقد ذهَب إلى تصحيحِه ابنُ خزيمةَ، والحاكمُ وقال: على شرطِ مسلمٍ. .
قال المُنذِريُّ: (مَعنى الحَديثِ: أنَّ العَرَبَ كانت إذا نَزَلت بأحَدِهم نازِلةٌ وأصابَته مُصيبةٌ أو مَكروهٌ، يَسُبُّ الدَّهرَ اعتِقادًا مِنهم أنَّ الذي أصابَه فِعلُ الدَّهرِ، كما كانتِ العَرَبُ تَستَمطِرُ بالأنواءِ، وتَقولُ: مُطِرْنا بنَوءِ كَذا اعتِقادًا أنَّ ذلك فِعلُ الأنواءِ، فكان هذا كاللَّعنِ للفاعِلِ، ولا فاعِلَ لكُلِّ شَيءٍ إلَّا اللَّهُ تعالى خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وفِعْلِه، فنَهاهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك) [949] ((الترغيب والترهيب)) (3/ 482). .
15- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا الرِّيحَ؛ فإنَّها مِن رَوحِ اللهِ تَأتي بالرَّحمةِ والعَذابِ، ولكِنْ سَلوا اللَّهَ مِن خَيرِها وتَعَوَّذوا باللهِ مِن شَرِّها)) [950] أخرجه أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727) واللَّفظُ له، وأحمد (7413). صَحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (1007)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (5097)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1402)، وصحَّح إسنادَه على شرطِ الشيخينِ في ((المستدرك)) (7978). .
وفي حَديثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فإذا رَأيتُم ما تَكرَهونَ فقولوا: اللهُمَّ إنَّا نَسألُك مِن خَيرِ هذه الرِّيحِ وخَيرِ ما فيها وخَيرِ ما أُمِرَت به، ونَعوذُ بك مِن شَرِّ هذه الرِّيحِ وشَرِّ ما فيها وشَرِّ ما أُمِرَت به)) [951] أخرجه الترمذي (2252) واللَّفظُ له، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (21138). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2252)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (6)، وقال الترمذيُّ، وابنُ القطانِ في ((النظر في أحكام النظر)) (421): حسنٌ صحيحٌ. .
16- عن زَيدِ بنِ خالدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَسُبُّوا الدِّيكَ؛ فإنَّه يوقِظُ للصَّلاةِ)) [952] أخرجه أبو داود (5101)، والطبراني (5/240) (5210) واللفظ لهما، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5173) باختلافٍ يسيرٍ. صَحَّحه ابنُ القيم في ((زاد المعاد)) (2/431)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (5101)، وصَحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الأذكار)) (451). والحَديثُ رُويَ بلفظِ: ((لا تَسُبُّوا الدِّيكَ؛ فإنَّه يَدعو إلى الصَّلاةِ)). أخرجه أحمد (21679)، والطيالسي (999)، وابن حبان (5731). صَحَّحه ابنُ حبانَ، والألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2797)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (363). .

انظر أيضا: