موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: مَبِيتُ المُعتَدَّةِ مِن طَلاقٍ رَجعيٍّ في بَيتِ الزَّوجيَّةِ


يَجِبُ على المُعتَدَّةِ مِن طَلاقٍ رَجعيٍّ أن تَبيتَ في بَيتِ الزَّوجيَّةِ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (2/279)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/510)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/259)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/206). ، ولا يَجوزُ أن تَبيتَ في غَيرِه يَقَعُ بَعضُ النِّساءِ في خَطَأٍ فاحِشٍ يُساعِدُهنَّ عليه صُوَيحِباتُهنَّ، ورُبَّما آباؤُهنَّ وأُمَّهاتُهنَّ، وهو خُروجُهنَّ مِن بَيتِ الزَّوجيَّةِ بمُجَرَّدِ ما يَقَعُ الطَّلاقُ الرَّجعيُّ، بزَعمِ أنَّ الطَّلاقَ إهانةٌ مِنَ الزَّوجِ، وأنَّ الخُروجَ مِنَ البَيتِ فيه إكرامٌ لهنَّ، مَعَ أنَّ بَقاءَ المَرأةِ في بَيتِ زَوجِها فيه امتِثالٌ لأمرِ اللهِ تعالى، وهو مِن أعظَمِ الأسبابِ لرُجوعِها إلى زَوجِها، ولمِّ الشَّملِ بَينَهما. ((فقه الأسرة)) بإشراف علوي السقاف (ص: 647). مِن غَيرِ ضَرورةٍ يَجوزُ للمُعتَدَّةِ أن تَبيتَ في غَيرِ بَيتِها للضَّرورةِ. قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (يَلزَمُ المُعتَدَّةَ مِنَ الوفاةِ والطَّلاقِ أيضًا المَبيتُ في بَيتِها، لا تَخرُجُ عنه إلَّا مِن عُذرٍ وأمرٍ لا بُدَّ لها مِنه، ولا تَجِدُ مَن يَقومُ لها به). ((الكافي)) (2/623). وقال النَّوويُّ: (تَنتَقِلُ مِنَ المَسكَنِ؛ لخَوفٍ مِن هَدمٍ أو غَرَقٍ، أو على نَفسِها، أو تَأذَّت بالجيرانِ، أو هَمَّ بها أذًى شَديدٌ). ((منهاج الطالبين)) (ص: 257). وينظر: ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (3/536)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/204). .
الدَّليل على ذلك مِنَ الكتابِ:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ أي: لا تُخرِجوا مَن طلَّقتُم مِن نِسائِكم مِنَ البُيوتِ الَّتي كُنَّ يَسكُنَّ فيها قبْلَ طَلاقِهنَّ، بل أبقوهنَّ فيها حتَّى تَنتهيَ عِدَّتُهنَّ، ولا يَخرُجْنَ هُنَّ أنفُسُهنَّ حتَّى تَنقَضيَ عِدَّتُهنَّ كذلك. إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي: إلَّا أن يَرتَكِبْنَ فاحِشةً واضِحةً، وشَديدةَ القُبحِ، كبَذاءةِ اللِّسانِ، أو أذيَّةِ أقارِبِ الزَّوجِ، أو الوُقوعِ في مَعصيةٍ عَظيمةٍ كالزِّنا. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي: وتلك الأحكامُ المذكورةُ للطَّلاقِ والعِدَّةِ، والأمرِ ببَقاءِ المُطَلَّقةِ في بَيتِ زَوجِها حتَّى تَنتهيَ عِدَّتُها: قد حدَّدها اللهُ وبيَّنها لكم؛ فَقِفُوا عِندَها، ولا تَعْتَدُوها. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي: ومَن يَتجاوَزْ أحكامَ اللهِ الَّتي شَرَعَها لعِبادِه في الطَّلاقِ وغَيرِه، فقد أضَرَّ نَفْسَه بتَضييعِ مَصلَحتِها في الدُّنيا والآخِرةِ، واكتِسابِها الآثامَ. لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا أي: لا تَدْري ما يَحدُثُ في مُستَقبَلِ الأيَّامِ؛ فلَعَلَّ اللهَ يُحدِثُ بعدَ طَلاقِ الرَّجُلِ لزَوجتِه أمرًا نافِعًا لهما، وذلك بأن يُصلِحَ ذاتَ بَيْنِهما، ويُغَيِّرَ ما في قُلوبِهما مِنَ البُغضِ والعَداوةِ إلى الموَدَّةِ والمحَبَّةِ؛ فيُراجِعَها). ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (39/ 15-17). الطلاق: 1.
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه تعالى: وَلَا يَخْرُجْنَ نَهيٌ مِنَ اللهِ تعالى أن تخرُجَ المرأةُ المُطَلَّقةُ مِن مَسكَنِها الذي طُلِّقَت فيه، فلا تبيتُ إلَّا به يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/206)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/586). ويُنظر أيضًا: ((التسهيل)) لابن جزي (2/384). .

انظر أيضا: