موسوعة الآداب الشرعية

تاسعَ عشرَ: اجتنبابُ الغِيبةِ والنَّميمةِ


يَجِبُ تَنزيهُ اللِّسانِ عنِ الغِيبةِ [1009] عن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ، قال: (إذا قُلتَ لأخيك مِن خَلفِه ما فيه مِمَّا يَكرَهُ، فهيَ الغِيبةُ، وإذا قُلتَ ما ليسَ فيه فهو البُهتانُ، وظُلمٌ لأخيك أن تَذكُرَه بأقبَحِ ما تَعلمُ مِنه وتَنسى أحسَنَه). رواه ابنُ أبي الدنيا في ((الصمت)) (754). والنَّميمةِ.
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [1010] عن أبي جُبَيرةَ بنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((فينا نزَلَت هذه الآيةُ؛ في بني سَلِمةَ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات: 11] ، قال: قَدِم علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وليس منَّا رجلٌ إلا وله اسمانِ أو ثلاثةٌ، فجعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يا فلانُ، فيقولون: مَهْ! يا رسولَ اللهِ، إنَّه يَغضَبُ من هذا الاسمِ، فأُنزِلَت هذه الآيةُ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [الحجرات: 11] )). أخرجه أبو داود (4962) واللفظ له، والترمذي (3268)، وابن ماجه (3741). صَحَّحه ابنُ حبانَ في ((صحيحه)) (5709)، والحاكمُ على شرطِ مسلم في ((المستدرك)) (3770)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4962)، وقال الترمذي: حسن صحيح بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 11-12] .
2- قال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم: 10 - 12] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((أتدرونَ ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ذِكرُك أخاك بما يَكرَهُ. قيل: أفرَأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تَقولُ فقدِ اغتَبتَه، وإن لم يَكُنْ فيه فقد بَهَتَّه [1011] أي: قُلتَ فيه البُهتانَ، وهو الباطِلُ، وقيل: قُلتَ فيه من الباطِلِ ما حيَّرْتَه به، يقال: بَهَت فلانٌ فلانًا فبُهِتَ، أي: تحيَّرَ في كَذِبِه، وقيل: بَهَتَه: واجَهَه بما لم يَفعَلْه. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 546). ) [1012] أخرجه مسلم (2589). .
2- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بقَومٍ لهم أظفارٌ مِن نُحاسٍ يَخمُشون [1013] يَخمُشون: أي: يَخدِشون ويَجرَحون. يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3218)، ((شرح المصابيح)) لابن الملك (5/ 330). وُجوهَهم وصُدورَهم، فقُلتُ: مَن هؤلاء يا جِبريلُ؟ قال: هؤلاء الذينَ يَأكُلونَ لُحومَ النَّاسِ، ويَقَعونَ في أعراضِهم)) [1014] أخرجه أبو داود (4878) واللَّفظُ له، وأحمد (13340). صَحَّحه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (9/239)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4878)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (112)، وصَحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (13340). .
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حَسْبُك من صَفيَّةَ كذا وكذا -تعني: قصيرةً- فقال: لقد قُلتِ كَلِمةً لو مُزِجَت بماءِ البَحرِ لمزَجَتْه! قالت: وحكَيتُ له إنسانًا، فقال: ما أُحِبُّ أنِّي حكيتُ إنسانًا وأنَّ لي كذا وكذا)) [1015] أخرجه أبو داود (4875) واللَّفظُ له، والترمذي (2502)، وأحمد (25560). صَحَّحه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (118)، والشوكاني في ((الفتح الرباني)) (11/5593)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4875)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1615)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
4- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كانتِ العَرَبُ يَخدُمُ بَعضُهم بَعضًا في الأسفارِ، وكان مَعَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَجُلٌ يَخدُمُهما، فنامَ واستيقَظا ولم يُهيِّئْ طَعامًا، فقالا: إنَّ هذا لنَؤومٌ بينَكُم! فأيقَظاه فقالا: ائتِ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلْ له: إنَّ أبا بَكرٍ وعُمَرَ يُقرآنِك السَّلامَ، وهَما يستأدِمانك [1016] استأدَمَه: طَلَبَ منه الإدامَ، والإدامُ: ما يُستمرَأُ به الخُبزُ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (31/ 203)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 10). . فأتاه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أخبِرْهما أنَّهما قَدِ ائتَدَما! ففَزِعا، فجاءا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالا: يا رَسولَ اللهِ، بَعَثْنا نستأدِمُك، فقُلتَ: ائتَدَما، فبأيِّ شيءٍ ائتَدَمنا؟ فقال: بأكلِكُما لحمَ أخيكُما! إنِّي لأرى لحمَه بينَ ثناياكم! فقالا: يا رَسولَ اللهِ، فاستَغفِرْ لنا. قال: هو فليستَغفِرْ لكُما)) [1017] أخرجه الخرائطي في ((مساوئ الأخلاق)) (180) واللفظُ له، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (1697). صَحَّح إسنادَه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/211). .
5- عن هَمَّامِ بنِ الحارِثِ، قال: كُنَّا جُلوسًا مَعَ حُذَيفةَ في المَسجِدِ، فجاءَ رَجُلٌ حتَّى جَلسَ إلينا، فقيل لحُذَيفةَ: إنَّ هذا يَرفعُ إلى السُّلطانِ أشياءَ، فقال حُذَيفةُ إرادةَ أن يُسمِعَه: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ)) [1018] أخرجه مسلم (170). .
وفي رِوايةٍ عن أبي وائِلٍ، عن حُذَيفةَ، أنَّه بَلَغَه أنَّ رَجُلًا يَنُمُّ الحَديثَ، فقال حُذَيفةُ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ)) [1019] أخرجها مسلم (105). .
قال الخَطَّابيُّ: (القَتَّاتُ: النَّمَّامُ، والنَّميمةُ: نَقلُ الحَديثِ على وَجهِ التَّضريةِ بَينَ المَرءِ وصاحِبِه.
وإذا كان النَّاقِلُ لِما يَسمَعُه آثِمًا فالكاذِبُ القائِلُ ما لم يَسمَعْه أشَدُّ إثمًا وأسوأُ حالًا) [1020] ((معالم السنن)) (4/ 120، 121). ويُنظر: ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) لابن الأنباري (1/ 379). .
6- وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: مَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائِطٍ مِن حِيطانِ المدينةِ أو مكَّةَ، فسَمِعَ صَوتَ إنسانَينِ يُعَذَّبانِ في قُبورِهِما، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يُعَذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبيرٍ، ثمَّ قال: بلى، كان أحَدُهما لا يَستَتِرُ من بولِه، وكان الآخَرُ يمشي بالنَّميمةِ. ثُمَّ دَعا بجَريدةٍ، فكَسَرَها كَسرَتَينِ، فوضَعَ على كُلِّ قَبرٍ مِنهما كَسرةً، فقيل له: يا رَسولَ اللهِ، لمَ فعَلتَ هذا؟ قال: لعَلَّه أن يُخَفَّفَ عنهما ما لم تَيبَسا، أو: إلى أن يَيبَسا)) [1021] أخرجه البخاري (216) واللَّفظُ له، ومسلم (292). .

انظر أيضا: