موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الإشهادُ على الرَّجعةِ


يُستَحَبُّ الإشهادُ على الرَّجعةِ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ -في الأظهَرِ عِندَهم-، والحَنابلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/252)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/261)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/301)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/342). وحُكيَ الإجماعُ على ذلك: قال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ بَينَ أهلِ العِلمِ في استِحبابِ الإشهادِ). ((الشرح الكبير)) (8/473). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/523). ورُويَ عن أحمَدَ أنَّها تَجِبُ، وهو قَولٌ للشَّافِعيِّ؛ قال ابنُ قُدامةَ: (فأمَّا الشَّهادةُ ففيها رِوايَتانِ: إحداهما: تَجِبُ، وهذا أحَدُ قَوليِ الشَّافِعيِّ). ((المغني)) (7/522). وينظر: ((إعانة الطالبين)) لبكري الدمياطي (4/36).
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ البقرة: 229.
2- قال عزَّ وجلَّ: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ البقرة: 228.
3- قال سُبحانَه وتعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ البقرة: 231.
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآياتِ:
أنَّه تعالى أجاز الرَّجعةَ في هذه الوُجوهِ مِن غَيرِ ذِكرِ إشهادٍ؛ فوجَب جوازُها؛ لعُمومِ هذه الآياتِ يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/140). .
4- قال تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ الطَّلاق: 2.
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ عَطفٌ على الرَّجعةِ في قَولِه تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطَّلاق: 2، وعلى الطَّلاقِ في قَولِه: أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، ثمَّ لم تَجِبْ في الطَّلاقِ، وهو أقرَبُ المذكورَينِ، فكان بألَّا تَجِبَ في الرَّجعةِ -لِبُعدِها- أولى؛ فعلى هذا تكونُ الشَّهادةُ عليها نَدبًا يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/319). .
ب- مِنَ الآثارِ
أنَّ عِمرانَ بنَ حُصينٍ سُئلَ عن الرَّجُلِ يُطلِّقُ امرأتَه ثمَّ يقَعُ بها، ولم يُشهِدْ على طلاقِها، ولا على رجْعتِها، فقال: (طَلَّقتَ لِغَيرِ سُنَّةٍ، وراجعْتَ لغيرِ سُنَّةٍ؛ أشهِدْ على طلاقِها وعلى رَجعتِها، ولا تَعُدْ) أخرجه أبو داود (2186) واللفظ له، وابن ماجه (2025). صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2186)، وحسَّنَه ابن القطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5/29)، وصَحَّح إسناده ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (325)، والشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/409)، وابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (620)، وجَوَّدَه ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (2/402) .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- لأنَّ الرَّجعةَ حَقٌّ للزَّوجِ، وليس في الأصولِ كَونُ الإشهادِ شَرطًا في استيفاءِ حَقِّ الإنسانِ لِنَفسِه يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/141). .
2- لأنَّ الفُرقةَ لَمَّا صَحَّت بغيرِ إشهادٍ كانت الرَّجعةُ كذلك؛ إذ كُلُّ واحدٍ منهما مُتعَلِّقٌ بفِعلِه دونَ غَيرِه يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/141). .
3- لأنَّ الرَّجعةَ لا تَفتَقِرُ إلى قَبولٍ مِنَ المرأةِ، فلم تفتَقِرْ إلى شَهادةٍ، كسائِرِ حُقوقِ الزَّوجِ يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/473). .
4- لأنَّ ما لا يُشتَرَطُ فيه الوَليُّ لا يُشتَرَطُ فيه الإشهادُ، كالبَيعِ يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/473). .
5- لأنَّها في حُكمِ الزَّوجاتِ، بدَليلِ ثُبوتِ التَّوارُثِ، ولُحوقِ الطَّلاقِ والظِّهارِ والإيلاءِ، والانتقالِ إلى عِدَّةِ الوفاةِ إذا مات الزَّوجُ. والإشهادُ إنَّما أُمِرَ به للاحتياطِ؛ مخافةَ أن تُنكِرَ المرأةُ الرَّجْعةَ، فتنقَضيَ العِدَّةُ فتَنكِحَ زَوجًا آخَرَ يُنظر: ((التفسير البسيط)) للواحدي (21/505). .

انظر أيضا: