موسوعة الآداب الشرعية

ثامنَ عشرَ: تَركُ التَّألِّي على اللهِ


يَحرُمُ التَّألِّي على اللهِ عَزَّ وجَلَّ والحُكمُ بأنَّه لا يَغفِرُ لفُلانٍ، أو سيُعَذِّبُ فُلانًا [1004] قال المَظهَريّ: (لا يَجوزُ الحُكمُ بأنَّ اللَّهَ تعالى لا يَغفِرُ لفُلانٍ أو يُعَذِّبُ فُلانًا، وكذلك لا يَجوزُ أن يُقالَ: يَغفِرُ اللهُ لفُلانٍ جُرمًا؛ لأنَّ أحَدًا لا يَعلمُ مَشيئةَ اللهِ وإرادَته في عِبادِه، بَل نَرجو للمُطيعِ ونَخافُ على العاصي، وإنَّما نَجزِمُ القَولَ في حَقِّ مَن جاءَ فيه نَصٌّ عن رَسولِ اللهِ عَليه السَّلامُ). ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (3/ 182). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جُندَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّث: ((أنَّ رجُلًا قال: واللَّهِ لا يغفِرُ اللَّهُ لفلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تعالى قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفِرَ لفُلانٍ؟! فإنِّي قد غَفرتُ لفلانٍ وأحبَطتُ عَمَلَك)) أو كَما قال [1005] أخرجه مسلم (2621). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (يَتَألَّى بمَعنى يَحلِفُ، والأَلِيَّةُ: اليَمينُ، والإحباطُ: الإبطالُ. وهذا المُتَألِّي جَهِل سَعةَ الكَرَمِ، فعُوقِبَ بإحباطِ العَمَلِ) [1006] ((كشف المشكل)) (2/ 50). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: «مَن ذا الذي يَتَألَّى عليَّ ألَّا أغفِرَ لفُلانٍ» استِفهامٌ على جِهةِ الإنكارِ والوعيدِ، ويُستَفادُ مِنه: تَحريمُ الإدلالِ على اللهِ تعالى، ووُجوبُ التَّأدُّبِ مَعَه في الأقوالِ والأحوالِ، وأنَّ حَقَّ العَبدِ أن يُعامِلَ نَفسَه بأحكامِ العُبوديَّةِ، ومَولاه بما يَجِبُ له مِن أحكامِ الإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ) [1007] ((المفهم)) (6/ 608). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((كان رجُلانِ في بني إسرائيلَ متواخِيَينِ، فكان أحَدُهما يُذنِبُ، والآخَرُ مُجتَهِدٌ في العبادةِ، فكان لا يزالُ المجتَهِدُ يرى الآخَرَ على الذَّنبِ فيقولُ: أقصِرْ، فوجَدَه يومًا على ذنبٍ، فقال له: أقصِرْ، فقال: خَلِّنِي ورَبِّي، أبُعِثْتَ عَليَّ رقيبًا؟! فقال: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لك -أو لا يُدخِلُك اللهُ الجنَّةَ- فقبَضَ أرواحَهما، فاجتمعا عند ربِّ العالَمين، فقال لهذا المجتَهِدِ: أكنتَ بي عالِمًا؟ أو كنتَ على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمُذنِبِ: اذهَبْ فادخُلِ الجنَّةَ برحمتي. وقال للآخَرِ: اذهَبوا به إلى النَّارِ))، قال أبو هُرَيرةَ: والذي نفسي بيده لتكَلَّمَ بكَلِمةٍ أوبَقَت دُنياه وآخِرَتَه [1008] أخرجه أبو داود (4901) واللَّفظُ له، وأحمد (8292). صَحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (5712)، وابنُ العربيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (4/320)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4901)، وحَسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1302). .

انظر أيضا: