موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: الإشهادُ على الطَّلاقِ


يُندَبُ الإشهادُ على الطَّلاقِ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق )) للزيلعي (2 / 252)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4 / 105)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/148)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/342). وحُكيَ فيه الإجماعُ: قال ابنُ تيميَّةَ: (ظَنَّ بَعضُ النَّاسِ أنَّ الإشهادَ هو الطَّلاقُ، وظَنَّ أنَّ الطَّلاقَ الذي لا يُشهَدُ عليه لا يَقَعُ. وهذا خِلافُ الإجماعِ، وخِلافُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ولم يَقُلْ أحَدٌ مِنَ العُلماءِ المَشهورينَ به). ((الفتاوى الكبرى)) (3/296). وقال ابنُ نورِ الدِّينِ: (قدِ اتَّفقَ النَّاسُ على أنَّ الطَّلاقَ مِن غَيرِ إشهادٍ: جائِزٌ). ((تيسير البيان لأحكام القرآن)) (4/ 265). وقال ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ: (.... صَرَفه عنِ الوُجوبِ إجماعُهم على عَدَمِه عِندَ الطَّلاقِ، فكَذا الإمساكُ). ((تحفة المحتاج)) (8/ 148). وينظر : ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/58). وقال الصَّنعانيُّ: (قدِ اتَّفقَ النَّاسُ على أنَّ الطَّلاقَ مِن غَيرِ إشهادٍ: جائِزٌ). ((سبل السلام)) (2/ 267). وقال الشَّوكانيُّ: (مِنَ الأدِلَّةِ على عَدَمِ الوُجوبِ أنَّه قد وقَعَ الإجماعُ على عَدَمِ وُجوبِ الإشهادِ في الطَّلاقِ، كَما حَكاه الموزعي في "تيسير البيان"). ((نيل الأوطار)) (6/ 300). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق: 2.
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ دَليلٌ على نَدبيَّةِ الإشهادِ؛ فقد أمَرَ اللَّهُ تعالى بالإشهادِ دَفعًا لتَناكُرِ الزَّوجَينِ ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (4/ 162). ، وكُلُّ إشهادٍ أُمِرَ به في القُرآنِ لمَعنًى قد تَقَدَّمه ليسَ مِمَّا لا بُدَّ مِنه، وإنَّما هو على سَبيلِ النَّدبِ إلى ذلك؛ لخَوفِ عاقِبةٍ فيه أو ما سِواها، كَما قال عَزَّ وجَلَّ في الدَّينِ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ البقرة: 282 ((أحكام القرآن)) للطحاوي (2/ 329). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: ((أنَّه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائِضٌ، في عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأل عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، فقال له رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مُرْه فلْيُراجِعْها، ثمَّ لِيَترُكْها حتَّى تَطهُرَ، ثمَّ تحيضَ، ثمَّ تَطهُرَ، ثمَّ إن شاء أمسَكَ بَعدُ، وإن شاء طَلَّقَ قَبلَ أن يمَسَّ؛ فتلك العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أن يُطَلَّقَ لها النِّساءُ)) أخرجه البخاري (5251) واللفظ له، ومسلم (1471). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما طَلَّق زَوجتَه، ولم يسألِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل أشهَدَ أم لا ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (5/ 68). ؟
ج- مِنَ الآثارِ
أنَّ عِمرانَ بنَ حُصينٍ سُئلَ عن الرَّجُلِ يُطلِّقُ امرأتَه ثمَّ يقَعُ بها، ولم يُشهِدْ على طلاقِها، ولا على رجْعتِها، فقال: (طَلَّقتَ لِغَيرِ سُنَّةٍ، وراجعْتَ لغيرِ سُنَّةٍ؛ أشهِدْ على طلاقِها وعلى رَجعتِها، ولا تَعُدْ) أخرجه أبو داود (2186) واللفظ له، وابن ماجه (2025). صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2186)، وحسَّنَه ابن القطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5/29)، وصَحَّح إسناده ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (325)، والشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/409)، وابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (620)، وجَوَّدَه ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (2/402) .
وأما التَّعليلُ فللآتي:
1- لأَنَّ الطَّلاقَ مُتعَلِّقٌ بِفِعْلِ المُطَلِّقِ دونَ غَيرِه ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/141). .
2- لأنَّ ما لا يُشتَرَطُ فيه الوَليُّ لا يُشتَرَطُ فيه الإشهادُ، كالبَيعِ ((الشرح الكبير )) لشمس الدين ابن قدامة (8/ ٤٧٣). .

انظر أيضا: